عملت دولة السعادة “الإمارات” على قلب المنطقة وإحداث فوضى من خلال إجهاض الثورات التي تتخذ مساراً معاكساً لسياساتها، ودعم “ثورات مضادة” تتمثل في انقلابات عسكرية وخلق حالة من الفوضى في الدول العربية.
في السودان تُتَّهم الإمارات بالوقوف وراء صعود الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، بعد ترحيبها السبت الماضي، بالبرهان رئيساً وتوجيهها بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي لبحث مجالات المساعدة للشعب السوداني.
وبعد دعم البرهان إماراتياً ومباركة الانقلاب على المخلوع عمر البشير، عادت الذاكرة بالتقارير إلى دعم الإمارات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي قاد الانقلاب العسكري على جماعة الإخوان المسلمين ومحمد مرسي، إذ دَعَمت الإمارات السيسي سياسياً ومالياً وإعلامياً بعد توليه الرئاسة، وحصلت على امتيازات اقتصادية كبيرة، وعملت على تشويه صورة مرسي، وتلميع صورة السيسي على أنه رجل المرحلة في مناهجها الدراسية، وعبر القنوات الإعلامية، ورأت وسائل إعلام الإخوان المسلمين أن الانقلاب يُعد تدميراً لأول نموذج للحكم المدني الديمقراطي في مصر.
كما أن البرهان تنقَّل في الفترة الأخيرة بين اليمن والإمارات لكونه مشرفاً على القوات السودانية التي تقاتل في اليمن ضمن حرب التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتولى البرهان عملية تنسيق إرسال الجنود السودانيين إلى اليمن.
موقع إمارات ليكس في تقرير له أمس الأحد، يصف الإمارات بـ”عراب الثورات المضادة” ويرى أن تدخلاتها “تخريبية”، ويشير إلى أن المشهد لم يقتصر على دعم الإمارات التجارب الانقلابية، بل تجاوزها إلى ضرب خطوط إمداد الثورات سواء مادياً أو إعلامياً أو سياسياً؛ بدعم حرب الانقلابات على الأنظمة والقوى الداعمة للثورات، سواء خليجياً بحصار قطر، والعمل على تغيير نظام الحكم فيها بالتآمر العلني، أو بالعداء الصريح لدولة تركيا، بدعم انقلاب يوليو/تموز الفاشل في عام 2016 بمليارات الدولارات، وفقاً للموقع.
إضافةً إلى ما يحدث في السودان، وما حدث سابقاً في مصر، دار حديثٌ مؤخراً حول تدخُّل الإمارات في الاحتجاجات الجزائرية التي نجحت في تنحية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
وراجت فكرة أن الإمارات تقف وراء النظام في الجزائر، على خلفية لقاءٍ بين حاكم دبي محمد بن راشد، والفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الجزائري في فبراير/شباط 2019، وتزامن اللقاء مع تصاعد الاحتجاجات، وهو ما أثار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي حول دور الإمارات في تأجيج الفوضى في الشارع الجزائري، وتسربت معلومات في وسائل الإعلام حول تشكيل غرفة عمليات على مستوى رفيع من الإمارات، وفرنسا، لمتابعة الشأن الجزائري.
هاجم الجزائريون الإمارات هجوماً لاذعاً عبر هتافاتهم ولافتاتهم التي كتبوا عليها عبارات منها: تسقط الإمارات، ولا للإمارات في بلد الشهداء.
وتصاعد الرفض الجزائري الشامل متزامناً مع أنباء تفيد أن الإمارات تسعى لاستعادة السلطوية في العالم العربي، وأنها تعتزم بسط نفوذها في ليبيا كما حدث في مصر، وفقاً لموقع موند أفريك الفرنسي في تقرير له بوقت سابق من أبريل/نيسان الجاري، أشار فيه أن الإمارات تكثف جهودها لتجنُّب عملية الانتقال الديمقراطي في الجزائر التي من شأنها أن تقوض نفوذها في البلاد.
في ليبيا تصدَّر اللواء المتقاعد خليفة حفتر المشهد بدعم إماراتي- مصري، للقضاء على الجماعات الإسلامية المتنامية في البلاد، ووفّرت له الإمارات كل سبل الدعم المالي والعسكري لتمكينه من بسط سيطرته على عموم ليبيا منذ منتصف عام 2013.
وتم إسناد حفتر بطائرات تجسس وسيارات دفع رباعي، وبالقصف الجوي بالطائرات، وقامت الإمارات بنقل 195 آلية (بيك-آب) قتالية إلى طبرق لصالح حفتر، كما دعمته بطائرات عمودية هجومية من طراز (إم آي 24 بي) بيلاروسة التصنيع، بالإضافة إلى تطوير قاعدة الخادم الخروبة جنوب المرج بتزويدها بالطائرات وبناء حظائر لها.
ويعلّق إمارات ليكس، وهو موقع إماراتي معارض متخصص في نشر تسريبات ضد الدولة الإماراتية، بقوله إن الدور المشبوه الذي تلعبه إمارة أبوظبي يرمي إلى تدمير ليبيا، وتحويلها إلى منطقة صراع دائم، وتفكيك نسيجها الاجتماعي، فبالإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري لحفتر في ليبيا، استحدثت أبوظبي أساليب جديدة، واستخدمت أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها شراء الذمم والضمائر، والتي باتت أحد محددات السياسة الخارجية الإماراتية.
كما يشير الموقع إلى وقوف الإمارات ضد النظام السوري سياسياً لكن مع بقائها معه ومع حلفائه اقتصادياً، حيث خاض أبناء الشيخ زايد حربهم في سوريا كجزء من صراعهم الإقليمي على المنطقة، ضد أعدائهم الواضحين: الثورات العربية، وما يطلَق عليه الإسلام السياسي وضمن شبكاتها السياسية والعسكرية الممتدة، التي يجلس في منتصفها سمسارها وعرّابها محمد دحلان، على حد تعبير الموقع.
أما في تونس، فقد راهنت غرف العمليات الإماراتية على وأد تجربة الثورة التونسية، فقامت الإمارات بدعم كل أذرع الدولة العميقة في تونس إعلامياً وسياسياً ومالياً؛ ونجحت إعلامياً في تأسيس شبكة مهمة من الصحف والقنوات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، التي تدعمها بشكل مباشر عبر مجموعة من رجال الأعمال وبتمويلات “لا تخفى على أحد” على حد تعبير إمارات ليكس.
ويضيف: “لم تكتفِ أبوظبي بذلك، بل سارعت إلى شيطنة الفصيل الإسلامي في تونس، وسعت، ولا تزال، إلى تدمير تجربة التوافق في أعلى هرم السلطة، كما تعمل جاهدة بكل الوسائل على إفشال التجربة التونسية، وإيقاف كل ما له علاقة بالثورات العربية”.
وفي اليمن نشرت أبوظبي قواتها في اليمن على الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية، وأثارت الصراعات بين اليمنيين أنفسهم وفقاً لمبادئ مناطقية وجهوية “شمالاً وجنوباً”، إلى أن أصبح الجنوب خليطاً من الإقطاعيات المدججة بالسلاح والمناطق المضطربة، وصار البعض من اليمنيين القادمين من الشمال ممنوعين من دخول مدينة عدن الجنوبية والعاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية المعترف بها، بدعوى أنهم من المحافظات الشمالية، والمنع هو مهمة القوات التي تدعمها الإمارات بحجَّة حفظ الأمن.
وقبضت الإمارات على المدن الجنوبية، وأسهمت في إنشاء وتشكيل المليشيات المسلحة تحت اسم “قوات الحزام الأمني بعدن” والنخبتين الحضرمية والشبوانية في كلٍّ من حضرموت وشبوة، الجنوبيتين. وفي أواخر يناير/كانون الثاني 2018، هاجمت قوات الحزام الأمني التابعة لما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” مسنودةً بطيران إماراتي ألوية الحماية الرئاسية وأسقطت المعسكرات والمقار الحكومية وقصفت مخازن السلاح، ويقود المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك المقرَّبان من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
ورمت الإمارات إلى تقسيم اليمن من خلال القبض على موانئه وجزره، إذ سيطرت الإمارات على موانئ عدن وحضرموت والمخا، وتحكمت بحقول ومنشآت النفط وخطوط التصدير في مدينة شبوة، وتحاول الوصول إلى منشآت النفط والغاز في مدينة مأرب (مركز قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية). كما نسبت الإمارات إليها المناطق بعد السيطرة عليها على غرار “جزيرة سقطرى” التي أصبحت شبيهة بالمقاطعة الإماراتية، والتي كانت سبب الخلاف بين الإمارات وسلطنة عمان، فضلاً عن خلافهما على مدينة شبوة.
ورغم أن مدينة المهرة (بوابة اليمن الشرقية وتعادل مساحتها مساحة الإمارات) بقيت خارج دائرة الحرب اليمنية، فقد توجَّهت أبوظبي نحوها بنشاط عسكري متسارع لإكمال مشروع التمدد الإماراتي في الجنوب.
وتلعب الإمارات دوراً في تعميق الانقسامات في اليمن لتحقيق “أهداف فردية” حد تعبير موقع ميدل إيست آي البريطاني في تقريرٍ في يوليو/تموز 2018. إذ بات الهدف طويلَ المدى الذي رسمته الإمارات واضحاً لكل متابعي هذا الملف، وهو تقسيم اليمن وخلق دولة في الجنوب حليفة لها، وبذلك ستتمكن الإمارات من تأمين خطوط التجارة عبر ميناء عدن نحو باقي أنحاء العالم، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية في اليمن، وبسط الهيمنة على المنطقة. كما أن الدعم الإماراتي لقوى الانفصال في الجنوب، أفشل كل محاولات خلق الوحدة اليمنية.