منذ فجر التاريخ، لم يحدث أن شهدت جزيرة سقطرى صراعاً واحتراباً أهلياً دموياً حتى وطأت أقدام القوات الإماراتية تراب الأرخبيل أواخر العام 2016م، تحت ذريعة المشاركة في التحالف العربي الداعم للشرعية.
وضمن هجمة بربرية غاشمة وغادرة، حاولت قطعان من مرتزقة الإمارات في الجزيرة ، والمنضوية ضمن قوات المجلس الإنتقالي الإنفصالي المسيّر إماراتياً، السيطرة على عاصمة الأرخبيل (حديبو).
وشنّ المرتزقة الإنفصاليون فجر الجمعة هجوماً كبيراً على حديبو مستخدمين عتاداً عسكرياً ثقيلاً نهبوه من اللواء الأول مشاة بحري، ولتأمين نصر عسكري حاسم دكّ الإنفصاليون العاصمة بقذائف المدفعية، وهو حدث يجري للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة التي ظلت في منأى عن الاحتراب المحلي بسبب انعزالها الجغرافي، إذ تقع على بعد 350 كم عن السواحل اليمنية الجنوبية.
وبرغم العتاد الغير مسبوق المستخدم في الهجوم وقلة الإمكانات لدى القوات الموالية للشرعية، لكن محاولات مليشيات الانتقالي لتحقيق أي توغل في المدينة باءت بالفشل الذريع.
وقالت مصادر محلية بالجزيرة لعدن نيوز إن القوات الشرعية المتمركزة بحديبو كسرت الهجوم الكبير الذي دام ست ساعات متواصلة، لتتدخل بعدها وساطة سعودية وتفض الاشتباك.
* مليشيات تتحرك وفق إملاءات أبوظبي
كان للمعركة التي اندلعت في سقطرى أصداء واسعة في الأوساط المحلية اليمنية، حيث ندد قطاع واسع من اليمنيين بالإمارات وتسببها بتقويض الأمن والسلم الأهلي، لصالح أطماع توسعية وأحلام في تحقيق هيمنة إقليمية.
ويرى محللون يمنيون إن الإنتقالي قد أساء بشكل بالغ للقضية الجنوبية وأحدث فيها تشويها كبيراً، مستغلاً يافطة “فك الارتباط والمظلومية” لتأمين موطئ قدم للإمارات في أهم جزيرة يمنية.
وفي هذا الصدد يقول سفير اليمن بمنظمة اليونسكو، الدكتور محمد جميح إن العصر الذهبي للقضية الجنوبية كان بين عامي 2007 و 2009م حين كانت قضية شعبية بلا أموال. يخرج ممثلوها للاحتجاج بفوطة وشميز .حتى جاء 2009، فأصبحت القضية قضية حزبية مُموَّلة، وتحول فريق من ممثليها من أصحاب قضية إلى أصحاب حسابات بنكية وسياسية، فقُتلت القضية وتفرق دمها بين الفصائل.
من جهته يرى الكاتب والصحفي وسام إن تحركات الإنتقالي العسكرية في سقطرى مؤخراً كشفت زيف ادعاءاتهم بأنهم يتحركون وفقاً لما تقتضيه القضية الجنوبية.
وفي هذا الصدد قال: لو كانت القضية هي المحرك الأول لإجراءات الانتقالي الأخيرة، كما يدعي الرفيق الجعدي وأخرون، لما كان تم عسكرة سقطرى وتدشين الحرب منها، وهي التي لم تعرف أي صراع مسلح منذ ستينات القرن الماضي. ولكنها الرغبة الاماراتية، ولا شيء سواها.
وأضاف: حتى أن ما حدث في عدن طوال الفترات الماضية، ليس أكثر من مجرد رجع صدى وغطاء للمخطط الاماراتي الراغب في السيطرة على الجزيرة التي ظلت في مرمى أطماع أولاد زايد من أول يوم لتدخلهم في اليمن.
واختتم بالقول: ليست سقطرى من سقطت، ولكن ادعاءات من يمثلون القضية، وهذه مقدمة ضرورية لسقوطهم النهائي وحتى يتسنى اعادة ترتيب المشهد كما يليق بنضالات الجنوب وقضيته العادلة، وكما يليق بتاريخ اليمنيين على مر العصور وبكونهم قاهرين للغزاة.
* فرض أمر واقع
وتحاول الإمارات استثمار الواقع الجديد في عدن إثر إعلان الإنتقالي الانقلاب على اتفاق الرياض والحكم الذاتي لجنوب اليمن، لتحقيق مكاسب على الأرض في محافظة سقطرى، وهي التي لا تزال تتأرجح بين محاولات بسط الإمارات سيطرتها عليها بالقوة، واستماتة السلطة الشرعية، ممثلة بالمحافظ رمزي محروس في الدفاع عن الجزيرة.
وتسارعت التحركات العسكرية للإنتقالي في سقطرى خلال الأيام الماضية على ضوء تمرد بعض الكتائب والمعسكرات في سقطرى عن الشرعية وانضمامها إلى مليشيات الإنتقالي بعد تلقي قيادتها عمولات مالية ضخمة، ومن أبرز هذه القيادات اللواء ناصر قيس أركان اللواء أول مشاة بحري، والذي رفض قرار الرئيس هادي إقالته وتعيين قائد جديد للواء.
وسبق أن أعلنت ثلاث كتائب عسكرية بكامل عتادها التمرد على الشرعية ،قبل أيام، والانضمام للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.
ويرى الناشط الصحفي محمد نجيب إن الإمارات تشعر أن الفرصة باتت مواتية لتنفيذ عملية عسكرية سريعة وخاطفة لإسقاط الحكومة الشرعية التي لا تزال مسيطرة على عاصمة الأرخبيل (حديبو)، وفرض سيطرتها المطلقة على الجزيرة وإلحاقها ببقية المحافظات التي سقطت فيها الشرعية في انقلاب أغسطس الماضي وأبرزها العاصمة المؤقتة عدن.
* أطماع إقليمية كبرى لأبوظبي
لم تتخلّ الإمارات عن حلمها في السيطرة على جزيرة سقطرى وتؤكد الأحداث الأخيرة إنها لن تتخلى عنها أبداً وستجازف بكل شيء، حتى العلاقة مع السعودية، لتأمين سيطرة كاملة على الجزيرة.
ويبدو أن الموقع الاستراتيجي للجزيرة في قلب المحيط الهندي وإشرافها على ممرات الملاحة الدولية الرابطة بين الشرق والغرب يشكل المحرك الرئيس للإمارات في الطمع بالتحكم بالجزيرة.
وتشير تقارير دولية إلى هواجس إماراتية ومخاوف من فقدانها للقيمة التجارية الكبيرة الذي يمثلها ميناء أبو علي الإماراتي بسبب المشروع الصيني العملاق (خط الحرير) والذي سيربط الصين تجارياً مع الشرق الأوسط وأوروبا، ويمر بالقرب من سقطرى، كما أن اليمن ستشرف على خطوط مسارين في خط الحرير، الأمر الذي سيكسب معه الطرف المسيطر على سقطرى وعدن بشكل خاص قوة تجارية وهيمنة إقليمية عظيمة.
وقد عرف اليمنيون مدى طمع الإمارات في أرضهم طوال السنوات الماضية، وهي التي قامت بإبقاء ميناء عدن في حالة الموت السريري طوال فترة نظام علي عبدالله صالح، مقابل عمولات ضخمة حصل عليها من أبوظبي.