تقرير.. غياب الدولة في عدن يدخلها في أتون الفوضى

محرر 220 نوفمبر 2019
تقرير.. غياب الدولة في عدن يدخلها في أتون الفوضى

أحداث ساخنة تشهدها العاصمة المؤقتة عدن بعد انقلاب مليشيات الانتقالي الجنوبي على مؤسسات الدولة.

ففي 10 أغسطس الماضي، سيطرت مليشيات الانتقالي على عدن، وتصاعدت الأحداث التي تسببت في مزيد من الانفلات الأمني.

فوضى عارمة وعمليات اغتيالات وتوسع لظاهرة البسط على الأراضي بشكل جنوني وانتشار الجرائم المروعة بسبب غياب الدولة. ومنذ أكثر من أسبوعين زادت وتيرة التصعيد في عدن من قبل مليشيات الانتقالي تزامنا مع اتفاق الرياض الموقع عليه برعاية سعودية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي مطلع نوفمبر الجاري، وتحديات تنفيذ بنوده على أرض الواقع في ظل عراقيل تقف عائقا أمام الحكومة الشرعية وجهود المملكة في إعادة الأمن والاستقرار.

وكان رئيس الحكومة معين عبد الملك وصل، أمس الاثنين، برفقة عدد من وزراء حكومته إلى العاصمة المؤقتة عدن، وقال في أول تصريح له عقب عودته إلى عدن: “‏وصلنا إلى عدن والتحديات أمامنا كبيرة لكن إرادتنا جميعا أقوى للمضي في تطبيق اتفاق الرياض وبما يضمن ويؤسس لمرحلة جديدة من حضور الدولة ومؤسساتها”.

– الوضع في عدن

قالت الصحفية والناشطة الحقوقية غيداء الناخبي إن العاصمة المؤقتة عدن تشهد انفلاتاً أمنياً كبيراً وانتشاراً مخيفاً للجرائم منذ سيطرة الانتقالي عليها. وأضافت أن “الوضع تفاقم خلال هذه الأيام بشكل متزايد وشهدت المدينة أبشع جريمة في تاريخها حيث أقدم ثلاثة أطفال لا تتجاوز أعمارهم سن الـ18 على قتل مواطن بفأس في منزله في مديرية المعلا أحدهم يعد ابن أخت الضحية، وأحدثت الجريمة رعباً مجتمعياً لتستيقظ المدينة في يوم آخر على وقع قتل وحرق مواطن مع سيارته من قبل مجهولين في مديرية خور مكسر”.

وتابعت الحقوقية غيداء الناخبي: “هذا الواقع الذي تعيشه عدن يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل الأوضاع في عدن وخصوصاً بعد توقيع اتفاق الرياض الذي ينص على عودة الدولة ومؤسساتها وإنهاء المظاهر المسلحة والعبث الأمني الذي تشهده المدينة”.

– تصعيد الانتقالي

وعن الوضع في عدن وتصعيد الانتقالي لاسيما بعد الاتفاق الذي أبرم في السعودية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، يقول الصحفي والمحلل السياسي عبد الرقيب الهدياني في تصريحات خاصة:‏ “نلاحظ أنه منذ أكثر من أسبوع زادت وتيرة التصعيد في عدن من قبل الانتقالي.. رفع أعلام شطرية.. اغتيالات.. حرق مواطن.. وعملية اغتيال أخرى.. ونهب أراضي.. مداهمات.. كل ذلك بالتزامن مع بدء تنفيذ اتفاق الرياض وموعد وصول الحكومة”.

وأضاف الهدياني: “يحدث كل ذلك بسبب غياب الدولة ووجود مليشات خارجة عن أطر المؤسسات الأمنية الرسمية”. وأضاف أن “التصعيد في عدن دليل واضح بأنهم لا يقبلون بتطبيق بنود اتفاق الرياض ويعتقدون بأن الاتفاق ينتقص من مطامعهم”. وقال: “إن ما يحدث في عدن منذ أربع سنوات عندما تركت عدن بسبب غياب الدولة تشكلت جماعات نفوذ ومصالح وأمراء حرب في المطار والمنافذ والموانى والذين مارسوا في عدن أنواع البلطجة والاستحواذ والجرائم ولن تتوقف هذه الأعمال إلا بعودة الدولة وبسط سيطرتها”.

والأحد الماضي، صعّدت مليشيات المجلس الانتقالي ضد المواطنين واستحدثت نقطة تفتيش في منطقة “العرم” في مديرية بيحان بشبوة شرقي البلاد، واحتجاز عدد من المسافرين من المواطنين الذين ينتمون للمحافظات الشمالية.

وشهدت مدينة عدن، خلال الساعات الأولى من فجر أمس الاثنين، اشتباكات عنيفة بين قوات موالية لـ”الانفصاليين” في ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، وبين مسلحين من الأهالي، وسط أنباء عن سقوط ضحايا.

– نهب وعبث

تتواصل موجة النهب والسرقة لمنازل وبيوت القيادات والمسؤولين في الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن من قبل عناصر الانتقالي بعد سيطرتهم على عدن، وتفاقمت أشكال الانتهاكات التي طالت مواطنين أبرياء بدوافع مناطقية، والتي تخالف القوانين المحلية والدولية وأخلاق الإنسان اليمني، بينها حملات القمع والترحيل ضد أبناء المحافظات الشمالية رغم صدور توجيهات من الرئيس هادي إلى السلطات المحلية والأجهزةَ الأمنية في عدن ولحج والضالع بوقف أي ممارسات خارجة عن النظام والقانون ضد المواطنين.

وفي 4 أغسطس الماضي، اختطف مسلحون يتبعون الانتقالي مالك مطعم بمدينة إنماء، يدعى رضوان علي، واقتادوه إلى جهة مجهولة ثم أقدموا على قتله، وتم العثور على جثته في وقت لاحق بمنطقة بئر فضل في أطراف المدينة.

وفي 12 أغسطس المنصرم، اقتحم عناصر الانتقالي منزل محافظ البنك المركزي السابق حافظ معياد الواقع في مديرية كريتر وتم العبث به ونهبه بشكل كامل، ولم يكن منزل محافظ البنك المركزي هو الأخير، فقد سبق أن نهبت عناصر الانتقالي عدة منازل أبرزها منزل وزير الداخلية الميسري ووزير النفط أوسان العود ومنزل وزير النقل الجبواني، بالإضافة إلى منازل قادة عسكريين.

وفي 21 أغسطس الماضي، بينما ذهبت قيادة الانتقالي إلى السعودية للتفاوض كان عناصرها ينهبون قصر الرئاسة في عدن، بعد أن قامت قوات الحزام الأمني بنهب أسلحة ألوية الحماية الرئاسية والمرافق التابعة للقصر الرئاسي.

مصادر خاصة أكدت بأن كل حملات المداهمة تقف خلفها ما تسمى قوات الحزام الأمني ونفذتها كل من: قوات الطوارئ بقيادة صامد المنصوب سناح، ومكافحة الإرهاب بقيادة يسران مقطري، والمقاومة الجنوبية بقيادة عبد الناصر البعوة الملقب “أبو همام اليافعي”.

وفي تصريح سابق، شبه الميسري وزير الداخلية نهب مسلحي الانتقالي الجنوبي منازل القيادات المخالفة لهم في عدن بما فعله الحوثيون في صنعاء.

وفي 13 نوفمبر الماضي، استولى نافذون في الحزام الأمني على مبنى المتحف الحربي في مدينة عدن
وسط فوضى أمنية تعيشها المدينة الخاضعة لسيطرة قوات الانتقالي.

ونشر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي صورا تظهر تحول واجهة المتحف الحربي في عدن إلى فتحات محلات تجارية بعد أن سيطروا على مساحات عامة، وامتد البسط ليشمل المتنفسات والمعالم الأثرية والتاريخية مثل صهاريج عدن وساعة بج بن الصغيرة في كريتر.

وقال الصحفي صالح منصر بن علي في تصريح خاص إن خطر الانتقالي لا يقل عن خطر الانقلابيين الحوثيين، جميعهم أدوات للخارج، ومهمتهم هي تدمير اليمن، ولا يملكون حتى قرار أنفسهم، ينفذون مهمات موكلة إليهم من صانعيهم، أما فيما يخص الانتقالي والنهب والسلب والانتهاكات التي يمارسها في عدن إنما يدل على ضعف هذا المكون ومليشياته ويقينهم بأنهم زائلون ولن يقبل بهم الشعب اليمني جنوباً وشمالاً كما يرفض مليشيات الحوثي.

وأضاف أن طريقة النهب التي يمارسونها وكأنهم على عجلة من أمرهم راحلون، ولو أنهم رجال دولة ويسعون إلى بناء وطن كما يدعون لحافظوا على مؤسسات الدولة ما قاموا بنهبها وتدميرها.

– الانتقالي واتفاق الرياض

في 11 نوفمبر الماضي، وبعد ستة أيام من توقيع اتفاق الرياض والذي يقضي بعودة الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقته عدن لتأدية مهامها، نشر نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك مقطع فيديو يظهر فيه مع مجموعة من المسلحين يرتدون الزي العسكري في أحد شوارع عدن وهم يتوعدون بالحرب.

وقال بن بريك في المقطع إنه لن يسمح لأي جهه أن تسقط علم الجنوب، مشيرا إلى أنه سيخوض حرباً ضد أي طرف.

وفي الثاني من نوفمبر الفائت، منع مسلحو المجلس الانتقالي الموظفين في مقر وزارة الإعلام في عدن من الدخول إلى مكاتبهم تنفيذا لاتفاق الرياض وعملا بتوجيهات الرئيس هادي الذي وجه في وقت سابق كافة المؤسسات والوزارت بالعودة إلى العمل، والبدء الفوري بتنفيذ اتفاق الرياض.

وفي 14 نوفمبر الماضي، شن عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، فضل الجعدي، هجوماً على الشرعية. وقال الجعدي على تويتر إن وزراء في حكومة معين يمارسون فسادهم من حساب مفتوح لا سقف له.

ويرى مراقبون بأن تنصل الانتقالي ومماطلته في تطبيق اتفاق الرياض اضطر الحكومة إلى إرجاء عودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، رغم اتفاق السلام المبرم بينها والمجلس الانتقالي الذي تم برعاية سعودية.

– مخاطر غياب الدولة

قال الصحفي الهدياني في تصريح خاص: “إذا لم تعد الدولة وتستقر ويتم تطبيق بنود اتفاق الرياض الذي يعتبر الفرصة الأخيرة لمسك الأمور قبل أن لا تذهب من نقطة اللاعودة”. وأضاف: “تعود الحكومة وتمارس مهامها وتدير عدن أو فلننتطر الفوضى الشاملة، وربما غياب الدولة والانفلات الأمني سيؤدي إلى انتشار الإرهاب، وهذا قد يلزم تدخلا دوليا وسيكون الجميع أمام مشكلة جديدة”.

وأكد أنه على المملكة العربية السعودية أن تعي هذا الواقع والمخاطر وتحزم أمرها وتضبط المتمردين الذين أفشلوا الدولة والحكومة، واليوم يسعون لإفشال جهود المملكة العربية السعودية في تطبيع الأوضاع، وتقديم الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن، وتثبيت الأمن والاستقرار.

– تحديات تواجه اتفاق الرياض

قالت وزيرة حقوق الإنسان السابقة حورية مشهور في تصريح لموقع الإصلاح نت: “‏بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاق إلا إني أجزم بأن القوى الوطنية المخلصة والمملكة العربية السعودية الضامنة لتنفيذ الاتفاق لن تسمح بأي محاولة لإفشال الاتفاق لأن ذلك يعني تأخير تحقيق السلام الشامل في اليمن، وهي إرادة وطنية وإقليمية ودولية بدأنا نلمس ملامحها في الخطاب السياسي داخلياً وخارجياً”.

وقالت مشهور: “هناك جهود حثيثة تبذل للتهدئة ومنع أي استفزازات وتوفير الظروف الآمنة لعودة الحكومة وتزامن عودتها مع الترتيبات الأمنية اللازمة لتمكينها من القيام بمسؤولياتها تجاه المواطنين”.

– لا يريدون الدولة

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد جميح إن “عودة رئيس الحكومة وعدد من الوزراء إلى عدن بداية طيبة، لكن هناك من لا يريد لعدن أن تهدأ، ويفتعل الأزمات لإفشال اتفاق الرياض”.

وأضاف -في تغريدة على تويتر- “الاتفاق في صالح الجميع عدا أولئك الذين يخشون فقدان مصالحهم بتنفيذه”.

وذكرت ‏مصادر حكومية بأنه تم منع وزير الشباب والرياضة ووزير التربية والتعليم ووزير النفط ووزير الصحة ونائب وزير الخدمة المدنية ووكيل وزارة الداخلية من العودة برفقة رئيس الحكومة إلى ‎عدن، وكان مقرراً سفرهم ضمن المسؤولين العائدين إلى عدن برفقة رئيس الوزراء.

وقال وزير التربية والتعليم في الحكومة، د. عبد الله لملس، في منشور على فيسبوك: “منعونا اليوم (الاثنين) من العودة إلى الوطن”. وجاء إعلان “لملس” بالتزامن مع إعلان وصول رئيس الحكومة وفريق حكومي مصغر إلى عدن لممارسة مهامه بعد أسبوعين من توقيع اتفاق الرياض.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق