عاد التوتر من جديد إلى مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للشرعية اليمنية، وباقي مناطق جنوب اليمن عموماً، غداة بدء تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات؛ فقد تحولت مدينة عدن، مساء اليوم الجمعة، إلى ما يشبه ثكنة عسكرية لقوات ما بات يُسمى المجلس الانتقالي.
وذكر شهود عيان وسكان محليون ومصادر أمنية وعسكرية في عدن، لـ”العربي الجديد”، أن عدن تشهد انتشاراً أمنياً وعسكرياً غير مسبوق مساء الجمعة. فقد شوهدت في مدينة خور مكسر، الواقعة في قلب العاصمة عدن، نقاط عسكرية وكتائب راجلة تنتشر في أغلب شوارع وأزقة وأحياء المدينة، بما في ذلك الخط الساحلي، وصولاً إلى مطار عدن، وهي مدججة بالأسلحة والآليات العسكرية والمدرعات الإماراتية.
مصادر قالت أيضاً إن قوات عسكرية تابعة للإمارات اقتحمت مطار عدن ورفضت تسليم المطار إلى قوات جديدة تم تدريبها في السعودية بإشراف سعودي ضمن بنود اتفاق الرياض، في رفض واضح للخطوات السعودية في تنفيذ اتفاق الرياض، يتزامن هذا مع انتشار عسكري في مدن عدن الأخرى، لا سيما في المنصورة والشيخ عثمان ودار سعد والبريقة والمعلا، والتواهي، مقر قيادة الانتقالي.
هذه التحركات تأتي بعد منع قياديين في الانتقالي كانوا في الإمارات من العودة إلى عدن بعد أن وصلوا إلى الأردن، وبينهم رئيس لجنة الانتقالي في الحوار ناصر الخبجي، وأعضاء اللجنة، فضلاً عن مدير أمن عدن المقال، شلال علي شايع، وهو ما ولّد ردة فعل لدى أنصار الانتقالي ونشطائه على هذه الخطوة، التي اتخذتها قيادة التحالف في عدن ضمن ما اعتبرته إجراءات تنفيذ اتفاق الرياض، لكن وكلاء الإمارات رفضوا تلك الإجراءات وشنوا هجوماً كبيراً على السعودية ودفعوا إلى التصعيد ضد السعودية في عدن وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
وتشير مصادر وشهود عيان تحدثوا لـ”العربي الجديد” إلى أن التصعيد ليس فقط أمنياً وعسكرياً، بل هناك استهداف للمواطنين الذين ينحدرون من محافظات الشمال، ومنع للناس من الوصول إلى عدن، واحتجاز مئات السيارات والباصات في النقاط الواقعة تحت سيطرتهم والممتدة من عاصمة محافظة أبين مدينة زنجبار، مروراً بعدن ولحج وصولاً إلى الضالع وحدود تعز، بالتزامن مع الدفع بتعزيزات لهم إلى مدينة زنجبار في أبين، ونصب المتاريس وحفر الخنادق في محيط ومداخل عدن.
وقال مصدر في المنطقة العسكرية الرابعة، ومقرها عدن، لـ”العربي الجديد”، إن هناك محاولات لإفشال تنفيذ اتفاق الرياض في شقيه العسكري والأمني، وتحد واضح للتحالف، وخاصة السعودية، المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق. وأشار إلى أن بعض الأطراف المتوغلة داخل الانتقالي يتم استخدامها لمواجهة السعودية تحديداً، والغريب أن الأسلحة والمعدات الثقيلة الإماراتية هي التي يستخدمها الانتقالي ومليشياته لإفشال اتفاق الرياض، وتم رفض تسليمها لقيادة التحالف في عدن، وفق ما وقع عليه الجميع بتسليم السلاح الثقيل إلى معسكر تابع للتحالف.
المصدر ذاته، وهو قيادي عسكري بارز، أكد أن “عدن تحت سيطرة عصابات، وإذا ما أراد الجميع تنفيذ اتفاق الرياض يجب تحرير عدن من هذه العصابات العسكرية، لأنها ستكون عائقاً كبيراً، ومن الضروري تحديد الانتقالي وخلفه الإمارات من هي القوات والتشكيلات التابعة لهما، ثم يتم التعامل بتعاون الحكومة والتحالف على ملاحقة المليشيات الخارجة عن القانون وقادتها ومموليها”.
وحسب مصادر متعددة في عدن، فإن القوة التي انتشرت داخل مطار عدن ومحيطه أكدت أنها لن تبرح المكان إلا بأمر اللواء شلال علي شايع، المتواجد في الأردن، كما أنها لن تغادر المكان إلا بعد وصوله إليها. وفي ظل هذه الأجواء، لم يستبعد البعض وجود مسرحية جديدة، لتلميع المدعومين من الإمارات وتمرير بعض بنود اتفاق الرياض، بحجة تخفيف التصعيد في عدن.
وبرزت تساؤلات عن الدور الإماراتي فيما يحدث من توتر في عدن وباقي مناطق الجنوب، فقد أكد مسؤول في الحكومة اليمنية، تواصلت معه “العربي الحديد”، أن الوفد الذي مُنع في الأردن من العودة إلى عدن كان في الإمارات، ومعروف أن قيادات الانتقالي دائماً ما يتم نقلها من الإمارات إلى عدن مباشرة، متسائلاً: “فلماذا هذه المرة لم تنقلهم الطائرات التي خصصتها الإمارات لهم؟ كما أنها لم تبلغهم قرار منعهم من العودة إلى عدن، وهو ما يضع الإمارات في قفص الاتهام”. وبحسب المصدر نفسه، فإن التوتر هذا “مخطط له مسبقاً، وما موضوع تحريك الوفد إلى الأردن ثم إبلاغه بقرار المنع هناك، إلا حجة لمواجهة بنود اتفاق الرياض الذي بات يشكل ضغطاً على وكلاء الإمارات”.
وأشار المسؤول إلى أن “تنفيذ اتفاق الرياض لا يخدم وكلاء الإمارات، بل يعيدهم إلى صوابهم، وينهي التمرد في العاصمة المؤقتة عدن، وهي خطوات كلها تخدم في المقام الأول المواطن الذي عانى من هذه الانقلابات التي توالت في عدن”. واعتبر أن أي محاولة لرفض اتفاق الرياض ومواجهته عسكرياً هي في نفس الوقت مواجهة للسعودية، المسؤول الأول فيما يخص تطبيق اتفاق الرياض.
من جهته قال مصدر مقرب من الانتقالي، لـ”العربي الجديد”، إن الأخير “يضع نفسه في زاوية ضيقة إذا ما قرر مواجهة السعودية ورفض تنفيذ اتفاق الرياض، لأن السعودية هي من بيدها الملف اليمني وهي من تقرر مصير الحرب والسلام في اليمن وفق ما أعطاها مجلس الأمن، لذلك فإن تحقيق رغبات بعض المتشددين في الانتقالي في التوجه نحو هذه المنحنى المعادي للسعودية يضر بالانتقالي ككيان ويعطي فرصة للتخلص من وكلاء الإمارات من خلال استغلال انقلاب الموقف السعودي تجاه الانتقالي”.
المصدر أكد أن “هناك من يدفع إلى تصعيد الأوضاع أكثر لتحقيق مكاسب شخصية، وربما رغبات خارجية، خاصة أن ظاهرة تجار الحروب التي ترعرت في الشمال انتقلت فكرتها إلى الجنوب وسمح الانتقالي في إيجاد مساحة لها لأنه كان يستفيد منها عندما كانت الإمارات بكل ثقلها تدعم وتدرب وتمول، أما وقد خرجت، فإن التوتر الجاري نتيجة طبيعية لتخبط الانتقالي، خاصة أن الأوضاع أخذت أبعاداً أكثر خطورة”.