تواصل الإمارات خطواتها نحو تقويض أركان الدولة في اليمن، من خلال تهميش وتقليل سلطات الحكومة الشرعية، وكان آخرها منع عقد جلسات البرلمان اليمني بالعاصمة المؤقتة عدن (جنوب).
ورغم أن الإمارات أعلنت سحب معظم قواتها في اليمن مؤخراً، فإنها تدعم قيادات انفصالية ومليشيات خارج سلطة الحكومة، تضم نحو 80 ألف شخص تحت ما يسمى “الأحزمة الأمنية”؛ بهدف تقويض سلطة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، المقيم بالعاصمة السعودية الرياض.
وتتأثر الشرعية اليمنية وتتقوض صلاحيتها يوماً تلو الآخر، ببقاء معظم مسؤوليها، ومن ضمنهم الرئيس هادي نفسه خارج البلاد، وتتحدث مصادر حكومية وتقارير دولية عن أن أبوظبي هي من تقف وراء ذلك، لكونها هي من تملك القرار الأمني الأول في عدن ومعظم المناطق المحررة.
آخرها البرلمان
في أبريل الماضي، تكللت جهود حثيثة امتدت سنواتٍ بالتئام البرلمان اليمني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية للمرة الأولى، وكانت العقبة الرئيسة منع الإمارات عقد الجلسات.
ورغم أن عدن هي عاصمة البلاد ومتوافرة فيها الأماكن المناسبة لعقد جلسات البرلمان، فإن الإمارات أصرت على رفض عقد مجلس النواب جلساته في عدن، وهو ما اضطر -بحسب مصادر “الخليج أونلاين”- الحكومة إلى عقد تلك الجلسات في سيئون بحضرموت، بعد التوصل إلى تفاهمات مع الجانب السعودي.
ومنذ اللحظات الأولى للحرب (مارس 2015)، بدأت معركة الشرعية في انتزاع البرلمان من الحوثيين، وقامت بعمليات استقطاب حتى اكتمل النصاب القانوني للانعقاد، إلا أن الإمارات وحلفاءها النافذين في عدن منعوا انعقاد المجلس مراراً وتكراراً، قبل أن ينعقد في سيئون وتُرفع الجلسات على أن تُستأنف بعد عيد الفطر مطلع شهر يونيو الماضي، إلا أنه لم يحصل.
وفي سبيل حل الأزمة، اضطر رئيس مجلس النواب اليمني، سلطان البركاني، إلى زيارة أبوظبي، في سبيل إقناع الإماراتيين بعقد الجلسات، لكن مصادر قالت لـ”الخليج أونلاين”، إن الإمارات رفضت طلب البركاني.
استمرار فشل عقد البرلمان
ويقول نائب رئيس البرلمان اليمني للشؤون التنظيمية والفنية محسن باصرة، إن هيئة رئاسة المجلس تفاضل بين 3 مدن لاستضافة دورة المجلس الاعتيادية المرتقبة، دون الكشف عن أسمائها.
وأكد نائب رئيس البرلمان، في تصريحات لوسائل إعلام محلية قبل أيام، أن هيئة الرئاسة ستجتمع قبل موعد انعقاد الدورة الاعتيادية للمجلس، وستعلن المكان والزمان بحسب نصوص لوائح المجلس.
يأتي ذلك في وقت تناقلت فيه مصادر إعلامية يمنية، أن توجهاً جدياً لدى البرلمان لعقد جلساته في محافظة مأرب، لكن ذلك لا يزال موضع بحث بين المجلس والحكومة اليمنية.
وسبق أن زار عبد العزيز جباري، نائب رئيس البرلمان اليمني، محافظة مأرب، والتقى السلطة المحلية هناك، لبحث إمكانية عقد الجلسات؛ بعد فشل عقدها في المناطق الجنوبية.
ويُعد البرلمان اليمني أكبر مكون رئيس في البلاد بعد الرئيس، ويعتبر تفعيله بداية لتعزيز الرقابة على الحكومة ومؤسساتها، وسيسهم بشكل رئيس في استعادة الشرعية اليمنية دورها الفاعل في مناطق سيطرتها.
تقويض الحكومة
بعد أكثر من خمس سنوات على تحرير أجزاء كبيرة من اليمن، تكاد تكون البصمة الأهم لنفوذ أبوظبي وتحوُّلها إلى صاحبة القرار الأول في هذه المناطق، من خلال إحباط عودة السلطة الشرعية اليمنية ومسؤوليها لممارسة مهامهم من داخل البلاد.
واعتبرت الناشطة السياسية حنان البدري، أن تصرفات الإمارات في اليمن “تهدف إلى تقزيم وتشويه دور الدولة والشرعية”.
وأضافت في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: إن بلادها “لن تتحرر من مليشيا الحوثي إلا بتحرير القرار السيادي اليمني المصادَر أولاً، ورسم علاقة واضحة بين الشرعية والتحالف فيما يتعلق بمستقبل اليمن”.
ووصف مستشار وزارة الإعلام اليمني، مختار الرحبي، ما تفعله الإمارات في اليمن، بأنه “عبث واضح للعلن، ولا يخفى على أحد، من خلال مليشياتها في مناطق الجنوب”.
هادي غير مرحَّب به في بلاده
ويؤكد الرحبي في حديثه مع “الخليج أونلاين”، أن الرئيس اليمني ممنوع من العودة إلى بلاده، مضيفاً: “كما أن الإمارات تمنع مسؤولين من العودة ومزاولة عملهم في مدينة عدن”.
وقال الرحبي: إن “الإمارات التي جاءت من أجل استعادة الشرعية وإعادتها إلى اليمن لم تفعل ذلك؛ بل جاءت لتستولي عليها وتمنع الرئيس من العودة ليستأنف عمله من عاصمة البلاد المؤقتة”.
كما أكد المسؤول الحكومي أن أبوظبي رفضت عقد جلسات البرلمان في مدينة عدن، رغم زيارة رئيس المجلس إلى الإمارات، منتصف يوليو الجاري، مطالباً حكومته بطردها من البلاد.
وسبق أن شهدت علاقة الرئيس اليمني بالإمارات توتراً كبيراً، خلال العامين الأخيرين، كان أبرزها نشر قوات إماراتية في جزيرة سقطرى، منتصف العام الماضي، والدعم العسكري الإماراتي الذي مكّن مؤيدي الانفصال في عدن من الاستيلاء على مؤسسات الدولة فيها.
ويقبع رئيس اليمن في الرياض، منذ مارس 2015، وزار بلاده أياماً محدودة مشروطة بعودة إلى السعودية، وتحذيره من التحالف بالتخلي عن مسؤوليته عن حياة هادي في حال أصر على البقاء في البلاد.
اتهامات لأبوظبي
ويرى اليمنيون أن الإمارات استغلت مشاركتها في التحالف لتسيطر من خلال تلك المليشيا على جزيرة سقطرى وميناءي عدن والمخا، جنوبي البلاد، فضلاً عن إقامتها قاعدة عسكرية في جزيرة ميون، جنوب غرب، المتاخمة لمضيق باب المندب، الذي يمثل ممراً مائياً استراتيجياً للتجارة العالمية.
وعلاوة على هذا بات واضحاً دعم أبوظبي للانفصاليين؛ من خلال تمكينهم عسكرياً وسياسياً في محافظات الجنوب.
ويتهم مسؤولون حكوميون يمنيون، بين الحين والآخر، أبوظبي بالخروج عن أهداف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وكانت أبرز التصريحات من رئيس الوزراء اليمني السابق، أحمد عبيد بن دغر، الذي شن هجوماً ضمنياً عنيفاً على الممارسات التي تتبعها دولة الإمارات، قائلاً: “إن سياسات التقسيم التي يمارسها بعضهم تُغضب غالبية اليمنيين، وإن هناك مؤامرة تعصف باليمن”.
وقال في صفحته في “فيسبوك”، في يونيو الماضي: “يدعم هؤلاء مخطط التقسيم دون تفكير أو اعتبار لمصالح ومشاعر الشعب اليمني وحقه في الحفاظ على وحدته وسيادته على أرضه، متجاهلين في الوقت ذاته مصالح الأمة وأمنها”.
وقبل ذلك قال وزير النقل، صالح الجبواني، في تغريدة له على “تويتر”، إن علاقة بلاده بـ”أبوظبي” أصبحت “ملتبسة”، مضيفاً: “آن للشرعية أن تتخذ موقفاً بتصحيح علاقتها بأبوظبي أو فض التحالف معها”.