الدعم الإماراتي لطارق صالح: هل يصبح كيانا بديلا للشرعية شمالاً؟

محرر 217 يناير 2018
لم يستطع طارق صالح توظيف قواته بصنعاء(محمد حويس - فرانس برس)
لم يستطع طارق صالح توظيف قواته بصنعاء(محمد حويس - فرانس برس)
استبشرت قيادات الشرعية اليمنية والتحالف العربي بانتهاء تحالف حزب “المؤتمر الشعبي العام” مع الحوثيين مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد قتل علي عبدالله صالح، باعتبار ذلك حسماً من رصيد الحوثيين لصالح الشرعية. لكن هذا الاستبشار تحول إلى مخاوف من ظهور كيان جديد من الموالين لصالحلن يتبع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بل قد يجذب قيادات موالية لهادي، كما جرى عند انضمام قيادات جنوبية إلى “المجلس الانتقالي الجنوبي” برعاية إماراتية العام الماضي.

قوة موازية للشرعية؟
ولا يبدو أن الأمور تسير وفق هوى الشرعية اليمنية، فطارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق علي عبدالله صالح وأبرز قياداته العسكرية خلال السنوات الأخيرة، ظهر في إطلالته الأولى منذ أحداث صنعاء في محافظة شبوة بحماية الإمارات التي لا تربطها علاقة طيبة بهادي، ولم يعلن طارق صالح اعترافه بشرعية هادي كرئيس للجمهورية، ولا انضمامه إلى الشرعية أو القتال تحت رايتها. بينما لم يظهرطارق صالح في مأرب، ومن المعروف أن من فر إلى مأرب من القيادات الموالية لصالح موقفها أقرب إلى نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر والسعودية، ومن فر إلى عدن أو محافظات الجنوب الأخرى بما فيها شبوة، موقفه أقرب للإمارات وتيار أحمد علي صالح، نجل علي عبدالله صالح.

كذلك فإن علاقة هادي بالإمارات أقرب للخصومة منها للتحالف، على الرغم من محاولة السعودية تخفيف حدة خلافات الطرفين، إلا أن الإمارات تبحث عن بديل لهادي أو على الأقل قوة موازية له في الوقت الراهن، وظهر ذلك من زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى السعودية ولقائه غير الناجح كما يبدو بقيادات حزب “الإصلاح” وقت غياب هادي في تركيا، في محاولة لسلخ “الإصلاح” عن هادي وتقريبه من أحمد علي صالح، الذي لا أحد يعلم متى تستخدمه أبوظبي في لعبتها في اليمن.

كما لم يُسمح لهادي بالعودة وممارسة سلطاته من مدينة عدن، بل مورست ضغوط كبيرة لمضايقته والحد من حضوره لصالح “المجلس الانتقالي الجنوبي” الموالي للإمارات، وقواتها التي دربتها في كل محافظة وربطتها مباشرة بالقائد الإماراتي من دون أي سلطة لهادي عليها، بل إن قيادة “المجلس الانتقالي” تصعّد من خطواتها الإجرائية لملء الفراغ الذي يتركه غياب السلطات التنفيذية للحكومة الشرعية جنوباً.
أما حكومة أحمد بن دغر التي عادت إلى عدن، فلم تستطع حتى إلغاء قرار حظر دخول الشماليين إلى عدن الذي تفرضه قوات “الحزام الأمني” الموالية للإمارات، حتى بعد تعيين أحمد الميسري قبل أسابيع وزيراً للداخلية وهو المعروف بمطالبته بالسماح بدخول الشماليين إلى عدن، لكن لم يتغير شيء على الأرض.

وإذا كان “المجلس الانتقالي الجنوبي” في عدن هو الكيان الذي دعمته الإمارات كرافعة سياسية لها في الجنوب بعيداً عن سلطات هادي، فإن تصعيد حضور طارق صالح وحمايته إماراتياً، قد يُنتج كياناً موازياً للشرعية ويكون موالياً للإمارات في الشمال بعيداً عن هادي وعن الحوثيين معاً، مهما قلل البعض من قدرة طارق صالح على القيام بدور كهذا، لكن تاريخه العسكري وخبرته القيادية أكبر بكثير مقارنة برئيس “المجلس الانتقالي” في عدن عيدروس الزبيدي.

ظهور طارق صالح بتلك الطريقة دفع حزب “الإصلاح” وعناصره مع قيادات شبابية يسارية وقومية إلى شن حملة قوية ضده، وصلت حد الاحتفال برحيل صالح في مدينة تعز، بعدما كانت تلك الجهات قد دانت مقتل علي عبدالله صالح سابقاً ورحبت ضمناً بانضمام أقارب صالح وقيادات “المؤتمر” إلى صفوف المقاتلين ضد الحوثيين. لكن طارق صالح أبدى غموضاً كبيراً في موقفه، بينما كان “الإصلاح” وتلك القيادات يريدون منه الاعتراف بسلطات هادي والانضمام للقتال ضد الحوثيين تحت رايته، وليس تحوّله إلى طرف منافس، مع العلم أن علاقة “الإصلاح” بالإمارات أكثر سوءاً وتعقيداً من علاقة هادي بها.
ولم يقتصر رد الفعل هذا على “الإصلاح” أو معارضي صالح في الماضي، بل إن بن دغر الأكثر مرونة ودبلوماسية، قال إن الالتحاق بصف الشرعية هو التوجه الوطني الحقيقي، وإن وحدة ما سماه الصف الجمهوري هو الخط الفاصل بين الحق والباطل. هذا الأمر يعكس تخوف الشرعية بشكل كبير من تشكيل أي كيانات مناهضة للحوثيين خارج مظلتها. دور صالح المستقبلي
تصعيد طارق صالح أو السعي لذلك، وهو أبرز أقارب صالح الذين أعلنوا تواجدهم داخل اليمن حالياً، وكان قائد قواته وحراسته الخاصة حتى مقتله مطلع ديسمبر، في ظل استمرار غياب أحمد علي صالح، يوحي بأن الدور الذي سيؤديه سيقتصر على الجانب العسكري، فلم يُعرف عن طارق صالح العمل السياسي حتى الآن. لكن حضوره قد يكون توظيفاً للثأر الذي يحمله ضد الحوثيين، مع عدم اتضاح موقف أحمد صالح، الأمر الذي أدى إلى تذمر القيادات الموالية لوالده، ومخاوف من الفشل في استغلال مقتل صالح لتوظيفه ضد الحوثيين قبل أن يبرد ويتناساه من تبقى من أنصاره، ويمنح الحوثيين فرصة لاستقطابهم إلى صفوفهم.

لكن القتال ضد الحوثيين خارج مظلة الشرعية يعني تشكيل كيان جديد ضمن الكيانات التي تقاتل الحوثيين، لكنه متمايز عنها وأقرب إلى النسخة الإماراتية التي تقف على مسافة فاصلة من الشرعية، ولا يربطها بها غير موقفها ضد الحوثيين، مع افتراقها عنها في الملفات الأخرى، بما فيها تمكين الشرعية من صلاحيتها وممارسة مهامها. وبالتالي فإن إفشال الشرعية هدف تدل عليه الممارسات، خصوصاً أن نجاحها على الأرض يعني أن الإمارات لن تتمكن من استثمار مشاركتها في التحالف، ووضع قبضتها على كل السواحل والجزر اليمنية التي لم يعد الحوثيون يسيطرون عليها، ولا سلطة للشرعية عليها أيضاً في الوقت الراهن.

وتعلم الإمارات أن ساحة المعركة اليوم، بعد إخراج الحوثيين من المحافظات الجنوبية، هي جغرافية المحافظات الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون باستثناء أجزاء من تعز والجوف والبيضاء والحديدة وحجة وأغلب مأرب، وأن هذه المعركة تحتاج لقوات بمواصفات خاصة لتحقيق تقدم على الأرض، لا يكون لصالح حزب “الإصلاح”. ولكن من دون الأخير، يبقى من الصعب تحقيق انتصار على الحوثيين في الشمال، وبما أن مستوى الثقة بين هذا الحزب والإمارات لم يتحسن حتى بعد لقاء قيادته ببن زايد في الرياض قبل شهر تقريباً، فإن أقارب صالح هم القوة المناسبة الآن التي يمكن أن تؤدي هذا الدور، وإن لم تتضح بعد قدرتهم على القيام به.

لكن الحوثيين ما زالوا يمسكون بنجل طارق صالح وشقيقه وبعض أقاربه، ما يعني أن الأخير سيكون في المدى المنظور محدود الخيارات في أي خطوة ضد الحوثيين قد تعرّض حياة أقاربه المعتقلين للخطر. مع ذلك، يبدو أن طارق صالح يريد خوض حرب موازية ضد الحوثيين لا تخدم هادي، غير أن موقفه الراهن لا يؤهله لذلك خصوصاً أنه نجا بأعجوبة من مصير مشابه لعمه، وأثبت عدم قدرته على توظيف القوات الخاصة التي كان يقودها في عهد عمه عند اشتباكاته مع الحوثيين مطلع ديسمبر، ولم تتغير أي معطيات يمكن الرهان عليها للقول إنه قادر على قيادة قوات جاهزة ضد الحوثيين. كما أنه من الصعب أن تراهن الإمارات على جمع شتات قوات غير موجودة فعلياً ككيان ملموس يمكن التعامل معه، وإذا كانت ستوفر له إمكانيات تجنيد قوات بديلة، فإن هذا الأمر يحتاج لوقت أطول قد تتغير فيه المعطيات القائمة.

ولكن الإمارات قد تستخدم طارق صالح للضغط على هادي والشرعية، وتتمكن من سحب بعض القيادات من مربع هادي إلى مربعها الجديد، خصوصاً أن الكثيرين يتذمرون من أداء الأخير، وهذا الخيار قد يكون الوحيد أمامها لتضمن أن أي تقدّم عسكري على الأرض لن يدخل في رصيد حزب “الإصلاح”، ولن يقوي حضور سلطات هادي في الجنوب.

هذه المؤشرات تؤدي بالضرورة إلى تقاطع جغرافيا استقطاب الزعامات القبلية في المناطق الشمالية الخاضعة للحوثيين حالياً، بين طارق صالح وتياره من جهة، وعلي محسن الأحمر و”الإصلاح” من جهة أخرى. وبدلاً من القسمة على طرفين هما الشرعية والحوثيون، ستؤدي اختلافات صالح والشرعية إلى تشتيت القوى المناوئة للحوثيين بينهما، وربما تدفعها للبقاء في صف الحوثيين بدلاً من مواجهة مخاطر الخروج عليهم من دون ضمانات كافية.
وما لم تتدخل السعودية ضد توجهات الإمارات، فإن تفكيك معسكر الشرعية أصبح في إطار التنفيذ، فطارق صالح الذي لم تربطه علاقات ودية بهادي ومحسن الأحمر، قد يتحمس للقيام بهذا الدور لتجيير أي انتصار مستقبلي ضد الحوثيين لصالحه. لكن قدرته على ذلك محدودة حالياً، فحضوره القبلي ضعيف، والحرس الجمهوري أو بقاياه أقرب إلى أحمد صالح كقائد سابق له، بينما لا زال موقف الأخير غامضاً حتى الآن، كما أن شموله بالعقوبات الأممية يمنعه من أي نشاط قبل إلغائها. وإذا كانت هذه المعطيات لا تضمن نتيجة قاطعة بهزيمة الحوثيين، فإنها تؤدي إلى إضعاف الشرعية وتفكيكها وإغراقها في الكيانات الموازية جنوباً وشمالاً.

*العربي الجديد

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept