عصر الخميس الفائت وخلافاً لكافة التوقعات، فجّر شباب من مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، المفاجأة عبر خروجهم بشكل عفوي في تظاهرة حاشدة نددت بالسلطات المليشياوية الحاكمة (المجلس الإنتقالي الجنوبي المرتهن للإمارات)، بعد أن وصلت المدينة إلى حالة كارثية لم تشهدها في تاريخها.
وتقاطر مئات الشباب من كل المديريات والمناطق في عدن صوب منطقة كريتر، ومنها انطلقت مسيرة شبابية حاشدة لأبناء عدن، تحولت إلى مظاهرة كبرى نددت بالمليشيات الإنفصالية وحمّلتها مسئولية ما يعانيه السكان في عدن.
ورفع في المظاهرة شعارات طالبت بخروج المليشيات وعودة السلطات الحكومية الشرعية، كما ردد المتظاهرون هتافات من بينها: يا عدني صحّي النوم .. لا انتقالي بعد اليوم.
وتداول ناشطون صوراً ومقاطع فيديو للتظاهرة، من بينها مقطع فيديو يظهر طقماً عسكرياً تابعاً للمليشيات الإنفصالية أثناء مروره بجانب التظاهرة المتظاهرون يهتفون عليه: برع برع يا انتقالي.
وكعادتها في قمع أي حراك شعبي وكتم أي متنفس لحرية الرأي والتظاهر توجهت عدد من الأطقم العسكرية – بتوجيهات من قيادة الإنفصال – نحو منطقة التظاهر في كريتر واعتدت على المتظاهرين بالرصاص الحي، الأمر الذي أدى إلى إصابة العشرات منهم إصابات خطيرة.
وتأتي هذه التطورات بعد أكثر من أسبوع على إعلان الحكومة اليمنية مدينة عدن “موبوءة”، بعد التفشي الكبير للأوبئة والفيروسات في المدينة، والذي ارتفع معه عدد الوفيات خمسة أضعاف عن المعدل الطبيعي، بحسب تقرير لشبكة سكاي نيوز البريطانية.
في المقابل حذرت وزارة الداخلية من استهداف “ميليشيا ما يسمى بالمجلس الانتقالي للمتظاهرين العزل بمحافظة عدن الذين خرجوا للتعبير عن سخطهم من تدني الأوضاع الخدمية في المدينة منذ سيطرة ميليشيا الانتقالي على مؤسسات الدولة”، حسب ما جاء في بيان للوزارة نشرته وكالة سبأ.
وتوعدت الوزارة “بملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة”، مؤكدة أن “مثل هذه الجرائم بحق المدنيين لن تسقط بالتقادم”.
وطبقاً للوكالة “أعربت الوزارة عن بالغ أسفها لما وصلت إليه الأوضاع الأمنية والخدمية جراء تمرد ميليشيا الانتقالي وسيطرتها على المدن ومؤسسات الدولة وإسقاط العاصمة المؤقتة عدن في صورة مشابهة لانقلاب ميليشيا الحوثي بصنعاء على السلطة الشرعية”.
* إعلام إرهابي
وتزامناً مع حملة القمع الذي دشنها الانتقالي ضد المواطنين من أبناء عدن، دشنت أجهزتهم الإعلامية وناشطوهم على منصات التواصل حملة إعلامية لمباركة الإجراءات القمعية التي اتخذتها سلطات الإنفصال.
وتضمنت الحملة دعوات وصفت بـ “الإرهابية” تحث المليشيات على قتل كل من يخرج للتظاهر ضد الانتقالي.
وفي هذا الصدد دعا الصحفي الإنفصالي رشاد باعبدان بأنه لابد من “دعس” كل مواطن يفكر بالتظاهر.
وبلهجة مشحونة بالعنصرية وصف باعبدان المتظاهرين بأنهم “أخدام” ونادى بتحميلهم فوق الثلاجات، في تلميح لتصفيتهم. كما دعا ناشطون آخرون لحرق المتظاهرين أو قتلهم وسحلهم في شوارع عدن.
* في الليلة الظلماء تفتقد الدولة
وكان المجلس الإنتقالي قد أعلن يوم24 إبريل الماضي ما وصفه بـ “الإدارة الذاتية للجنوب”، مستفرداً بإدارة شئون عدن وعدد من المحافظات التي يسيطر عليها، ومزيحاً الحكومة بشكل تام من كافة المؤسسات والمصالح التي تقدم الخدمات للمواطنين.
ولم تمر أيام على هذه الخطوة التي لقيت سخطاً واسعاً، محلياً وإقليمياً ودولياً، حتى انهارت كافة الخدمات في عدن، وعلى رأسها منظومتي الكهرباء والصحة، ما تسبب بخلق أكبر أزمة إنسانية تعيشها المدينة وسكانها منذ عقود.
وكان معهد الشرق الأوسط قد وصف إدارة الإنتقالي للمدن التي تحت سيطرته بالكارثية، منتقداً إصرار السلطات على تعذيب الناس.
وقال في إحدى فقراته: المواطنون في عدن يشعرون بسخط كبير، فالسلطات الإنتقالية لم تتمكن من تخفيف المعاناة على الناس كما لم تسمح للحكومة بأداء مهامها وتخفيف العبء عنهم. هذا وضع غير مقبول.
وقال الصحفي سعيد المساوى: انكشف الإنتقالي بشكل غير مسبوق وبات مفضوحاً أمام أنصاره قبل معارضيه. لو سألت أي شاب في عدن عن الوضع سيقول لك إن المواطنين يفتقدون دور الدولة في عدن بعد أن غيبها الانتقالي ويتمنون أن يخرج الإنتقالي من المدينة.