عدن نيوز – متابعات
سجلت الثقافة اليمنية عام 2017 مزيداً من التصحر، مقارنة بما كانت عليه في عام 2016، بفعل الحرب التي استطاع أطرافها أن يجيروا معظم مناشط الثقافة في العام المنصرف لخدمة برامج النزاع، فيما بقيت قلة من الفعاليات تخدم ثقافة السلام، علاوة على ما شهده العام من رحيل عدد من الأعلام.
غالباً ما تشهد الثقافة تهميشاً وتضييقاً من السياسي على مناشطها في أوقات السلم؛ وهو ما يتضاعف خلال أوقات الحرب؛ فتصبح الثقافة مصدر قلق كبير لأطراف الصراع؛ فيعمدون لتضييق الخناق عليها وتوظيفها بما يخدم مصالحهم وأهداف معاركهم، حيث تبرز الثقافة سلاحا فتاكا في أيديهم؛ فيمنحونها من المال ما بخلوا به عليها أوقات السلم، لكن تصبح الأهداف مختلفة هذه المرة؛ فتنشأ المؤسسات الثقافية التي تخدم ثقافة الطائفة والمنطقة والمذهب والحزب، وتعاد برمجة المناشط الثقافية العامة بما يخدم صوت المدفع.
أنشطة وبرامج:
من بين كل المحافظات اليمنية، وعلى الرغم من تعدد عواصم القرار اليمني تحت حكم سلطات الحرب؛ إلا أن صنعاء، وعلى ما شهدته مناشطها الثقافية من تراجع خلال عام 2017، ما زالت من أكثر المدن اليمنية احتفاء بالثقافة مقارنة بعدن/ جنوبا ومأرب/وسطا والمكلا/ شرقا، وإن انحسرت فيها معظم الأنشطة الثقافية الحديثة خلال 2017 في مؤسستين ثقافيتين أهليتين: مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية، ونادي القصة اليمنية، من خلال برنامج أسبوعي لكل منهما لم يتخلفا عنه إلا ما ندر، مقابل تعثر النشاط الثقافي الضئيل الذي ظهرت عليه وزارة الثقافة في صنعاء خلال عام 2016؛ لتصبح في 2017 شبه متوقفة، لاسيما مع الغياب شبه التام لفعاليات غاليري صنعاء، مقابل أنشطة غير منتظمة، إلا أنها لافتة، للبيت اليمني للموسيقى، ومن أبرزها تخريجه لأول دبلوم موسيقى في اليمن وتنفيذه لبرامج أخرى تحدى فيها موسيقياً أزيز الرصاص في الوقت الذي لم تظهر وزارة الثقافة في عدن بأي برنامج أنشطة (منتظم).
كما شهد عام 2017 في صنعاء إشهار مؤسسة وقفية عبادي الثقافية وافتتاح مقرها في نادي بلقيس، ومن ثم افتتاح معرضها الدائم للكتاب اليمني في ظل توقف تام لكل معارض الكتاب، محلية ودولية في اليمن منذ أربع سنوات.
الكتاب:
على صعيد الكتاب اليمني في العام الفائت يمكن الإشارة إلى ثلاثة أحداث ثقافية بارزة:
الأول: صدور خمسة عناوين أدبية لفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للشباب (تابعة لوزارة الشباب والرياضة، وتغير اسمها بفعل الحرب إلى جائزة الدولة) وذلك عن الأمانة العامة للجائزة، ضمن مشروع رعاية الفائزين بعد الفوز.
الثاني: يحسب الحدث الثاني لوزارة الثقافة في حكومة الشرعية في عدن من خلال توقيعها مشروع إصدار مئة عنوان مع مؤسسة أروقة للدراسات والنشر في القاهرة، وصدر عن المشروع خلال العام الفائت بضعة عناوين، ويمكن اعتبار هذين الحدثين أبرز حدثين ثقافيين يمنيين خلال عام 2017.
الثالث: تمثل بإطلاق مؤسسة أروقة للدراسات والنشر في القاهرة مشروع إصدار سلسلة بعنوان «بواكير السرد اليمني»، وكلفت «أروقة»، التي يديرها الشاعر اليمني هاني الصلوي، كلا من وجدي الأهدل وسامي الشاطبي لإدارة تحرير السلسلة، ونأمل أن يشهد عام 2018 خروج السلسلة إلى النور من خلال صدور عناوينها الأولى.
على هامش هذه الأحداث لا يمكن تجاوز ما قام به نادي القصة اليمني من إصدار طبعة حديثة من أول رواية يمنية «فتاة قاروت» وتوزيع نسخ منها على بعض المكتبات في صنعاء وعدن وبعض المدن اليمنية في خطوة لافتة.
على صعيد إصدارات الكتاب اليمني في الخارج شهد عام 2017 صدور عدد من الكتب في مجالات مختلفة، ولعل أبرز تلك العناوين: ديوان جديد للشاعر عبد العزيز المقالح بعنوان «الشمس تتناول القهوة في صنعاء القديمة» عن دار الآداب بيروت، بالإضافة إلى رواية «درويش صنعاء» للكاتب والدبلوماسي أحمد الصياد الصادرة عن دار العربية للعلوم ناشرون في بيروت؛ وهي رواية سياسية سلط من خلالها الكاتب الضوء على المشهد السياسي المعاصر لبلاده، مكرساً إياها لملحمة حصار صنعاء أو حصار السبعين يوماً (28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 – 8 فبراير/شباط 1968) وكتاب «ناس شارع المطاعم» عن مؤسسة أروقة للدراسات والنشر في القاهرة للكاتب وجدي الأهدل وغيرها.
التشكيل والمسرح:
على صعيد التشكيل لم تشهد صنعاء باستثناء معارض وورش الرسم المفتوح للأطفال سوى معرض للفنان التشكيلي محمد صوفان الذي أقامه في «كافيه كورنر» وفي مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية كمعرض ينظمه فنان من أجيال الحركة التشكيلية اليمنية للمحترفين.
فيما يمكن الإشارة إلى مسرحية «فيلم يمني» باعتبارها أبرز عروض مسرح الشباب اليمني خلال عام 2017، بالنظر إلى خصوصية تجربة المسرحية، إنتاجاً وإخراجاً وعلاقة بالجمهور؛ إذ تعد أول مسرحية يمنية في صنعاء يتم الدخول إليها عبر تذاكر مدفوعة القيمة على الأقل في الألفية الثالثة.
جوائز:
على صعيد الجوائز يبرز في عام 2017 فوز الناقد اليمني عبد الحميد الحسامي، بجائزة «كتارا» للنقد، فئة غير المنشور، عن كتابه «تمثيل ابن عربي في المتخيّل الروائي» الذي كان فوزاً ثميناً أعاد الاعتبار عربياً لتجربة النقد الأدبي في اليمن.
راحلون:
كان عام 2017 مثقلاً بالأحزان، جراء رحيل عدد من أعلام المشهد الثقافي اليمني؛ ففي مجال المسرح والدراما غادر الحياة نجم المسرح اليمني يحيى السنحاني.
ونجم الدراما المخرج والممثل جمال غيلان، بعد صراع كل منهما مع المرض في ظل ظروف صعبة افتقد فيها الراحلان لأبسط إمكانات العلاج اللائق لحالة كل منهما، وبما قدمه كل منهما في مجاله.
وفي مجال الأدب غادر الدنيا رائد قصيدة النثر اليمنية الشاعر البارز عبده عثمان محمد، وكاتب أدب الطفل رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن السابق القاص عبد الرحمن عبد الخالق، ووكيل وزارة الثقافة الكاتب والناقد هشام علي بن علي.
وفي مجال الفن التشكيلي خسرت اليمن الفنان عبدالله المجاهد في قصة مؤلمة شيع خلالها جثمانه صبيحة عيد الأضحى المبارك.
كما طوى العام الماضي أيامه برحيل قامة من قامات الأغنية اليمنية وهو الفنان أبوبكر سالم بلفقيه أعقبته خسارة اليمن لعلم من أعلام العمل الإعلامي المذيع القدير عبد الملك العيزري.
ومن الخسارات التي مُنيت بها الثقافة اليمنية في عام 2017 كانت خسارتها آخر الملاحق الصحافية الثقافية المحلية، التي كانت تصدر في صنعاء خلال الحرب، والمتمثل في المحلق الثقافي الأسبوعي لصحيفة «اليمن اليوم» الناطقة باسم حزب المؤتمر الشعبي العام، التي توقفت إثر قتل الحوثيين للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
جدل ثقافي:
أكثر قضايا الجدل الثقافي التي شغلت المشهد اليمني خلال العام الفائت كانت الإمعان في إقحام شعراء وكتاب بارزين في صراع الحرب، من خلال الكتابة بأسمائهم قصائد ومقالات في سياق المناورات السياسية الدائرة هناك تحت مظلة الحرب، وفي هذا السياق انتشرت قصائد على أنها من قصائد عبد العزيز المقالح، بينما لم تكن كذلك وقصائد أيضاً باسم البردوني بينما هي ليست كذلك.