كشفت وثائق تضمنها تحقيق استقصائي لوكالة رويترز العالمية للأنباء أن المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية ريتشارد كلارك، ساعد الإمارات في بناء قدراتها التجسسية.
وتظهر الوثائق أن كلارك من أبرز الشخصيات التي تدافع عن مصالح الإمارات في واشنطن وقد أشرف على برنامج تجسس استخباري لأبو ظبي مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وتحقق السلطات الأميركية في برنامج التجسس الإماراتي الذي أشرف عليه كلارك وركز على اختراق البريد الإلكتروني في مواقع مهمل مثل غوغل وياهو وهوت ميل، وذلك لخدمة أهداف سياسية لسلطات أبو ظبي وتتبع معارضيها.
وتتيح طبيعة واشنطن تواجد جماعات ضغط (لوبيات) من نوع مختلف وبصورة غير رسمية تعمل لصالح دولة أجنبية، بعيدا عن جماعات الضغط الرسمية. ولا تشترط القوانين الأميركية على جماعات الضغط غير الرسمية التسجيل لدى وزارة العدل وتقديم تقارير لها، بما فيها من إقرارات دورية شفافة بتفاصيل كل الأنشطة التي قامت بها تلك اللوبيات.
وتتعدد الطرق غير المباشرة التي استعانت بها الإمارات -ولا تزال- بهذا النوع من مؤسسات الضغط، ومن أهمها الاستعانة بشخصيات نافذة تعرف دواليب واشنطن جيدا.
ولا توجد قيود قانونية على عمل موظفين حكوميين سابقين في شركات أميركية أو أجنبية، طالما لم يكشف هؤلاء ما يعرفونه من أسرار تتعلق بالأمن القومي الأميركي.
وقد استغلت الإمارات بنجاح هذه الثغرة في الاستعانة بشخصيات نافذة في العاصمة الأميركية، وعلى رأس هذه الشخصيات ريتشارد كلارك الذي كان يشغل منصب المنسق السابق للأمن القومي ومكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، وساعد الإمارات في بناء الوحدة السرية التي انطلق عملها عام 2008 تحت اسم “قسم التطوير والاستغلال والأبحاث”.
وتعود علاقة كلارك بحاكم إمارة أبو ظبي وولي عهدها محمد بن زايد إلى تسعينيات القرن الماضي، وتشير صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى قيام ريتشارد كلارك -مساعد وزير الخارجية آنذاك- بطمأنة أعضاء الكونغرس الأميركي عقب رغبة الإمارات في شراء عتاد عسكري أميركي ضخم.
ومما قال كلارك عن محمد بن زايد إن “أمير أبو ظبي الصغير لن يتحول أبدا إلى رجل عدواني”، وأضاف في شهادة له أمام الكونغرس “ليست الإمارات العربية المتحدة الآن، ولن تكون أبدا، مصدر تهديد للاستقرار والسلام في المنطقة، من الصعب جدا تصور حدوث ذلك، بل إن الإمارات قوة من أجل السلام”.
وعمل كلارك بعد ذلك مستشارا للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن لشؤون مكافحة الإرهاب الدولي، وهو يرأس حاليا معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ويترأس شركة استشارية تسمى “هاربر غروب” والعميل الرئيس لهذه الشركة هو الحكومة الإماراتية.
وعقب اندلاع أزمة حصار قطر في أوائل يونيو/حزيران 2017، كتب كلارك مقالا في صحيفة “نيويورك ديلي نيوز” اليمينية، زعم فيه أن قطر “تتحمل جانبا من المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر وغيرها من الهجمات الإرهابية الكبرى، نظرا لإيوائها واحدا من أخطر الإرهابيين في العالم، وحمايته وحرمان أجهزة الأمن الأميركية من القبض عليه”، في إشارة إلى خالد شيخ محمد الذي يوصف بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وقد خدم كلارك لأكثر من ثلاثين عاما في عدة جهات حكومية أمنية، منها وكالة الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون)، كما شغل إبان حكومة الرئيس رونالد ريغان منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الاستخبارات، ثم مساعد وزير الخارجية لشؤون العلاقات المدنية العسكرية.
وعمل عشر سنوات في مجلس الأمن القومي مساعدا للرئيس جورج بوش الابن لشؤون العلاقات الدولية، ومنسقا لشؤون مكافحة الإرهاب، ثم شغل منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن الإلكتروني.
كما يشغل كلارك عضوية مجالس إدارات عدة شركات تكنولوجية تهتم بقطاع الأمن الإلكتروني، واختير لعضوية مجلس إدارة جامعة خليفة في مدينة أبو ظبي.
وتصف دراسة صدرت عن مركز السياسة الدولية في واشنطن ريتشارد مينتز -الذراع اليمنى لكلارك- أنه المتحدث الرسمي باسم السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.
وتشير وثائق وزارة العدل الأميركية إلى قيام شركة هاربر غروب عام 2018 بـ441 نشاطا لفائدة سلطات أبو ظبي.
وتقتصر قائمة عملاء الشركة على عميلين اثنين فقط، سفارة الإمارات في واشنطن، وجهاز الشؤون التنفيذية بأبو ظبي، وهو الجهة المخولة بتقديم استشارات قانونية واقتصادية وإستراتيجية لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وكان آخر ما كتبه كلارك مقال في 6 مايو/أيار 2019 في صحيفة “نيويورك ديلي نيوز” بعنوان “هل نتجه إلى الحرب ضد إيران؟ بكل تأكيد نعم”، وكان ذلك آخر إسهاماته في تأجيج نبرة الصدام ضد طهران في الأوساط الأميركية بواشنطن.