تتزايد عمليات نهب أراضي اليمنيين في بعض مناطق العاصمة اليمنية صنعاء، والتي ترتكبها عصابات مسلحة مدعومة من نافذين، في ظل غياب الأجهزة الأمنية. منطقة صرف (شمالي صنعاء) من تلك المناطق حيث تنشط الجماعات المسلحة من دون رادع، وهي إمّا تستولي عليها بصورة كاملة أو تمنع أصحابها من التصرّف بها إلى حين دفعهم مبالغ مالية كبيرة.
محمود محمد يملك واحدة من تلك الأراضي، يقول لـ”العربي الجديد”: “اشتريت أرضاً في عام 2013 لأبني عليها منزلي، لكنّني حتى اليوم فشلت في ذلك لأسباب كثيرة، لعلّ أبرزها عصابات الأراضي التي تُمارس عمليات ابتزاز بقوّة السلاح”. ويشير إلى أنّ “مسلحين منعوه من العمل في أرضه مراراً بعد تزوير أوراق ملكيتها، وهو أسلوب يستخدمونه كثيراً”. يضيف محمد أنّ “المسلحين يدّعون أنّ أرضي كانت تتبع إحدى الجمعيات السكنية، على الرغم من أنّني اشتريتها من صاحب الأرض نفسه وأملك وثائق رسمية معتمدة من المحكمة”. ويؤكد أنّ “مشكلات الأراضي في المنطقة صارت كابوساً للمواطنين غير القادرين على بناء مساكن لهم، في ظل غياب كامل للأجهزة الأمنية”، موضحاً أنّ “مواجهات مسلحة شبه مستمرة تحدث بين أصحاب الأراضي والعصابات، الأمر الذي يؤدّي إلى سقوط ضحايا من حين إلى آخر”.
أمّا المواطن مروان القباطي، فقد تفاجأ بأنّ قطعة الأرض التي يملكها بيعت ليمنيّ آخر، وذلك من قبل شخص يدّعي ملكيتها بوثائق مزورة. ويؤكد لـ”العربي الجديد”: “اشتريت الأرض قبل خمسة أعوام وسوّرتها. لكن، نظراً إلى الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة المصاحبة لها واستمرار عدم صرف الرواتب منذ أكثر من عامَين، لم أستطع بناء مسكن لي عليها ليأتي آخر قبل عام ويبدأ البناء”. يشير القباطي إلى أنّه لجأ إلى الشرطة وبعدها إلى النيابة العامة لوقف عملية البناء على الأرض، وهو ما زال يتابع القضية ويتحمّل الخسائر المالية الناتجة عن ذلك “من دون جدوى حتى الآن”. يضيف أنّ “منطقة صرف في صنعاء تُعاني من العصابات ولصوص الأراضي الذين يستولون على ممتلكات المواطنين بقوّة السلاح منذ مدّة طويلة، لكنّها زادت أخيراً وثمّة مماطلة في متابعة هذه القضايا والبتّ بها في المحاكم”. ويتابع أنّ “المواطنين باتوا عرضة لعمليات نصب واحتيال من قبل سماسرة الأراضي”.
ويوضح القباطي أنّ “من يقف في وجه تلك العصابات يواجه مشكلات عدّة وتهديدات تصل أحياناً إلى حدّ القتل، في حال لم يكن ابن أسرة قوية أو قبيلة تحميانه، أو لم يكن مدعوماً من نافذ في الأجهزة الأمنية، لاسترداد حقّه المنهوب. ويلفت إلى أنّه حصل على “توجيهات أمنية وقضائية تمكّنني من العمل في أرضي، لكنّ تلك التوجيهات لم تشفع لي عند تلك العصابات ولم تتمكّن الأجهزة المعنية من تنفيذها”.
من جهته، اشترى وليد الإبي قبل أعوام أرضاً في منطقة سعوان (شرقي صنعاء) لبناء منزل عليها، ولم يتوقّع أنّه سوف يواجه مشكلات مختلفة. فالحوثيون هناك منعوا المواطنين من البناء مشيرين إلى أنّ ملكية أراضي تلك المنطقة تعود إلى أسر تابعة لهم. يقول الإبي لـ”العربي الجديد” إنّ “رحلة المتاعب في المحاكم والنيابات بدأت مذ سيطر الحوثيون على صنعاء، وما زلت ماضيا في متابعتي للقضية حتى أجد من ينصفني”. يضيف أنّ “الحوثيين منعوا كذلك أصحاب المنازل في شارع الأربعين في منطقة سعوان من بناء طبقات إضافية في منازلهم، على الرغم من أنّها كانت قد شُيّدت قبل عشرة أعوام أو أكثر، وذلك إلى حين إبرازهم وثائق تثبت ملكيتها”.
وعمليات الاستيلاء على الأراضي في صنعاء أو ابتزاز أصحابها بالتنسيق مع بعض سماسرة العقارات، تأتي في ظل انعدام رقابة السلطات التي من شأنها ردع العصابات. يقول مصدر أمني في صنعاء لـ”العربي الجديد” إنّ “مشكلات الأراضي في منطقة صرف خصوصاً وفي العاصمة صنعاء عموماً، تمارسها عصابات مسلحة تستولي على الأراضي وتمنع المواطنين بالقوة من البناء وتبتزّهم، فيرضخ كثيرون لها خوفاً منها. يضيف المصدر أنّ “الجهات الأمنية في صنعاء تعمل جاهدة لضبط تلك العصابات، إلا أنّ ثمّة نافذين يعملون على دعمها ومساندتها وتسهيل أعمالها غير القانونية”، مشيراً إلى أنّ “مافيا الأراضي عاودت نشاطها بصورة ملحوظة أخيراً بينما ازدادت الخلافات حول الأراضي بشكل ملفت في ضواحي العاصمة”. ويؤكد المصدر نفسه أنّ “مئات المواطنين وقعوا ضحايا نصب واحتيال سماسرة العقارات ولصوص الأراضي”، موضحاً أنّ “مواجهة تلك العصابات في حاجة إلى قرار حازم من قيادة الدولة يقضي برفض أيّ وساطات أيّاً يكن مصدرها، بالإضافة إلى دعم الأجهزة الأمنية لاستخدام القوة ضدها، والتسريع بالأحكام القضائية الرادعة لمن ألقي القبض عليه ليكون عبرة لغيره”. ويشدّد على أنّه “في حال معاقبة مجموعة من هؤلاء عقاباً شديداً، فسوف تتراجع هذه الظاهرة. وحلّ المشكلة هو تكاملي بلا شك ويستلزم جهود أكثر من جهة وليس فقط الأمنية منها”.