حذرت صحيفة ميدل إيست مونيتور البريطانية من أن التدخلات الخارجية والتجاذبات الداخلية في تونس قد تؤدي إلى القضاء على “ثورة الياسمين”، أيقونة الربيع العربي التي أنعشت روح الكثير من البلدان المجاورة بعد “موتها سريريا” لعدة سنوات.
وذكّرت الكاتبة أميرة أبو الفتوح في مقال لها بالصحيفة بأن “الشعوب في مصر وليبيا واليمن وسوريا، انتفضت ضد الحكام المستبدين والطغاة وأطاحت بهم جميعا، باستثناء بشار الأسد في سوريا، الذي يواصل القتال وقد أنقذه القيصر الروسي”.
وأضافت: أن “هذه الثورات أعقبها أخرى مضادة بقيادة الإمارات وبرعاية صهيونية، إذ كانوا يخشون أن تزعزع رياح الثورة عروشهم فاسحة المجال أمام شعوبهم للتنعم بريح الحرية العطر”.
مؤامرات مستمرة
مع ذلك، لم تتمتع دول الربيع العربي بالاستقرار، ولم تُترك لتتنعم بثمار ثوراتها؛ ولكن حُرمت هذه الدول من الأهداف النبيلة المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لأنها غرقت في بحر من الدماء، بحسب الصحيفة.
وتتابع: “كان يُعتقد أن تونس قد نجت من المؤامرات الخبيثة المعادية للثورة، على الرغم من جهود القائمين الدؤوبة عليها لزرع بذور الفوضى في البلاد، واغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وعرقلة العملية السياسية حتى لا تكون نموذجا للدول العربية”.
وأوضحت الصحيفة أن “الإمارات أنفقت مليارات الدولارات بغية إعادة إنتاج النظام المخلوع عبر رموز تابعة للديكتاتور السابق، وحالت دون وصول الشخصيات الثورية التابعة للمعارضة للحكم، كما حدث مع المنصف المرزوقي الذي كان أول رئيس يتم انتخابه ديمقراطيا في العالم العربي”.
واخترقت القوى المعادية للثورة الساحة التونسية ولوثت البيئة السياسية بأموال فاسدة ودعم لوجستي لبعض الأحزاب التي تمكنت من شراء ولائها، كما تمكنت من شراء مؤسسات وشخصيات إعلامية ذائعة الصيت للإطاحة بالمرزوقي، وفق الصحيفة.
واتهم المرزوقي الإمارات مؤخرا بزعزعة استقرار دول الربيع العربي، قائلا: إن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مسؤول عن تدمير المسار الثوري وأنه حاول تدميره في تونس ويحاول القيام بذلك في ليبيا، مضيفا أن هذا الأمر جد معلوم في المنطقة.
وتابع المقال: “كان لهذه القوى ما ابتغت، فأطاحت بالمرزوقي وأيدت الرئيس الجديد، الباجي قايد السبسي، ظنا منهم أنه سيعيد تنصيب النظام الفاشي للمخلوع زين العابدين بن علي ويقمع الحريات، مجهزا بذلك على كل أثر للثورة”.
وعلى الرغم من بعض التحفظات على رئاسته وبعض القرارات والقوانين التي أصدرها، مثل قانون الميراث، تقول الكاتبة: “لا بد لي من الاعتراف بأنه لم يسع لإرضاء الإمارات ولم يفعل ما طُلب منه فيما يتعلق باستئصال حركة النهضة، كما أنه لم يَجُرَّ البلاد إلى الفوضى التي أرادتها الإمارات وحلفاؤها”.
على العكس من ذلك، فقد ساهم في استقرار تونس طوال فترة ولايته، كما حافظ على المسار الديمقراطي فيها وسلم السلطة إلى الرئيس المنتخب قيس سعيد، الذي لم يكن يرضي الإمارات أيضا، حيث دعمت حكومة أبوظبي وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي، الذي واجه تهم فساد مالي.
كما لم تنجح الثورة المضادة في العمل على انقلاب عسكري بكسب الجيش إلى صفها إذ ظلت المؤسسة العسكرية محايدة.
ولذلك وظفت الإمارات العربية المتحدة الإضراب بإيقاف الإنتاج بالمؤسسات لإحداث فوضى في تونس وإجبار الجيش على التحرك لاستعادة السيطرة، كما سعت إلى تعطيل المؤسسات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية، لكن محاولة وأد الثورة التونسية أفضت إلى خيبة أمل مرة أخرى، تقول الصحيفة.
أزمة داخلية
والأزمة الحالية في تونس شهدت تصويتا بحجب الثقة عن حكومة إلياس الفخفاخ لتورطها في قضايا فساد كبرى منذ أن كان الرجل وزيرا للمالية، وهو الذي شكل حكومته على أساس حملة لمكافحة الفساد، ليتبع ذلك “قرار غير مسؤول، ينم عن انعدام نضج، قضى بإقالة وزراء النهضة من حكومة تصريف الأعمال انتقاما من الحركة التي كشفت عن فساده”.
وقدم الفخفاخ استقالته في 15 يوليو/ تموز 2020، بعد أشهر من خلافات حادة خرجت للرأي العام بين هرم السلطة، الرئيس قيس سعيد ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، على ضوء اتهامات وجهت للرجل المستقيل حول شبهة تتعلق بتضارب المصالح.
تفسّر كاتبة المقال جذور هذه الأزمة المتمثلة أساسا في نتائج الانتخابات التشريعية التي كانت متنافرة للغاية، فعلى الرغم من كل التوقعات بتشكيل حكومة ائتلافية، على أساس الشراكة الثورية بين النهضة وحركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي، فإن الصراعات الحزبية والمصالح الضيقة للأحزاب كلفت حكومة حبيب الجملي مصادقة البرلمان.
وبعد إصرار أحزاب الكتلة الديمقراطية على منع النهضة من اختيار مرشحها على النحو المنصوص عليه في الدستور، وإثر تفاقم الأزمة، وافقت هذه الأحزاب، على مضض، على تشكيل حكومة هشة بقيادة الفخفاخ، الذي اختاره سعيد، على الرغم من افتقاره إلى الشعبية العامة.
تعقد الصراع السياسي وتفاقمت الأزمة بسبب الدعوات إلى حل البرلمان، إلى جانب حملة شيطنة ضد النهضة استهدفت زعيمها، راشد الغنوشي، متحدية مسؤوليته المالية، كما استخدمت الحملة “شبح الإسلام السياسي” لترهيب الناس.
يشير المقال إلى حقيقة أن بعض الأحزاب السياسية المحلية قد آزرت هذه الحملة، موضحا أنها نفس الأحزاب التي خسرت الانتخابات وتأثرت بعملية الإصلاح السياسي، وأن المستفيدين من الحملة هم جزء من النظام القديم.
وقاد الحزب الدستوري الحر وزعيمته “المحتالة” عبير موسي، إلى جانب “اليسار المتطرف” الرافض للديمقراطية والقوى الأخرى التي تقف ضد نجاح التجربة التونسية، عمليات تعطيل المسار الديمقراطي، وفق تعبير الكاتبة.
وتابعت: “عملت موسي منذ اليوم الأول لانعقاد جلسات البرلمان، على تعطيل المسار السياسي وإظهار أن الديمقراطية لن تنجح في العالم العربي لأنها ستوصل الإسلاميين إلى السلطة”.
وأكدت أن “موسي مدعومة من الإمارات على غرار حملة -تمرد- في مصر. وقد شكلت موسي غرفة عمليات لشخصيات تونسية معروفة بقربها من أبوظبي من أجل ضرب التحول الديمقراطي في تونس، وتسليم السلطة لشخصية عسكرية، كما حدث في القاهرة للقضاء على الثورة بالكامل وقمع الإسلاميين”.
وذكّرت أميرة أبو الفتوح بأن الرئيس التونسي حذر من محاولات زعزعة الاستقرار وتدمير البلاد من الداخل من قبل أطراف، لم يسمها، تتآمر مع الأجانب على الأمن القومي التونسي، كما حذر من مساعي إقحام الجيش في المعارك السياسية.
أما الآن وقد تم طرد الحكومة، وكضرب من ضروب الخداع السياسي، تقدمت بعض الكتل البرلمانية بعريضة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، وهو ما يعني استمرار التجاذبات بين القوى السياسية.
تضيف الكاتبة أن ذلك يعمق من الأزمة في الهيكل السياسي ككل ويتنبأ بالعواقب الوخيمة لما تخطط له القوى المعادية للتجربة التونسية الوليدة والفريدة في المنطقة.
وقالت: إنه “من المحزن والمؤسف أن بعض الأحزاب المنتسبة للثورة تساعد هذه القوى على القيام بذلك، فقط بسبب الخلافات الأيديولوجية مع حركة النهضة، الحزب الأكبر في البلاد، كما كان الحال أيضا في مصر إبان معارضة الإخوان المسلمين”.
تنهي أبو الفتوح مقالها بالقول: إن المصريين خسروا ثورتهم بسبب كراهية الإخوان الذين فازوا في الانتخابات، معبرة عن خشيتها من أن تضيع ثورة الياسمين مثلما فُقِدَتْ ثورة يناير في مصر ومؤكدة أن التجربة الديمقراطية في تونس، رغم هشاشتها، هي نور في ظلمة السياسة في العالم العربي، “وأتمنى ألا تنطفئ”.