سيجلس 193عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقاعدهم المتراصة بالقاعة الشهيرة في نيويورك، تلك التي اعتدنا أن نراها على شاشات التلفاز في كل مرة تتحوّل فيها قضية شغلت بلداً ما أو منطقة إلى جلسة تُعقد في أروقتها؛ لكنّ جلسة الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، التي يصوّت الأعضاء فيها على مشروع قرار يدين اعتراف واشنطن الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل، لها حسابات مختلفة من الناحية القانونية أو السياسية للقرار.
قانونياً، القرارات التي تصدر عادة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة، إلا أن لها ثقلاً سياسياً، ولكن لماذا إذاً الحديث هذه المرة عن “قرار ملزم” تقدّمت به الدول العربية؟
الجلسة تمتلك صلاحيات مجلس الأمن
المتحدث السابق باسم الأمم المتحدة، د. عبدالحميد صيام، أوضح أن الجلسة استثنائية، وقراراتها ملزمة، لأنها تكتسب صلاحيات مجلس الأمن، لأنها تنعقد بشكل طارئ على أساس قرار رقم 377 المتخذ عام 1950، تحت عنوان “متحدون من أجل السلام”.
ويشير في حديثه لـ”هاف بوست عربي”، أنه وفقاً لهذا القرار، فإنه في الحالات التي يفشل فيها مجلس الأمن الدولي في تحقيق إجماع بين الدول الخمس الدائمة العضوية، ينبغي للجمعية العامة أن تنظر مباشرة، ويمكنها تقديم أي توصيات تراها مناسبة من أجل استعادة السلام والأمن الدوليين.
وبالتالي فإن هذا القرار بالذات، سيحظى “بوزن قرارات مجلس الأمن”، لكنّه يعتمد بشكل أكبر بعد التصويت لصالحه على دور القيادة الفلسطينية في استثماره، حسب قوله.
كما أوضح د. إبراهيم أحمد أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، بأنه إذا استطاعت المجموعة العربية داخل الجمعية أن تحشد غالبية الدول الأعضاء من أجل تصويت الأغلبية لصالح القرار، فستصدر الجمعية العامة قرارا ملزما لواشنطن بالتراجع عن قرارها باعتبار القدس عاصمة إسرائيل.
وعن طبيعة الإلزام، أكد في حديثه لـ”هاف بوست عربي” أنه مرتبط بمدى وجود إرادة أمريكية للالتزام بالقانون من عدمه، موضحا أن القانون يحتاج قوة لتنفيذه وأمريكا فقط هي من تمتلك القوة، ومن ثم حتى ولو تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإلغاء القرار الأمريكي استناد إلى بند “متحدون من أجل السلم”، فلا تملك الأمم المتحدة بكافة أجهزتها تنفيذه، حسب قوله.
مشروع القرار الذي قدَّمته اليمن وتركيا، ينص على أن أي قرار حول القدس “ليست له قوة القانون، ويعد لاغياً وباطلاً، ويتعين سحبه”. ويأتي هذا بعد أيام من تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار مماثل، تقدّمت به مصر، وقوبل بالفيتو الأميركي.
أسبوع واشنطن العصيب
المتابع للأحداث التي تلت إعلان ترامب، في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، يرصد جبهتين تتحركان في ملف القدس، الأولى تتمثل بالمظاهرات والمواجهات التي تندلع بين الحين والآخر مع الجيش الإسرائيلي في مناطق مختلفة من الأراضي المحتلة.
أما الثانية، فتتمثل بالحملة الدولية التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الدول العربية والغربية، وفي الأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأميركي.
وفي مقابل هاتين الجبهتين، تظهر أميركا وحليفتها إسرائيل الممنونة من القرار التاريخي في جبهة أكثر عنفاً. وكان هذا الأسبوع صعباً بالنسبة لواشنطن، فقد بدأ بجلسة في مجلس الأمن صوّت فيها 14 من أعضائه ضد قرار ترامب، بما فيهم حلفاء أميركا الأوروبيون.
ولم تنته تلك الجلسة إلا بتوضيح السفيرة الأميركية نيكي هايلي، أن ما حصل إهانة لن تنساها واشنطن أبداً، متوعدة بأن بلادها “ستسجّل أسماء الدول التي تعارض قرار الرئيس الأميركي، وأن الرئيس ترامب من كسب هذا التصويت”. وأعقبها ترامب الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، بالتأكيد على ما قالته هايلي، قائلاً عشية التصويت في الجمعية العامة، “ياخذون مئات ملايين الدولارات وحتى مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا”، مضيفاً في تهديد واضح “دعوهم يصوتون ضدنا، سنقتصد الكثير (من المال) والأمر سيان بالنسبة إلينا”.
عزلة أكبر تنتظرها
ويوضح د. صيام، الذي يشغل أيضاً منصب أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية بجامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي الأميركية، بأن ما تفعله واشنطن الآن من تهديد ووعيد ما هو إلا تخبط تعيشه الإدارة الأميركية، لأنها تشعر بعزلة دولية إزاء ما يحدث.
وأضاف أن التصويت على القرار الخميس، سيزيد من عزلتها لأنها ستظهر بصورة المعادية لكل القرارات الدولية والتاريخية.
لكن حتى لو كان القرار ملزماً، فإن واشنطن اعتادت على عدم تطبيق أي منه، حسب قول صيام، لكنّه سيضفي ثقلاً على قضية القدس نفسها.
وعلى الجانب الفلسطيني، يرى المتحدث باسم حركة فتح، أسامة القواسمي في حديثه لـ”هاف بوست عربي”، أن التصويت لصالح القرار اليوم الخميس، في الجمعية العامة، سيعني أن “قرار ترامب باطل وسيُطالب بإلغائه، وسيعد إنجازاً قانونياً نواجه به واشنطن أمام كل المحافل والمؤسسات الدولية”.
ويؤكد “أن التهديدات التي يطلقها ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دليل على غضبهم من المعركة السياسية التي نقودها”، حسب قوله.
وأعلن نتنياهو الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول، أنه يرفض مسبقاً التصويت في الجمعية العامة حول القدس، لأن “القدس عاصمة إسرائيل سواء اعترفت بذلك أو لم تعترف الأمم المتحدة، التي وصفها بأنها “بيت الأكاذيب”.
وقال نتنياهو “دولة إسرائيل ترفض هذا التصويت رفضاً قاطعاً حتى قبل القيام به، أورشليم عاصمتنا، وسنواصل البناء فيها، والسفارات الأجنبية ستنتقل إليها، وعلى رأسها السفارة الأميركية، هذا سيحدث لا محالة”.
وذكرت وكالة أ ف ب، أنه منذ أن أعلن عن عقد الجلسة الخميس، دأبت الإدارة الأميركية على ممارسة التهديدات والضغوط على الدول التي ستصّوت على القرار، مستخدمة التغريدات والبريد الإلكتروني والرسائل وكل وسيلة قد تجعلها تتفادى هزيمة دبلوماسية جديدة في أسبوع واحد.