نواصل في “عدن نيوز” سلسلتنا الاستقصائية حول شخصية رئيس الوزراء نائب رئيس الجمهورية الأسبق خالد بحاح.
كان من المفترض أن يشكل انتصار الشرعية الأهم في عدن والتي نجحت وبإسناد من مقاتلات التحالف العربي بطرد مليشيات الحوثي في منتصف يوليو 2015م، أن يشكل حجر الزاوية ونقطة الانطلاق لبدء معركة التحرير الوطنية ضد الانقلاب الحوثي، كما نص عليه الإعلان الخالد لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي برفع علم الجمهورية من جديد في جبال مران.
غير أن الاجندات السياسية التي كانت تخبئها أبوظبي ظهرت للعلن مع إصرار قيادة الشرعية على استكمال المعركة وتلكؤ واضح من الإمارات. أما بحاح الذي ذهب الإمارات لحثها على مواصلة دعم المشروع العسكري عقب تحرير عدن، عاد بوجه غير الوجه الذي غادر به.
بدأ بحاح بترويج وجهة النظر الإماراتية وأن المرحلة تتطلب تنسيقاً كلياً مع أبوظبي وأن التصادم مع الرغبة الإماراتية يعد “خطأ استراتيجي فادح”، باعتبارها الشريك الثاني الفاعل في التحالف العربي بعد السعودية.
كما واصل مهامه كرئيس للوزراء، مكتفياً بزيارات قصيرة للمدن المحررة، ومن بينها مدينة مأرب والتي تحررت مطلع شهر أكتوبر 2015م، في حين أن أول زيارة أجراها بحاح لها كان في أواخر شهر نوفمبر، أي بعد نحو شهرين من التحرير.
وفي حين أولى الرئيس هادي ثقة مطلقة ببحاح لترتيب الوضع في المدن المحررة وإعادة دوران عجلة الخدمات والتنمية الحكومية فيها، انشغل بحاح بزياراته المتكررة والمشبوهة للإمارات وعدد من العواصم العربية والغربية، فغرقت المدن المحررة في فوضى مريعة مع انعدام أي دور واضح أو ملموس للحكومة التي يقودها.
وشيئاً فشيئاً وصل الحال الخدماتي في المدن المحررة وعلى رأسها عدن الى الحضيض، فانعدمت المشتقات النفطية وانهارت أسعار صرف العملة المحلية، وانتشرت القمامة وطفحت المجاري الى الشوراع الرئيسية، وحل الظلام الدامس جميع الأرجاء مع انقطاع الكهرباء جراء انعدام الوقود.
كان ذلك الفشل الملموس في كل النواحي والمجالات مثار سخط شعبي واسع استثمرته الإمارات وبعض المليشيات التي كانت قيد التشكيل في عدن، فوجهت اتهاماتها للشرعية بالفساد.
وبعد الفشل الذريع في أداء حكومة بحاح اضطر الرئيس هادي لإصدار قرارات جمهورية وصفت بـ “التاريخية” لتصحيح المسار وتقويم دور الحكومة، فالنجاحات العسكرية على الأرض كانت تفترض نجاحاً تنموياً على أرض الواقع.
القرارات التي أعلنت يوم 3 أبريل 2016م نصت على: إقالة خالد بحاح من كافة مناصبه كنائب للرئيس وكرئيس لمجلس الوزراء، وتعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر كقائد جديد للحكومة، والفريق علي محسن الأحمر كنائب للرئيس.
كانت تلك القرارات بمثابة أكبر صدمة تتعرض لها الإمارات، خاصة وأنها كانت تعد بحاح لمشروع سياسي قادم، يقوم على تجاوز الرئيس هادي في أي تسوية سياسية باعتباره أحد أطراف الصراع. بينما لاقت تلك القرارات ترحيباً سعودياً كبيراً.
ومن الجدير القول بأن بحاح الذي واصل استفزاز هادي قبل قرار إقالته بتدخله في شئون الرئيس ومن ضمنها تشكيلة الوفد الوطني في مفاوضات الكويت كان يتكئ في الأصل على الدعم الإماراتي له، حيث وعدته القيادة هناك بأنها ستحول دون استصدار أي قرار يزيحه، ولهذا حينما جاءت القرارات ورأى بحاح مشروعه وحلمه السياسي بتصدر المشهد ينهار في غمضة عين خرج بتصريحات نزقة وغير دبلوماسية ولا تصدر من رجل دولة، خاصة وهو السياسي الذي لطالما أعجب الناس بتصريحاته، موجهاً بعد ثلاثة أيام من الإقالة عريضة مطولة من الاتهامات للشرعية بالفساد والتربح في مجالات شتى وعلى رأسها النفط.
ولم يكتف بحاح بهذا بل هاجم الرئيس هادي صراحة فقال إنه “وفق المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، ووثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار؛ فإن المرحلة الانتقالية وعملية الانتقال السياسي مبنيتان على الشراكة والتوافق” على حد قوله.
وأضاف “المفترض أن يكون هناك توافق على رئيس الحكومة كما هو الحال عند تعيين خالد بحاح الذي تم التوافق عليه، وفُوِّض بتشكيل حكومة كفاءات من داخل الأحزاب أو من خارجها، أو العودة إلى المبادرة الخليجية وآليتها التتفيذية وتشكيل الحكومة وفقا للاتفاقيات السابقة” وفق البيان.
ذلك البيان لاقى سخرية واسعة لدى الشارع اليمني، فكيف لرئيس حكومة أن يتهم حكومته بالفساد بعد إقالته.
أما الرئيس هادي فقد أقفل باب الجدل في هذا المجال معلناً إن قرار إقالة خالد بحاح من رئاسة الوزراء كان نتيجة للاخفاق الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية.
وأضاف الرئيس هادي أن تعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة اليمنيين وحل مشاكلهم وتوفير احتياجاتهم، وخصوصا دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء، دفع به لإعادة النظر في مسألة مواصلة بحاح عمله في منصبه كرئيس للوزراء.
وتابع في بيان له أن عدم توفر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم الذي قدمه التحالف العربي، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، وعدم تحقيق مايصبوا إليه اليمنيون من استعادة الدولة واستباب الأمن والاستقرار والمصلحة الوطنية، دفعه لاتخاذ مثل هذا القرار.
وجراء قرار الإقالة ارتفع منسوب التوتر بين قيادة الشرعية وبين الإمارات الى درجاته القصوى.
وتوارى بحاح عن المشهد السياسي عقب إقالته، لكنه عاد بعد أشهر عدة، في زيارات غامضة أجراها الى ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية، وأدلى فيها بتصريحات مريبة تلمح الى أنه سيعود الى المشهد اليمني.
وأثارت تلك التصريحات عدة تساؤلات عن طبيعة التحركات الخارجية التي بدأها بحاح والندوات التي أقامها، حيث قال بأنه سيقوم بالاضطلاع بدور المحرّك لعملية السلام، وسيزور عدداً من العواصم الغربية والعربية في سبيل إنجاح التسوية السياسية، وكذلك دعم اليمن في الجانب الإغاثي.
وفي لقاء تلفزيوني مثير أجراه مع قناة بي بي سي البريطانية في نوفمبر 2016م فجر بحاح الجدل مجدداً بتصريحات نارية قال فيها أنها مسألة أسابيع أو أشهر على الأغلب ويكون الرئيس هادي رئيساً سابقاً كعلي عبدالله صالح.
غير أن سياسيين أكدوا أن الإمارات هي من أوعزت لبحاح بإصدار هذا التصريح لإحراج الشرعية التي كانت حينها قد تسلمت مبادرة سلام “ملغومة” من وزير الخارجية آنذاك جون كيري، ينسف فيها مشروعية السلطة القائمة ويقترح إزاحة الرئيس من منصبه وتعيين شخصية توافقية محله.
غير أن المؤكد أن بحاح كان يحاول أيضاً الترويج لنفسه بدعم وإيعاز من الإمارات على أنه الشخصية التوافقية ليحل محل الرئيس هادي في التسوية التي سعى لها كيري. وبموت ذاك المقترح مع إصرار الشرعية التمسك بالمراجع الثلاثة في أية مقترحات للسلام: المبادرة الخليجية – مخرجات الحوار الوطني – القرارات الأممية، لقي بحاح والإمارات هزيمة جديدة.