يبدو أن الأزمة بين حكومة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ودولة الإمارات، دخلت “مرحلة اللاعودة”، في ظل محدودية الخيارات، وغياب أي هامش للمناورة من قبل الأخيرة، بعدما كشف الموقف الرسمي للحكومة أن جوهر الخلاف مرتبط بالسيادة الوطنية.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن الوجود العسكري الإماراتي، وتصاعد الرفض الشعبي والرسمي، حشر أبوظبي في زاوية ضيقة، في الوقت الذي يبدو أن القيادة اليمنية ماضية في عملية التصعيد ضدها، حتى تتراجع عن ممارساتها الذي تصفها دوائر رسمية بـ”الاحتلال”.
كما أنه من غير المستبعد التنبؤ بحدود التصعيد الذي ستصل إليه الأزمة، مع غياب أي بوادر في الأفق لتسويتها بالتوازي مع بقاء القوات الإماراتية مسيطرة على مطار محافظة أرخبيل سقطرى ومرفأها منذ أكثر من سبعة أيام.
اجتماع مرتقب لهادي
وفي هذا السياق، كشف مستشار وزير الأعلام، مختار الرحبي، عن اجتماع مرتقب للرئيس اليمني مع هيئة مستشاريه، وقد يتخذ إجراءات “قوية” ضد الإمارات لتصعيدها في سقطرى.
يأتي ذلك بعد بيان أصدرته القوى السياسية المؤيدة للشرعية الثلاثاء، وألقت بالكرة في ملعب السعودية قائدة التحالف العربي.
إيقاف الإمارات
وقال البيان إن الخطوات العسكرية التي قامت بها الإمارات محاولة “للزجّ بالجزيرة الآمنة والمستقرة في أتون حسابات غير ذات صلة بمواجهة الانقلاب واستعادة الشرعية، ومن شأنه المساس بالسيادة الوطنية للجمهورية اليمنية”.
وحث البيان على تكثيف الاتصالات مع المملكة العربية السعودية قائدة التحالف العربي، من أجل الضغط على دولة الإمارات لسحب قواتها من سقطرى فورا ودون شروط، والعمل على إزالة التوتر الناجم عن سياساتها في المناطق المحررة.
وثمنت الأحزاب في بيانها دور دول التحالف لدعم الشرعية، وخصت بذلك المملكة، التي طالبتها بالتدخل لوقف كافة الممارسات الإماراتية التي لا تخدم أهداف هذا التحالف العسكري.
ويشير الموقف الرسمي إلى أن أبوظبي تجاوزت كل الخطوط، وبدأت تنازعه في السيادة، بالإضافة إلى سلسلة أخرى من المواقف المعادية لها، تتجلى في دعمها مليشيات انفصالية تتلقى توجيهاتها من العاصمة الإماراتية، فيما يرى مراقبون أن بيان الأحزاب اليمنية يذكر السعودية بأنها هي الوحيدة التي طلب منها التدخل، وأن عليها بحكم قيادتها سحب القوات الإماراتية فورا ودون قيد أو شرط من الجزيرة.
قادرة على هزيمة أبوظبي
أكد الكاتب والمحلل السياسي، عبدالرقيب الهدياني، أن الشرعية تمتلك من القوة القانونية والسياسية والأخلاقية ما تستطيع من خلالها أن تتغلب بها على القوة العسكرية والمالية لدولة الإمارات.
وتابع حديثه لـ”عربي21″، بأنه إذا أحسنت القيادة اليمنية استخدام قدراتها وإمكاناتها، فلا خوف من هذه التدخلات الإماراتية، وستهزمها، بل ستتمكن من تجاوزها ولكن متى؟ إذا أرادت.
وأضاف الهدياني أنه بات ملاحظا قدرة الحكومة الشرعية اليوم في سقطرى، على إدارة الأزمة، رغم التصريحات التي تتسم بالدبلوماسية والنعومة تجاه ما تمارسه الإمارات.
وأردف قائلا إن الحكومة حققت إنجازات كبيرة على مستوى الوعي الوطني والإعلامي وإحراج أبوظبي بهذه التدخلات والمطامع في الجزيرة التي تعد نموذجا لنهم هذه الدولة الخليجية التي تسترت تحت غطاء نصرة الشرعية لتنفيذ أجندة توسعية ومطامع في السواحل والجزر اليمنية.
ولفت السياسي اليمني إلى أن السلطات الحكومية أيضا استطاعت، بحنكة ودهاء، أن تكشف الأطماع الإماراتية للداخل والخارج، وجرتها إلى هذه الجزيرة المنعزلة، ووجهت لها ضربات مؤلمة.
واستدل بأن بيان الخارجية الإماراتية، الذي كرر التأكيد على شرعية الرئيس هادي وفي أكثر على عبارة أن سقطرى اليمنية، تجسيدها لامتصاص ارتدادات موقفها المستفز شعبيا ورسميا.
وحول خيارات الحكومة ومآلات التوتر مع السلطات الإماراتية، قال الهدياني إن الشرعية ستتحرك عبر السعودية لفرملة هذه التصرفات التي تقوم بها أبوظبي.
واستبعد أن تؤول الأزمة إلى طرد الإمارات من التحالف، بالقول: “من المبكر الحديث عن استغناء تام عن مشاركة الإمارات ضمن التحالف؛ لأنه مرهون بموقف الرياض”.
في الوقت نفسه، فإن التحالف قد تعرض لاهتزازات كبيرة، ولم يعد بحاجة إلى هزات جديدة، ولذلك ستعمل الحكومة اليمنية على التصعيد عبر تحريك الرياض والضغط عليها لإعادة الإمارات إلى الطريق الطبيعي التي جاءت من أجله. وفقا للكاتب اليمني
الإعفاء أو الحوار
بموازاة ذلك، توقع الصحفي اليمني، محمد الجرادي، أن التصعيد الحاصل قد يحمل الإمارات لمراجعة سياساتها المتهورة قليلا.
وأضاف، في حديث خاص لـ”عربي21″، أن الضغط الشعبي والرسمي لن يحول بينها وبين مواصلة مشروعها البديل للشرعية، وهو كما تؤكد الشواهد على الأرض مضادا لتطلعات اليمنيين بدولة موحدة وبنظام ديمقراطي.
ووفقا للجرادي، فإن الحل الوحيد مع أبوظبي يكمن في أمرين، هما “إعفاؤها من التحالف من قبل الحكومة”، وهو أمر قد يواجه عراقيل، من بينها الفيتو السعودي، بالإضافة إلى ارتباطها بمليشيات في المناطق المحررة، ما قد يعرضها للخطر.
أما الأمر الثاني، فيقول الصحفي اليمني إنه “الدخول مع الإمارات في حوار جاد، على أن تعلن تخليها عن دعم المليشيات والأحزمة الأمنية، ودمجها بالجيش الوطني، ومغادرة سقطرى، وتسليم عدن للحكومة الشرعية”.
وبحسب الصحفي الجرادي، فإن أبوظبي قد تسعى للتقارب مع الإصلاح مؤقتا عبر السعودية، وستضاعف من دعم قوات طارق عفاش، بالإضافة إلى المجلس الانتقالي أيضا.
كما أنه لم يستبعد أن تتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد الإمارات، حتى تجد نفسها أمام خيار واحد، هو التراجع ، حتى لا يحصل معها ما جرى في الصومال وغيرها من الدول الأفريقية.
وتنامى مطلب “طرد أبوظبي من التحالف العسكري الذي تقوده الرياض” بشكل واسع شعبيا رسميا، وسط توقعات باتساعها لتشمل أكثر من محافظة خاضعة للحكومة الشرعية في جنوب وشرق اليمن.
مواجهة الإمارات
الكاتب والناشط السياسي اليمني، مروان الغفوري، قال إن هذا البيان يمثل تصعيدا حادا مع الإمارات.
وأضاف، في تعليق نشره على حسابه بموقع “فيسبوك”، أن هناك أمورا لافتة يمكن استنتاجها من البيان، الأول “أنه ألمح إلى أن “اليمن لم يوجه أي دعوة للإمارات لمساعدته في مواجهة الانقلاب، وأن الرئيس هادي بعث رسالته إلى الملك سلمان لا إلى غيره، مشيرا إلى أن البيان طلب حل “المشكلة” التي جاءت بلا دعوة.
أما الأمر الثاني، وفقا للغفوري، فهو أن البيان تجاوز الحدث السقطري، وتحدث عن المشاكل التي، كما قال، تصنعها الإمارات” في المناطق المحررة”.
وبناء على ذلك، استخدم البيان في مواجهة الإمارات، لأول مرة، جملة: “فورا ودون شرط، وسمّاها كواحدة من عوامل اللااستقرار في اليمن”، حسب قوله.
وأشار إلى أن هذه الأحزاب، ومن خلفهم هادي وبن دغر، تأكدوا أن مواجهة أبوظبي أقل كلفة من مسايرتها.
وأوضح الكاتب اليمني أن محاولات الشرعية مدّ الجسور مع الإمارات فشلت، ودخلت مرحلة اليأس. مستدلا بمراسيم استقبال الرئيس هادي في العام 2017، من قبل صغار الضباط في مطار أبوظبي، وهو التجسيد الأشهر لتلك العلاقة.
وحول مآلات الأزمة، يقول الغفوري إن الطريق الأفضل لمصلحة كل الأطراف داخل التحالف هو “الجلوس والحديث المباشر”، عدا ذلك فإن معركة جديدة مضافة إلى قائمة المعارك اللانهائية ستجعل الكلفة، على المدى الطويل، قاتلة.
*عربي21