تمتلك الإمارات سجلا حافلا يميزها بقوة في منطقة الشرق الأوسط بشأن دعم الانقلابات والفوضى ولعل ما يحدث في اليمن حاليا يعد أبرز الأمثلة على ذلك.
ودعمت الإمارات خلال الأيام الماضية ميليشيات مسلحة خارجة عن القانون في الانقلاب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في اليمن عبر نشر الفوضى والتخريب في العاصمة المؤقتة عدن.
لكن ممارسات الإمارات المشينة بهذا السياق ليست جديدة ولم تبدأ من اليمن، إذ اقترن اسم أبو ظبي التي أصبحت محط حديث شبه يومي لوسائل الإعلام العربية والأجنبية بدعم الانقلابات على مدار السنوات الماضية.
يتم ذلك في ظل سعي مشبوه من الإمارات للتحول لقوة إقليمية كبرى متنفذة بحيث وظفت أذرعها الإعلامية والمال السياسي في التحريض ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وساهمت بشكل كبير في الإطاحة بحكمهم سنة 2013 والأهم من ذلك إجهاض أول تجربة مدنية ديمقراطية منتخبة في مصر، ومنع الانتقال والتداول السلميين للسلطة، ومن ثمة فسح المجال لإفشال ثورات الربيع العربي.
في اليمن لم تحرك الإمارات ساكنا حينما بدأ أنصار الحوثيين وعلي عبد الله صالح في الدخول إلى صنعاء، والسيطرة على المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى في يد ولم يسعوا في سبيل دعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ومعه الشرعية اليمنية، وكل ذلك نكاية في حزب الإصلاح اليمني – الذراع السياسية للإخوان باليمن، وليس مستبعدا أن يكونوا قد دعمت الانقلابين بالمال والسلاح آنذاك.
بعد ذلك انتقلت الإمارات إلى التدخل العسكري في اليمن في إطار ما يسمى قوات بالتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، والتي اتضح فيما بعد أنها لم تأت لدحر الانقلاب الحوثي بل لتكريسه، والانقلاب على شرعية عبد ربه منصور هادي نفسه.
حتى أن الإمارات تحولت إلى قوة احتلال عسكري تركز في الموانئ اليمنية، وأهم المحافظات الجنوبية، وجزيرة سقطرى، مع دعم كتائب وميليشيات انفصالية في الجنوب اليمني كالمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني وميليشيات أبو العباس …تسعى للإطاحة بالجيش الوطني اليمني والحكومة الشرعية اليمنية .
وفي ليبيا عملت الإمارات على دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالمال والسلاح، وسخرت آلتها الإعلامية المتغولة حتى في العديد من الوسائل الإعلامية العربية لصالحه، في مواجهته لقوات حكومة الوفاق الوطنية الليبية التي يقودها السراج المعترف بها دوليا.
ولا يخفى على أحد أن هذا المسار الانقلابي الدموي الذي نهجته الإمارات كان بتحالف علني مع القوى السياسية والعسكرية القديمة أو ما يُعرف بالفلول الذين تحولوا إلى أصول أو بتوظيف بعض الشبكات التي تتبع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان المتورطة في عمليات اغتيال وتفجيرات ترنو ضرب الاستقرار في بلدان الربيع العربي، ومع حتى بعض القوى المدنية اليسارية والليبرالية التي شاركت في الثورات، لكنها فشلت في الوصول للسلطة عن طريق الاستحقاقات الانتخابية في مواجهة تيارات الاسلام السياسي.
وفي تونس فقد فشلت محاولات التمهيد لانقلاب عسكري، كانت بوادره بإنشاء جبهة الانقاذ التونسية والدعاية من أجل تأسيسي حركة تمرد تحاكي نظيرتها في مصر، لإزاحة حركة النهضة من المشهد السياسي بدعم شخصيات عامة وأحزاب محسوبة على نظام زين العابدين بن علي بالمال والإعلام في مواجهتها .
ولم يتوان ساسة الإمارات وآلتهم الإعلامية عن التربص بقوى المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها “حركة حماس” وإطلاق حملات تشويه وتضليل ممنهجة، تشجع على مزيد من الحصار لأهل غزة، أو تبرير ذلك، والتغطية على جرائم الاحتلال الصهيوني، وبث مزيد من التفرقة بين حماس وفتح.
النتيجة إلى حدود الآن أن الإمارات فشلت فشلا ذريعا في استكمال مشروعها الساعي للبروز بمظهر الدولة المتنفذة في الشرق الأوسط، صاحبة المبادرات الدبلوماسية والسياسية وحتى العسكرية، فالنهضة في تونس فطنت لما يُحاك ضد تجربتها، فاقتسمت السلطة، وأعرضت عن الترشح لمنصب رئاسة جمهورية تونس، كضرورة تجنبها تكرار السيناريو المصري .
كما أخفقت في التحكم في القرار السياسي في مصر والسعودية رغم ما وظفته من إمكانيات مادية هائلة لاستمالة مراكز القوى الجديدة وتدجينها.
أما في ليبيا فقد فشل خليفة حفتر في مساعيه للدخول إلى طرابلس وحسم المعركة الدائرة بينه وبين قوات السراج لصالحه رغم الدعم الإماراتي الحربي والمالي والإعلامي المقدم له.
ويبقي أن أكبر نتائج سياساتها الإمارات التخريبية أن الروابط الخفية التي نسجتها أبو ظبي لطالما هدفت إلى الوصول للنموذج العسكري المستبد لخدمة تنمية البلاد والرفع من مواردها.