لعبت الإمارات المتحدة العربية دور رأس الحربة في معظم القضايا الكُبري والاضطرابات التي وقعت في المنطقة العربية على مدار العامين الأخيرين. وانصبت الأنظار تجاه رجل واحد يقبع داخل قصر البحر بالعاصمة الإماراتية أبوظبي؛ محمد بن زايد نجل مؤسس الدولة الخليجية التي تحولت عبر السنوات الأخيرة إلى فاعل سياسي واقتصادي في كثير من القضايا بواسطة مجموعة من الرجال المحسوبين عليه بكافة الدول العربية.
يُعد محمد بن زايد المُحرك الأول لأدوار الدولة الخليجية من المحيط إلى الخليج؛ حتى أصبحت إمارة أبوظبي بفضله العاصمة السياسية للدولة الخليجية، وتنافسها في بعض الأوقات إمارة دبي عبر رجلها الذي يُقارب السبعين من عمره محمد بن راشد آل مكتوم، والذي نهض بالإمارة لتكون واحدة من كُبري المدن المالية والتجارية حول العالم، وكانت العلاقة بين الرجلين قد شكلت أهم مُحددات الاستقرار السياسي للنظام الحاكم، بيد أن هذا الاستقرار شهد في الفترة الأخيرة تباينًا في وجهات النظر السياسية بين كلا الرجلين في عدد من الأزمات الكُبري.
كيف تقاسم «محمد بن زايد» و«محمد بن راشد» النفوذ تاريخيًا؟
عام 1971 ارتسمت خريطة دولة الإمارات العربية المتحدة وانكشفت جغرافيتها المتمثلة في سبعة إمارات على يد الشيخ زايد آل نهيان حاكم أبوظبي. استحدث «زايد» الأب – آنذاك – نظامًا لتحديد هوية حاكم البلاد من بعده بواسطة الاتحاد بأن يجرى انتخاب رئيسه كُل خمس سنوات من قبل حُكام الإمارات السبع؛ ليكون رئيسًا للبلاد، وسعت عائلة المؤسس لتطويع هذا النظام وحصر رئاسة الاتحاد في عائلتهم في أبوظبي؛ إذ إنها العاصمة البترولية التي منحت الدولة الخليجية الوجه الحداثي والاقتصادي الفريد عبر المباني الحديثة وناطحات السحاب.
وفي مقابل احتكار السلطة في أبوظبي باختيار الشيخ خليفة بن زايد عام 2004، بعد وفاة والده المؤسس، وانتقالها – بشكل غير رسمي – بعد إصابته بجلطة دماغية في يناير (كانون الثاني) 2014 إلى أخيه غير الشقيق ولي العهد محمد بن زايد (56 عاماً)، اقتسمت دبي النفوذ المالي والاقتصادي من خلال تعيين محمد بن راشد آل مكتوم (68 عامًا) رئيسًا لمجلس الوزراء، بينما لا تحظى الإمارات الخمس الأخرى بهذه الأهمية.
ويظل تقاسم هذا النفوذ هو المُعادلة الصعبة التي أوجدها «آل نهيان»؛ للحفاظ على السلطة الحقيقية في العاصمة، وذلك عبر فن المفاوضات مع مراكز القوى المُتعددة داخل دولتهم، والأخذ في الاعتبار الأمور القبلية داخل الإمارات السبع، فيما يرى البعض أن أطراف هذه المُعادلة قد تتبدل في ظل حُكم محمد بن زايد الذي يبدو على خلاف والده أميل للسيطرة الكاملة وأضيق صدرًا في تقبل آراء تختلف مع أطروحاته.
ومن وجهة نظر سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، فإنه من غير الواضح التنبؤ بما سيحدث عندما يصبح الشيخ محمد بن زايد الحاكم الرسمي، وعما إذا كان سيرغب في نقل السلطة إلى أبنائه (خاصة بعد طرح اسم الشيخ خالد بن محمد، رئيس أمن الدولة المعين مؤخرًا، كاحتمال ممكن) أو سيرغب في نقلها إلى إخوته؟ لكن من الواضح – بحسب هندرسون – أنه مهما حدث، سيستمر استبعاد حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، البالغ من العمر 68 عامًا، والذي يعد نظريًا نائب رئيس الاتحاد، واستبعاد أبنائه أيضًا؛ لتظل دبي الواجهة، وتظل أبوظبي مركز السلطة.
وتتقاطع وجهة النظر السابقة مع ما طرحه أسعد أبوخليل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، في مقال له بجريدة «الأخبار اللبنانية»، من أن الجيل الجديد الذي يُمثله «محمد بن زايد» في مرحلة حُكمه الفعلي سيفقد الكثير من التوازنات التي تأسست عليه دولته، ويبرر ذلك بأن «الجيل الثاني يحكم من خلال شلّة صغيرة في داخل العائلة الحاكمة؛ فمثلًا يُلاحظ في الاجتماعات المهمّة أن محمد بن زايد يكون محاطًا بعبدالله بن زايد وطحنون بن زايد، أشقائه من فاطمة بنت مبارك الكتبي»، ويُكمل :«الجيل الثاني أكثر انغلاقًا وأقلّ مرونة وأضيق صدرًا في تقبّل الآراء ووجهات النظر».
وفي محاولة لدحض هذا التنافس الهامس، والتباين الشاسع في وجهتي نظر الرجلين، الأكثر نفوذًا داخل الدولة الخليجية، خرجت بعض الأصوات الإعلامية الإماراتية لتؤكد على التوافق الكامل بين الرجلين، ففي مقال منشور بجريدة البيان الإماراتية، تحت عنوان «وهم التفرقة»، ذكر الكاتب أن الأسر الحاكمة في الإمارات تربطها علاقة قوية بعضها ببعض، وبالأخص علاقة أبوظبي بدبي وعلاقة كل الإمارات. كما طالب كاتب المقال: «بتفويت الفرص عليهم (أي الأصوات المغرضة) لأن كل لاقطة بالنسبة لهم مهمة، لقياس مدى التماسك الداخلي بين أبناء الدولة، ويجب ألا يعطوا فرصة سانحة للتأثير علينا».
في الأزمة الخليجية.. «ابن راشد» ربما لا يدعم المُقاطعة والحصار
تُشير وقائع الأحداث إلى كون الأزمة الخليجية هي إحدى محطات الخلاف بين محمد بن راشد آل مكتوم، وولي العهد الإماراتي؛ حيث أظهرت تصريحات «آل مكتوم»، سواء في الأزمة الحالية، أو الأزمة السابقة – هوة واسعة مع ولي العهد الإماراتي تجاه التعامل بشأن قطر، وعدم تفضيله لخيار المقاطعة، وعدم رضاه عن التشدد في شروط المصالحة مع الدولة الخليجية.
ويتضح ذلك في مضمون القصيدة التي نشرها حاكم دبي، على حسابه بموقع «تويتر»، والتي بدا فيها كداع للحوار بين «الأشقاء الخليجيين»، فقد حملت القصيدة عنوان «الدرب الواضح»، ودعا فيها للعودة إلى «وحدة القلوب» و«حماية البعض»، موجهًا الدعوة للسعودية والبحرين وقطر بأن «خليجًا واحدًا يُصلح الرب شأنه».
المضمون الذي حملته قصيدة آل مكتوم تجاه حتمية التصالح بين الدول الخليجية، تختلف جذريًا عن الرسائل التي تخرج من ولي العهد الإماراتي، أو وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، حيث تتسم دعواتهم بالتشدد إزاء المطالب الـ13 للمصالحة وفك الحصار، والوقوف نحو تجميد مساعي المصالحة بين أمير قطر وولي العهد السعودي في أعقاب مكالمة هاتفية بينهما منذ شهور، بفضل التدخلات الإماراتية.
ويُذكر أن في آخر زيارة لأمير قطر تميم بن حمد إلي الإمارات في 30 مارس (أذار) 2016، كان محمد بن راشد آل مكتوم في استقباله، واحتفى به وأقام مأدبة غداء تكريمًا له وللوفد المرافق له، حضرها ولي عهد دبي وعدد من المسؤولين والمرافقين، حسبما أوضحت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.
وفي مقابلة إعلامية مع تلفزيون قطر الرسمي، أوضح عبد الله العذبة، رئيس تحرير العرب القطرية، أنهم في قطر يتوقعون من الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات موقفًا واضحًا من دعوة ضاحي دحلان لقلب نظام الحكم في دولة قطر. وكان حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد قد أقال ضاحي خلفان في نهاية عام 2013، وأمر بتعيين قائد جديد لشرطة دبي، دون أن يوكل إليه أي منصب رسمي آخر.
وفي دلالة رمزية علي موقف آل مكتوم تجاه قطر، ظهر مقطع مصور يضم «ماجد» نجل حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، أثناء تواجده في مجمع «هارودز» القطري في بريطانيا، مع عدد من أصدقائه، على الرغم من نشر وسائل الإعلام السعودية والإماراتية
تقارير تقول فيها «إن متجر هارودز القطري في لندن يتجسس على مواطني الدولتين، وعلى آخرين من البحرين».
ولا ينفصل هذا الموقف الاستثنائي لرئيس وزراء دبي تجاه قطر، عن موقفه السابق في الأزمة الخليجية الأولى في أعقاب سحب الدول الثلاث (السعودية – الإمارات – البحرين) لسفرائها من قطر في 2014 بدعوى «مسلك الدولة الخليجية، سياسات تضر بأمن أشقائها»، وانقطاع الزيارات على مدار ستة أشهر، وكسر ابن راشد هذا الجمود بإعلانه عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر: «أَن علاقته بقطر متواصلة، ولم تنقطع في أثناء سحب السفراء».
كما كان محمد بن راشد أول من أرسل رسالة خطية إلى أمير قطر تميم بن حمد آنذاك، في ظل انقطاع العلاقات في 2014، حسبما أوضحت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، التي ذكرت أن: «الشيخ تميم تلقى رسالة خطية من أخيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم» في خضم انقطاع الاتصالات بين البلدين.
كما نشرت جريدة الراية القطرية، آنذاك، قصيدة «العهود» لمحمد بن راشد، في صفحتها الأخيرة، باللهجة النبطية الخليجية، أكد فيها على وحدة أهل الخليج، مهما اختلفت رؤاهم، وتباينت أفكارهم، فهم «دار المجد والحب والفخر والوحدة على طول التاريخ»، وأوضح في قصيدته: «أنه يرى أن تقدم الأمة لا يتم إلا في السمو على صغائر الأمور، لإنجاز ما هو أعظم»، ويقول: « الوشاة وناقلو الكلام يعكّرون الأجواء الصافية، فيما أن شق الصف لا يفيد سوى الأعداء».
أما الأكثر دلالة من ذلك، فهو اختصاص محمد بن راشد آل مكتوم صحيفة «الراية» القطرية لنشر القصيدة عبر وسيط قطري رسمي، حسبما أفادت جريدة «العربي الجديد» التي أوضحت «أن صحيفة الراية تلقت القصيدة من مصدر رسمي قطري، ونشرتها على الصفحة الأخيرة، مع إشارة في الصفحة الأولى إلى انفرادها بذلك في قطر».
ومن منظور براجماتي، فمُقاطعة قطر الأخيرة كلفت إمارة دبى خسائر بمليارات الدولارات؛ فبحسب البيانات والإحصاءات الرسمية، فهناك أكثر من 90 شركة إماراتية تعمل في قطر، فضلًا عن 988 شركة مختلطة قطرية إماراتية، بإجمالي رأس مال يبلغ نحو 4 مليارات ونصف المليار دولار، تتوزع أغلبها بدبي.
ترشُح «السيسي» بعد 30 يونيو: ابن راشد لا يتفق مع ابن زايد
علي عكس الموقف الإماراتي الرسمي الداعم لترشُح «السيسي» في انتخابات رئاسة الجمهورية، أعقاب عزل الإخوان المسلمين من السلطة، كان محمد بن راشد على تباين في وجهات النظر مع محمد بن زايد في مسألة استكمال دعم الإمارات لترشح السيسي رئيسًا الجمهورية، وتفضيله لمُرشح مدني أو عسكري سابق كحال الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي السابق.
ففي مقابلة بتاريخ 13 يناير 2014، مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أعرب رئيس الحكومة الإماراتية، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «عن أمله في ألا يترشح وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي». ثم لم تمُر ساعات على التصريح، حتى أوردت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، تصريحًا من مكتب رئاسة مجلس الوزراء في الإمارات أن «دولة الإمارات تحترم إرادة الشعب المصري ودعمها لاختياراته السياسية».
وأضاف مسؤول رفيع بمكتب رئاسة الوزراء، أن «نصيحة سموه الأخوية هي ألا يترشح الفريق السيسي كعسكري لمنصب رئيس الجمهورية، أما ترشحه كمدنى استجابة لمطالب شعبية، فهو أمر شخصي يخص الفريق السيسي». وتمعنًا في حالة التباين الكُبرى في المواقف الإماراتية تجاه ترشُح «السيسي»، خرج آنذاك وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، (وهو أحد المحسوبين على ولي العهد الإماراتي)، في تصريحات عبر قناة العربية، مؤكدًا دعم بلاده على إجماع الشعب المصري على ترشح المشير عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية.
ويبدو أن هذه التباينات كانت سببًا رئيسًا في الإبقاء على أحمد شفيق في الإمارات كرهان آخر بديلًا عن السيسي، وظل هذا الرهان قائمًا بعد ذلك كورقة رابحة تُساوم بها الدولة الخليجية السلطات المصرية، وتمنحه الحرية في التواصل مع شخصيات سياسية ورجال أعمال داخل مصر، قبل أن تتوسع دائرة الخلاف، ويجد جديد بشأن هذا الأمر، ويغادر شفيق الأراضي الإماراتية متوجهًا إلى مصر، ويتأرجح أمر ترشحه في ظروف لازالت مجهولة.
*ساسة بوست