“كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ظهراً.. اليمنيون متسمرون خلف الشاشات وأمثالهم ممن كان يظن نفسه محظوظاً في التواجد في مطار عدن ينتظر ضمن طابور طويل من المستقبلين الذين لفحتهم حرارة الشمس. الجميع يرتقب وصول حكومتهم من المنفى، بعد عام من الفراق القسري.. يصيح أديب الجناني، وهو صحفي يعمل في قناة بلقيس: هاهو باب الطائرة يفتح وهاهم الوزراء بدأوا بالنزول من الطائرة.. وفجأة يرج المكان انفجار هائل غطى على كل شيء وتهتز كاميرا مراسل قناة الحدث فيما تصيح المذيعة في صدمة وذهول: يا رب.. انفجار انفجار. تحاول الاطمئنان على مراسل القناة ردفان الدبيس، والذي أضاعت الصدمة تركيزه فصاح بجملة خالدة (المطار في الصالة)، أما أديب فقد صمت صوته إلى الأبد”.
هكذا في يوم الأربعاء الموافق 30 ديسمبر 2020م، وقبل يوم واحد من نهاية العام انخلعت قلوب اليمنيين كمداً وغماً على وقع مشاهد مأساوية تبثها شاشات الأنباء ووكالات الأخبار، بعد هجوم صاروخي غادر استهدف بوابة صالة الاستقبال في مطار عدن الدولي، بالتزامن مع وصول الحكومة اليمنية الجديدة إلى البلاد.
وتقول تقارير إعلامية إن الهجوم أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً بينهم قيادات بارزة وإعلاميون، وإصابة أكثر من 60 آخرين.
ورصد ناشطون ومصورون صحفيون قبل الهجوم بدقائق انطلاق زخات صاروخية من مناطق خاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين في محافظة تعز، والتقطوا صوراً لتلك الصواريخ التي استقرت لاحقاً في مبنى مطار عدن وباحته الخارجية.
فاعل ظاهر وفاعل خفي؟
كانت تلك أولى الدلائل الدامغة على مسئولية جماعة الحوثيين عن الهجوم، بالرغم من نفيها المسئولية عنه، لكن دقة الضربات وتوقيتها دفع خبراء أمنيين ومراقبين ضالعين بالشأن المحلي لدق ناقوس الخطر حول احتمالية وجود تنسيق مشترك بين الحوثيين وبين سلطات الأمر الواقع في عدن (مليشيات المجلس الإنتقالي الجنوبي) والتي تسيطر عليها الإمارات سيطرة مطلقة، لتنفيذ هذا الهجوم.
يرصد هذا التقرير كثير من الشواهد حول ما حدث في المطار قبل وأثناء وبعد تفجيرات مطار عدن والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا الهجوم ما كان له أن يكون بهذه الدقة لولا وجود تنسيق مشترك بين الحوثيين ودولة الإمارات عبر مليشياتها في عدن.
وزير الداخلية يكشف المعلومة الأخطر: وجود تنسيق
أدلى ال وزير الداخلية اليمني اللواء الركن إبراهيم حيدان رئيس لجنة التحقيق، بتصرحات بالغة الأهمية يوم أمس الخميس حول هوية منفذي الهجوم وطبيعته. وقد أكد الوزير حيدان المؤكد بتورط الحوثيين في الهجوم متهماً خبراء إيرانيين ولبنانيين بالوقوف خلف نظام إطلاق الصواريخ. مشيراً بأن الصواريخ التي ضربت مطار عدن نفسها التي استهدفت رئاسة الأركان بمأرب وأطلقت من مسافة 100 كلم.
لكن الوزير تحدث عن ملاحظة مفصلية في التحقيق الذي أجرته اللجنة، مشيراً بأن الصاروخ الثاني سقط عند الساعة 13:25:09 ظهرا في الموقف رقم (1) المخصص لوقوف الطائرة التي تقل الحكومة، ونتيجة لتزاحم المستقبلين وخوفا عليهم من محركات الطائرة تم تغيير موقف الطائرة في اللحظات الأخيرة إلى الموقف رقم (2)، وهو ما يؤكد تسريب معلومة مكان وقوف الطائرة وتعمد الاستهداف المباشر للطائرة في موقفها المقرر رقم (1).
هذا التسريب الذي تحدث عنه الوزير دفع مراقبين لتوجيه أصابع الاتهام صوب أبوظبي ومليشياتها في عدن، باعتبارهم من يملكون كافة المعلومات الأمنية الخاصة بالرحلة ومن ضمنها المكان الذي ستهبط فيه الطائرة داخل مدرج المطار، حيث تم تسريب هذه المعلومات الحساسة للحوثيين وعلى إثرها تم استهداف الموقع بصاروخ باليستي.
مدخل: خلفية تاريخية
الحديث عن تورط الإمارات في جرائم اغتيال في اليمن سواءاً أكان بشكل منفرد أو عبر التنسيق مع أذرعها الإنقلابية في الشمال والجنوب، ليس جديداً بل قديم ويمتد سنوات للوراء، منذ ان أعلنت أبوظبي المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس من العام 2015م.
وبالعودة للإرشيف اليمني الخاص بالحرب تبرز حادثة قصف معسكر العبر في محافظة حضرموت في يوليو 2015م، أي بعد أقل من 4 أشهر فقط على مشاركة أبوظبي في الحرب، كشاهد جلي على مدى استعداد الإمارات في التوغل في الدم اليمني إلى أبعد حد، بحسب ما يقوله مراقبون.
وبعد هذه الحادثة التي مرت دون محاسبة تكررت العشرات من الحوادث الإرهابية وجرائم الاغتيال السياسي لكل من يشكل خطراً على مخطط الهيمنة الإماراتية على اليمن.
ويعد إبقاء سيطرة الحوثيين على مناطق الشمال اليمني من صميم الرؤية الاستراتيجية للإمارات لإبقاء هيمنتها على اليمن، حيث يؤمن لها ذلك إبقاء نار الحرب مشتعلة بين اليمنيين المناوئين لحكم الحوثيين العنصري وبين أتباع هذه المليشيا، وبالتالي فإن الحديث عن تنسيق مشترك بين أبوظبي وسلطات صنعاء هو نتيجة طبيعية لوجود هدف مشترك يجمع الطرفين: إضعاف السلطة الشرعية لليمن.
وبحسب خبراء عسكريين فقد تعددت وسائل الإمارات بتعدد خصومها فاستخدمت الغارات الجوية كما حدث ضد العميد أحمد يحيى الأبارة في هجوم العبر أو ضد رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء محمد طماح، واستخدمت القصف الصاروخي كما حدث مع القيادي الموالي لها وقائد قوات الدعم والإسناد منير اليافعي أبو اليمامة، أو عبر استئجار شركات اغتيال يديرها مرتزقة دوليون كما حدث مع عضو مجلس النواب إنصاف مايو، أو عبر القتل المباشر بمسدس شخصي كاتم للصوت كما حدث مع العشرات من أئمة المساجد وعلماء الدين وقيادات الأحزاب السياسية والناشطين في عدن، منذ 2015م وحتى اليوم.
انفجار عدن: التحضير للهجوم
تشير الدلائل الموثقة بالصوت والصورة عن حدث جلل وكبير كان يتم التحضير له في مطار عدن قبيل أيام من وصول الحكومة اليمنية إلى العاصمة المؤقتة. من بين تلك الإشارات عشرات المنشورات التي رصدها “عدن نيوز” لقيادات وموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي الذراع المليشياوي للإمارات جنوب اليمن، تتحدث عن ما وصفته بمجزرة مرتقبة للإخوان القادمين من الرياض، كما جاء في تغريدة للوكيل في وزارة الإعلام فهد الشرفي، وهو مقرب من الإمارات.
وقد دقت الوفاة الغامضة للعقيد محمد عبدالولي مقبل، وهو ضابط رفيع في جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات) التابع للشرعية خلال انفجار عدن، ناقوس الخطر مبكراً، وأثارت الشكوك حول مخطط “إعدامات ميدانية” نفذتها أجهزة أبوظبي على الأرض مستغلة الفوضى التي أحدثتها الإنفجارات الثلاثة، وفق ما يشير له مراقبون.
بالإضافة إلى ذلك رصد خبراء أمنيون نحو 9 أخطاء أمنية كارثية حدثت قبل وأثناء وبعد الهجوم، وهو عدد كبير من الاخطاء التي لا يمكن أن تحدث إلا إن كان الأمر مدبراً ومبيتاً له، وفق ما يقوله الخبراء.
وينشر عدن نيوز تلك النقاط كما يلي:
1- نشر خبر رحلة طائرة من الرياض الى عدن تحمل حكومة بكامل قوامها منذ وقت مبكر وفي بلاد تشهد صراعات مسلحة أمر غريب ويجعل الطائرة عرضة للاستهداف.
2- تم أول الأمر نشر جنود من قوات الإنتقالي والقوات السودانية في المطار وفجأة قبل الانفجارات اختفت قوات الانتقالي وبقي فقط الجنود السودانيون.
3- بعد توقف الطائرة في المدرج غادرها اللواء شلال علي شايع وغادر المطار عل عجل، وبمجرد خروجه حدثت الغارات. وهذا أمر غريب ويبين أن هناك شيء تم تدبيره بحيث لا يكون شلال فيه معرضاً للخطر.
4- تقول مصادر خاصة لعدن نيوز إن اللواء شلال كان من المفترض أن يغادر المطار عبر صالة الاستقبال ولكنه فجأة غير رأيه وغادر المطار على سيارة عبر الباب الجنوبي للمطار وحينما اعترضه الجنود السعوديين طالبين منه مغادرة المطار عبر صالة الاستقبال رفض رفضاً قاطعاً وحدثت مشادة بينه وبين الجنود السعوديين.
5- في البداية حدث انفجار داخلي قوي في صالة الاستقبال ثم تبعه سقوط صواريخ كاتيوشا وهاون بعضها لم تنفجر واحداها دخل في مدرج المطار ولم ينفجر وصورته نشرتها وسائل الإعلام.. هذا يؤكد أن الغرض من الهجوم لم يكن قتل أعضاء الحكومة بقدر بث الرعب في قلوبهم وإيصال رسالة واضحة مفادها أن الجحيم ينتظركم في عدن.
6- قبيل انفجار أول صاروخ وبعد الانفجار الأول في المطار سمعت أصوات إطلاق أعيرة نارية، وهو أمر غريب لم يجد له أحد جواباً وقت الهجوم، لكن مصادر خاصة لعدن نيوز أكدت مقتل عدد من الشخصيات التي كانت متواجدة في المطار رمياً بالرصاص، وليس بسبب الشظايا التي أطلقتها الصواريخ.
7- تم إخراج الحكومة من الطائرة بصورة سريعة إلى المعاشيق وبعد دقائق صرحت وسائل الإعلام الإماراتية أن الدفاعات الجوية أسقطت طائرة مسيرة مفخخة حوثية كانت تستهدف الحكومة في المعاشيق، لكن سكان مدينة كريتر لم يسمعوا انطلاق صواريخ الدفاع الجوي.. وإذا كانت انطلقت بالفعل واصابت تلك الطائرة فأين حطامها ؟.
8- رصد عاملون في مطار عدن انتشار مكثف لقوات أمن تابعة لمليشيات الإنتقالي في جميع المرافق والمكاتب التابعة للمطار، وقامت تلك المجاميع بالدخول على الأقراص التي تخزن ما سجلته كاميرات المطار وحذفت سجل التسجيلات بشكل كامل وأدرجت أقراص تخزين جديدة مكان الأقراص السابقة والتي تم إتلافها فيما بعد، وفق إفادات متفرقة وصلت إلى عدن نيوز.
9- منذ حدوث الكارثة لم يخرج أي تقرير أمني يرصد ما جرى ويوضح بالصور والفيديوهات طبيعة المواقع المستهدفة، كما لم يوثق نوع المقذوفات المستخدمة وأماكن سقوطها، بالتوازي مع نشر ناشطين صوراً لقذائف أصابت الجهة الخلفية من صالة المطار، وهو ما يدلل بحسب مراقبين على أن الأجهزة الأمنية بعدن تحاول تمييع القضية وإخفاء أية دلائل قد تساعد في معرفة هوية مرتكبي الهجوم.
أدلة وصور متفرقة تؤكد التعاون الإماراتي الحوثي في انفجار عدن:
في هذا الجزء سننشر مجموعة من الصور والتسجيلات ومقاطع الفيديو التي تثبت تورط الإمارات بشكل قطعي في تفجيرات مطار عدن. هذا لا ينفي التهمة على الحوثيين، بل يصحح عريضة الاتهام، ويسمي الأشياء بمسمياتها، فالحوثي قد يكون أداة التنفيذ، لكن الداعم والمنسق والممول وصاحب السيطرة على الأرض ومن أعطى أمر الهجوم وحدد توقيته ومكانه هو الإمارات.