أظهرت دراسة ألمانية حديثة أن فايروس كورونا المستجد لا يسبب فقط مضاعفات في الرئتين والقلب والكلى لمرضى كوفيد – 19، بل يسبب أيضا التهابا في الدماغ.
وذكر باحثون من هامبورغ وفرايبورغ بعد فحوص أجروها على جثامين 43 متوفى بفايروس كورونا المستجد في دورية “لانسيت نيورولوجي” المتخصصة أنهم اكتشفوا الفايروس أو بروتيناته في جذع الدماغ أو الأعصاب الناشئة هناك في 21 حالة وفاة.
ومع ذلك، أظهرت الدراسة أن مستويات الفايروس كانت منخفضة للغاية. وأوضح الباحثون أن المرضى الذين كانت لديهم أعلى حمولة فايروسية لم يظهروا تغيرات في الدماغ أكثر من أولئك الذين ماتوا ولم يتم العثور على الفايروس في دماغهم. ومع ذلك، اكتشف الباحثون رد فعل مناعي لدى المتوفين الذين أصيبت أدمغتهم بالفايروس. واستنتجوا من هذا أن الخلايا الالتهابية يمكن أن تكون مسؤولة عن الأعراض العصبية من اضطرابات حاسة الشم إلى الصداع والسكتات الدماغية.
وكان المتوفون الذين تم فحصهم، وهم 16 امرأة و 27 رجلا، يبلغون من العمر في المتوسط 76 عاما، كما كانوا يعانون من أمراض نمطية في هذا العمر بجانب الإصابة بفايروس كورونا المستجد، بحسب بيانات الباحثين. وأظهرت دراسة سابقة أن أوجاع الرأس والشعور بالتشوش وحتى الهذيان التي يعاني منها بعض مرضى كوفيد – 19 قد تكون نتيجة مهاجمة فايروس كورونا المستجد للدماغ بشكل مباشر.
ووفقا للدراسة التي قادها عالم المناعة في جامعة ييل الأميركية أكيكو إيواساكي، فإن الفايروس قادر على التكاثر داخل الدماغ، كما أن وجوده يحرم خلايا الدماغ القريبة من الأكسجين، إلا أن مدى انتشاره لم يتضح بعد.
وأشاد إس أندرو جوزيفسون رئيس قسم طب الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، بالتقنيات المستخدمة في الدراسة.
وقال إنّ “فهم ما إذا كان هناك تأثير مباشر للفايروس في الدماغ أم لا هو أمر مهم جدا”. لكنه أضاف أنه من الأفضل توخي الحذر حتى تخضع الورقة لمراجعة من الأقران.
ولن يكون الأمر صادما تماما إذا تبين أن سارس- كوف – 2 قادر على اختراق الحاجز بين الدم والدماغ، وهي بنية تحيط بالأوعية الدموية في الدماغ وتحاول منع السموم والمواد الغريبة في الدم من دخول الدماغ.
فعلى سبيل المثال، يقوم فايروس زيكا، بالأمر ذاته، فيؤدي إلى تلف كبير في أدمغة الأجنة. لكن الأطباء اعتقدوا حتى الآن بأن التأثيرات العصبية التي لوحظت لدى نحو نصف المرضى يمكن أن تكون بدلا من ذلك نتيجة استجابة مناعية غير طبيعية تُعرف باسم عاصفة السيتوكين التي تسبب التهاب الدماغ، بدلا من أن يغزوه الفايروس مباشرة.
وقرر إيواساكي وزملاؤه التعامل مع السؤال بثلاث طرق: عن طريق إصابة أدمغة صغيرة نمت في المختبر تُعرف باسم عضيات الدماغ، وإصابة فئران بالعدوى، وفحص أنسجة مخ من مرضى توفوا بكوفيد – 19. وفي عضيات الدماغ، وجد الفريق أن فايروس سارس – كوف – 2 قادر على إصابة الخلايا العصبية ثم السيطرة على الخلية العصبية ليتكاثر.
وتسببت الخلايا المصابة بدورها في موت الخلايا المحيطة عن طريق خنق إمدادات الأكسجين إليها.
وكانت إحدى الحجج الرئيسية ضد نظرية الغزو المباشر للدماغ هي أن الدماغ يفتقر إلى مستويات عالية من البروتين المسمى “ايه.سي.اي.تو” الذي يلتصق به فايروس كورونا، والذي يوجد بكثرة في أعضاء أخرى مثل الرئتين.
لكن الفريق وجد أن العضيات لديها ما يكفي من البروتين “ايه.سي.اي.تو” لتسهيل دخول الفايروس، وكانت البروتينات موجودة أيضا في أنسجة دماغ المرضى المتوفين.
وعن طريق البزل القطني، فحص الباحثون السائل الدماغي النخاعي لدى مريض مصاب بكوفيد – 19 في المستشفى يعاني من الهذيان ووجدوا أن لديه أجساما مضادة معادلة (مُحيِّدة) للفايروس في السائل الشوكي، وهو ما شكّل أدلة أخرى تدعم فرضيتهم.
ثم درس الفريق مجموعتين من الفئران، مجموعة عُدلت وراثيا بحيث تحتوي على مستقبلات “ايه.سي.اي.تو” في رئتيها فقط، والأخرى في دماغها فقط.
وأظهرت الفئران المصابة في رئتها بعض علامات الإصابة في الرئة، في حين أن الفئران المصابة في الدماغ فقدت الوزن بسرعة وماتت بسرعة، مما يشير إلى احتمالية ارتفاع معدل الوفيات عند دخول الفايروس إلى الدماغ.
وأخيرا، فحص الباحثون أدمغة ثلاثة مرضى ماتوا من مضاعفات خطيرة مرتبطة بكوفيد – 19 ووجدوا أدلة على الفايروس لدى الجميع بدرجات متفاوتة.
وأوضح القائمون على الدراسة أنهم بحاجة إلى المزيد من عمليات التشريح لمعرفة مدى انتشار عدوى الدماغ.
والمشكلة أن الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا بفايروس كورونا المستجد ولا يزالون يعانون من آثاره، لم يجروا الفحوص اللازمة للكشف عن الفايروس، ولاسيما أنهم لم يصابوا بالسعال أو الحمى. وقد يعاني هؤلاء من أعراض عصبية، ولن ينتبه أحد إلى أنها ناتجة عن الفايروس، وهو ما يؤكد أن العدوى الفايروسية في الدماغ قد تكون أكثر فتكا وانتشارا من عدوى الجهاز التنفسي.