شبوة.. آخر معارك “الشرعية” وأول انتصاراتها

Editor23 أغسطس 2019
شبوة.. آخر معارك “الشرعية” وأول انتصاراتها

“أفقنا على فجر يوم صبي.. فيا ضحوات المنى إطربي”.. هكذا استيقظ اليمنيون صباح اليوم الجمعة على وقع أخبار الانتصارات المبهرة التي حققتها القوات الحكومية الشرعية ضد مليشيات المجلس الانتقالي الاماراتي في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة النفطية.

الانتصار جاء وسط متوالية من الهزائم والانكسارات التي مني بها الجيش الوطني والشعب اليمني في الآونة الأخيرة، وهذا يفسر الفرحة الغامرة التي أشرقت في فؤاد كل يمني خائف على مصير دولته التي تغوص كل يوم في مستنقع التشرذم والاقتتال الأهلي.

هذا الانتصار يؤطر لمرحلة مفصلية وفارقة في معركة الشرعية والانتقالي، فأهمية محافظة شبوة في جنوب اليمن تماثل أهمية محافظة عمران في الشمال، ولهذا فإن الانتقالي والإمارات يدركان أن بوابة التمدد في المحافظات اليمنية الجنوبية لابد أن يمر أولاً عبر شبوة لعدة اعتبارات أساسية لا تتوافر في غيرها من مدن الجنوب:

فشبوة في المقام الاول محافظة نفطية، والسيطرة عليها تعني نجاح المليشيات الإنفصالية من تأمين مصدر دخل وفير سيكون سنداً هاماً في مخططها التوسعي، وسيعطيها نوعاً من الاستقلالية المالية، وبالضرورة سيعفي الإمارات من كثير من نفقاتها المالية المنصرفة على آلاف المرتزقة في الجنوب.

وشبوة في المقام الثاني محافظة قبلية وبها مقاتلون أشداء، وبالتالي فإن إخضاعها سيمكن الانتقالي من تجنيد هؤلاء المقاتلين الذين سيشكلون رأس حربته للتوغل في بقية المحافظات التي لم تتقدم إليها الفصائل المدعومة إماراتياً حتى الآن.

وشبوة في المقام الثالث تمتلك حدوداً مع محافظة مارب، المعقل الأقوى للحكومة الشرعية ورمز هيمنتها وقوتها في اليمن، وبالتالي فإن السيطرة عليها ستمثل نقلة نوعية للانتقالي في خارطة التواجد العسكري على الأرض. في الواقع ستصبح مارب تحت تهديد مباشر من الإمارات وقواتها على الأرض إن سقطت شبوة، مع عدم إغفال تواجد التهديد الحوثي على مارب من الجهة الشرقية.

وشبوة في المقام الرابع تختلف بشكل جذري عن مدينتي عدن وأبين، فبها حاضنة شعبية رافضة للتواجد الإماراتي والانتقالي، وبها قيادات قبلية وازنة مناوئة للإمارات. ولهذا فإن التقدم في ظل هذه البيئة الملغومة والمكتنزة بالأعداء والمقاومين سيمثل نصراً معنوياً هائلاً للإنتقالي، وفي المقابل هزيمة ساحقة للمعسكر الآخر (معسكر الشرعية).

وهنا لابد من التأكيد على أن انتصارات الانتقالي في عدن وأبين لا توازي بأي شكل أي انتصار يمكن أن يحققه في شبوة، فالعاصمة المؤقتة وكذا مسقط الرئيس هادي مدينتان مسالمتان وأهلها مدنيون بنسبة كبيرة، ولا وجود فيهما لأي تشكيلات قبلية شرسة مناوئة للإمارات، وبالتالي فإن أي نصر فيهما أقل وزناً وأهمية من النصر في شبوة. وهذا بالضبط ما أدركه الجيش الوطني والحكومة الشرعية، فرأينا استبسالاً فارقاُ ومقاومة مستميتة لكسر التقدم العسكري الذي جرى منتصف ليلة الأمس.

ولا أبالغ إن قلت إن معركة شبوة قد أعادت هيبة الدولة وحفظت سمعة وماء وجه الحكومة الشرعية، داخلياً أو إقليمياً، وهذه قيمة معنوية هامة لا بد أن تستغلها الشرعية لإعادة بسط نفوذها مجدداً في المحافظات التي سقطت بيد الإمارات.

  • الإصلاح ومارب.. مرتكز النصر والهزيمة

صحيح أن التحدث عن نصر مؤزر للشرعية في شبوة بعد يوم واحد فقط من المواجهات يعد مبكراً للغاية، غير أن طبيعة المعركة والظرف العصيب الذي وقعت فيه والحشد الهائل الذي ساقته الإمارات نحو شبوة تؤكد بأن الشرعية وقوات الجيش الوطني لا زالت تملك مقداراً وازناً من القوة الرادعة.

والمؤكد أن الانتقالي لن يتوقف عند هذه الهزيمة وسيحشد وسيهاجم مرة واثنتين وعشراً. لذا، فإن حجم المسئولية على قوات الجيش في شبوة كبير.

وليس ببعيد عن شبوة، فمحافظة مارب  – بحكم موقعها الجغرافي وطبيعة المؤامرة التي تقودها الإمارات لتقويض الشرعية – معنية بهذه المعركة وعليها يعلق كثير من اليمنيين آمالهم. السيناريو الكارثي الذي جرى في عدن لابد ألا يتكرر في شبوة. طريق التعزيزات والإمدادات بين شبوة ومارب مفتوح بخلاف عدن أو أبين، وبالتالي فلا مجال لأي انكسار عسكري في شبوة، وعلى مارب أن تفي بمسئوليتها في إمداد المقاتلين في عتق.

وبالمثل فإن حزب التجمع اليمني للإصلاح معني بهذه المعركة، ومصيره مرهون على النصر أو الهزيمة فيها. الشعارات التي رفعها الحزب طوال خمسة اعوام بأنه حزب مدني لن تنفعه إن سقطت شبوة، وعليه ألا يكرر خطأه الكارثي الذي اقترفه في محافظة عمران، حينما وقف متفرجاً على الحوثي وهو يقتحم المدينة.

يستطيع الإصلاح الذي يمتلك الآلاف من المقاتلين الأشداء دفعهم إلى شبوة حين تستدعي الحاجة. ولطالما أثبت هؤلاء المقاتلون أنهم قوة ضاربة في أية معركة مصيرية.

  • الشرعية والقائد المفقود

لطالما آثر الرئيس عبدربه منصور هادي الاختفاء والصمت في المراحل المصيرية الحساسة لليمن، والتي أعقبتها انكسارات مريعة. أما وقد حقق الجيش هذا الانتصار الكبير والهام فإن بقاء الرئيس صامتاً أمر غير مقبول على الإطلاق.

المقاتلون على الأرض ينتظرون قائدهم للتحدث عن هذا الانتصار ورفع عزيمتهم وشحذ معنوياتهم، وغيابه سيكون – دون شك – محل خيبة كبرى.

وهنا لابد من الإشادة بما تقوم به الحكومة الشرعية من تصعيد ملموس ضد الإمارات، وهو تصعيد تأخر كثيراً لكنه حدث، يقابله قصور كبير من جانب مؤسسة الرئاسة، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام.

الانتصارات الكبيرة بحاجة إلى قادة كبار، والجيش المنتصر والشعب المنتصر أيضاً بحاجة ماسة لرؤية القائد الذي نفتقده منذ أمد طويل. من غير المعقول أن نخوض هذه المعركة بغير قائد ملهم.

  • ضرورة البناء على هذا النصر

لا معنى لأي انتصار عسكري ما لم يتم البناء عليه لإعادة التوازنات على الأرض. الحكومة الشرعية ملزمة باستثمار هذا النصر لترسيخ مكانتها وتواجدها في المحافظات المحررة أولاً، وثانياً لإعادة زخم المعركة باتجاه المواقع التي يسيطر عليها الانتقالي حتى دحره بشكل كامل وإعادة تطبيع الأوضاع في المدن التي احتلتها الإمارات وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن.

التوقف أو (السبات) عند حدود هذا النصر سيكون خطأً استراتيجياً كارثياً بالنسبة للحكومة أو الجيش الوطني، وقد تجد نفسها في قادم الأيام خارج حسابات الداخل والخارج.

جذوة الغليان والتصعيد الحكومي لابد أن تستمر حتى تحقيق السلطة الشرعية كافة الأهداف، وأي تفاهمات تشرعن لهذا التمرد ستعد “خيانة عظمى” لليمنيين، وهذا ما يجب أن تدركه الحكومة.

نفرح نعم.. لكننا نفرح والبندقية على أكتافنا، حتى نطهر كل شبر في هذا الوطن الكبير من دنس وكلاء الإمارات ووكلاء إيران.

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق