في وقتٍ يفرض التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات حصاراً خانقاً على اليمن، على وقع إغلاق معظم المطارات والموانئ البحرية، لا يجد المواطن الإماراتي أي صعوبة في السفر من جزيرة سقطرى اليمنية وإليها، ففندق “سمرلاند” أشهر فنادق الجزيرة، لا يكاد يخلو من النزلاء الإماراتيين بغرض السياحة، بعد تحوّل الجزيرة إلى ما يشبه مقاطعة إماراتية خارج الحدود. ومع اقتراب الحرب في اليمن من إتمام عامها الثالث، خفّت حماسة الكثير من اليمنيين لدور التحالف العربي، بعد أن أخذ تدخله مساراً منحرفاً بعيداً عن إنهاء انقلاب مليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. ولعلّ أبرز مظاهر هذا الانحراف ما قامت به الإمارات من ممارسات أشبه بـ”الاحتلال” في جزيرة سقطرى البعيدة تماماً عن مناطق المواجهات. وفي وقت انشغلت فيه الحكومة الشرعية والرأي العام في البلاد، بالحرب أواخر عام 2015، شرعت الإمارات في بناء نفوذ لها في محافظة أرخبيل سقطرى، تحت لافتة العمل الخيري مستغلة إعصاري “تشابالا” و”ميغ” اللذين ضربا الجزيرة وأحدثا دماراً هائلاً في بنيتها التحتية. وإلى جانب لافتة العمل الخيري، استغلت الإمارات ضعف الحكومة المركزية والسلطات المحلية، لإحكام قبضتها على الجزيرة، بدءاً من الأمن مروراً بالخدمات والاتصالات وصولاً إلى القطاع السياحي.
الارتباط الإماراتي بجزيرة سقطرى ليس وليد اللحظة، فتاريخياً شهد عهد “السلطنات” (حقبة تاريخية سبقت قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب البلاد) رحلات من الإمارات وسلطنة عمان إلى سقطرى، بحثاً عن العمل في مجال الغوص واستخراج اللؤلؤ. ومكث بعضهم في سقطرى، وقبل دخول الجبهة القومية إلى الجزيرة عام 1967، هرب الآلاف من أبناء الجزيرة إلى دولة الإمارات واستقبلهم حاكم عجمان حينها. ووفقاً لمصادر محلية، فإن عدد أبناء سقطرى المقيمين في الإمارات هو حوالي 20 ألف نسمة تقريباً، معظمهم في إمارة عجمان. أما بوادر الأطماع الإماراتية في سقطرى فقد بدأت قبل حوالي عشر سنوات، على شكل زيارات قام بها رجل الأعمال محمود فتح آل خاجة، الذي باشر نشاطات خيرية وتوزيع مبالغ مالية، وبناء بيوت للأيتام، فضلاً عن توزيع مولدات كهربائية على القرى والأرياف مستغلاً حاجة المواطنين، قبل تحوّل اهتماماته لاحقاً إلى شراء أراضٍ تجاوزت مساحتها كيلومترات عدة وبملايين الريالات، علاوة على إهداء مسؤولين في الجزيرة سيارات، لكسب ولائهم وتسهيل نشاطه.
وبعد ضرب اعصاري “تشابالا” و”ميغ” جزيرة سقطرى والمحافظات الشرقية لليمن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، بدأت نوايا أبوظبي في ترسيخ نفوذها في الجزيرة تتكشف مع وصول مجموعة من الضباط العسكريين تحت غطاء العمل الخيري، بينهم مندوب “مؤسسة خليف”، خلفان مبارك المزروعي، المكنى بـ”أبو مبارك”، الرجل الأول للإمارات في الجزيرة، إضافة إلى رجل الأعمال آل خاجة.
وكثّف الضباط الإماراتيون تحركاتهم في الجزيرة بوتيرة عالية، بغية الإمساك بزمام الملفات الأمنية والخدمية، وبعد مرور عامين على وصولهم، باتت سقطرى الآن أشبه بمقاطعة إماراتية خارج الحدود، مع تلاشي دور الحكومة والسلطات المحلية فيها. واتخذ الفريق الإماراتي فور وصوله خطوات مهدت لـ”ابتلاع” الجزيرة، وفي مقدمتها شراء ذمم وولاءات المسؤولين. وفي هذا السياق، منحت الإمارات سيارتين من نوع “ستيشن لكسز” للمحافظين السابقين سعيد باحقيبة، وسالم السقطري، الذي أقيل عقب انضمامه للمجلس الانتقالي. وكذلك أهدت الإمارات سيارة من النوع ذاته للمحافظ الجديد أحمد عبدالله السقطري. وتجاوز شراء الذمم عند المحافظين إلى مدراء المرافق الحكومية وبعض القيادات العسكرية ومشايخ القبائل، فضلاً عن قيادات في “الحراك الجنوبي”. في هذا الصدد، تكفّلت الإمارات ببناء منازل المحافظين السابقين، السقطري وباحقيبة، فضلا عن مدير عام مديرية حديبوه، عاصمة المحافظة، وقيادي آخر في “الحراك الجنوبي”.
وكشف سكان محليون لـ”العربي الجديد”، أن “خلفان المزروعي الذي أصبح الآمر الناهي في سقطرى، استأجر مصنعاً لتحضير الأسماك، التي يقوم بشرائها بمبالغ زهيدة من الصيادين المحليين قبل أن يصدرها عبر الطيران إلى الإمارات”.
أما السيطرة على الأراضي، فبدت الوجه الأبرز للنفوذ الإماراتي في الجزيرة، وبحسب مسؤول محلي، فقد اشترى المزروعي أراضي بمساحات شاسعة في السواحل بالقرب من الميناء وأخرى في منطقة نوجد، جنوب الجزيرة، إضافة إلى الاستيلاء على مساحات في محمية دكسم، المحمية من البناء عليها بموجب القانون اليمني.
وفي الطريق المؤدي إلى ميناء سقطرى، عمل الإماراتيون على هدم أحد المناطق الأثرية المطلة على البحر لبناء قصور شخصية، الأمر الذي استنكره ناشطون عاملون في مجال التراث والبيئة بالجزيرة. ورغم قرار السلطات المحلية بسقطرى منع التصرف أو توثيق أراضي السواحل وتشكيل لجنة لحصر المخالفات، إلا أن السلطة المحلية تبدو أضعف من أن توقف الاعتداءات الإماراتية على أراضي الجزيرة.
في سياق القبضة الأمنية على الجزيرة، أنشأت الإمارات قوات عسكرية تحت اسم “القوات الخاصة” التي يزيد عدد أفرادها عن خمسة آلاف جندي يحظون باهتمام خاص، كما استحدثت أكثر من 20 نقطة تفتيش في سقطرى.
من جهة أخرى، أحكمت الإمارات سيطرتها على مطار سقطرى أمنياً وإدارياً، منذ الأيام الأولى لوصول الفريق الإماراتي إلى الجزيرة في عام 2015، من دون الرجوع إلى السلطة المحلية. وملف المطار حالياً بإدارة الضابط سعيد الكعبي، وهو من أبرز معاوني المزروعي. والكعبي مشرف على دخول وخروج شحنات مغلفة من الجزيرة عبر المطار من دون رقابة أو تفتيش من الجمارك. كما افتتحت الإمارات شركة طيران باسم “روتانا”، تقوم برحلات عدة أسبوعياً من أبوظبي إلى سقطرى، من دون العودة إلى الجهات المعنية في الحكومة اليمنية.
وتحاشياً لأي عوائق أمنية حائلة دون السيطرة الكاملة على المطار، لجأت الإمارات إلى شراء ولاءات قيادة لواء الدفاع الجوي من خلال إهدائهم السيارات، فضلاً عن توزيع مبالغ مالية على الجنود بين الحين والآخر.
إلى ذلك، بدأت الإمارات ببناء قاعدة جوية بجوار المطار، ووفقاً لمصادر خاصة تحدثت لـ”العربي الجديد”، فقد “وصل أكثر من مرة قائد رفيع في القوات المسلحة الإماراتية للإشراف على سير العمل فيها، وسط أنباء عن توجيهات للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بوقف البناء فيها”.
وفي إطار التحكم في منافذ الجزيرة، كشف مصدر محلي أن “الإمارات أقدمت على تغيير حرس ميناء سقطرى (خفر السواحل) بآخرين من القوات البحرية الموالية لهم”. ولفت إلى أن “سفناً إماراتية تصل إلى الجزيرة وتفرغ حاوياتها في حوش بني لهذا الغرض بالقرب من الميناء، وفي المقابل تغادر محملة بحاويات بعيداً عن أي رقابة من السلطات المحلية”.
في هذا السياق، قال مصدر يعمل في القطاع البيئي بالجزيرة، لـ”العربي الجديد”، إن “الإمارات نقلت كميات من الأحجار والحيوانات النادرة من الجزيرة”، معتبراً أن “هذه مخالفة لخطة التنمية في سقطرى والقرار الجمهوري رقم 295 لعام 2000، الذي يمنع إخراج أي مواد من الجزيرة، حماية للنظام البيئي والمحافظة على التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية”.
وتجاوز النفوذ الإماراتي بسقطرى حدود السيطرة على المنشآت الحيوية فقط، بل تجاوزها إلى التحكم في المفاصل الاقتصادية، كالاتصالات والسياحة، حيث افتتحت الإمارات شبكة اتصالات في مديريتي حديبوه وقلنسية، ووفقاً لسكان محليين، فإنها باتت واسعة لتغطية جميع مناطق سقطرى.
إلى جانب ذلك، قامت الإمارات بتأسيس شركة سياحية تابعة للمزروعي، واستقدمت حافلات سياحية بهدف السيطرة على القطاع السياحي في الجزيرة. كما افتتحت محطة وقود لبيع المشتقات النفطية في سقطرى من دون ترخيص من وزارة النفط.
وأوضح الموظف أن “المستشفى الذي يحمل اسم رئيس دولة يفتقر إلى أبسط الإمكانيات، ولا يوجد فيه إخصائيون، سوى قسم نساء وولادة، أما الأقسام الأخرى فلا تزال مغلقة”، مضيفاً: “أما صبغات الأشعة فيتحتم عليك شراؤها من محافظة حضرموت. الوضع يتجه من سيئ إلى أسوأ”.
وفي ظل عجز السلطات المحلية والحكومة الشرعية عن إيقاف النفوذ الإماراتيالمتصاعد بالجزيرة، أصبح من الخطورة معارضة السياسة الإماراتية في الجزيرة، فمدير كهرباء سقطرى أودع في السجن بأوامر إماراتية بسبب قطعه التيار عن مستشفى خليفة الذي بلغت مديونيته 20 مليون ريال، وأجبر محافظ سقطرى على تعيين مدير جديد للمؤسسة.
وسقطرى أو “جزيرة الأحلام”، تقع في المحيط الهندي، وتبعد عن سواحل حضرموت حوالي 350 كيلومتراً جنوباً، وهي عبارة عن أرخبيل مكوّن من ست جزر: سقطرى، وهي أكبرها، إضافة إلى درسة وسمحة وعبد الكوري وصيال عبد الكوري وصيال سقطرى. وتتميز الجزيرة بتنوع نباتي وحيواني نادر، مع وجود سبعة أنواع من الطيور غير موجودة في أي مكان آخر في العالم. كما تشتهر الجزيرة بالكهوف الجبلية الطويلة، وكان آخر كهف تم اكتشافه في 2008، يبلغ طوله 13.5 كيلومتراً، الأمر الذي مكّنها لتصنّف كأحد مواقع التراث العالمي من قبل “اليونسكو” في العام ذاته. وتبلغ مساحة الجزيرة 3796 كيلومتراً مربعاً، أما سكانها فعددهم نحو 44 ألف نسمة.