يستخدم النظام الحاكم في دولة الإمارات فزاعة “الإرهاب” لإبقاء سيطرته على تسعة مواقع رئيسية واستراتيجية في اليمن رغم محاولته الترويج لسحب قواته من البلاد.
وتشن الإمارات ضمن دورها الرئيسي في التحالف العربي حربا إجرامية على اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام خدمة لأطماعها في التوسع والنفوذ الإقليمي ونهب ثروات ومقدرات البلاد.
وتشمل مواقع سيطرة الإمارات الرئيسية: المخا وباب المندب وعدن وميناء العاصمة المؤقتة ومطار عدن ومطار الريان في المكلا وجزيرة سقطرى وجزيرة ميون وميناء بلحاف في محافظة شبوة المنتجة للنفط في جنوب اليمن.
ويقول جوناثان هارفي الصحافي المتخصص في الشرق الأوسط في تحليل نشره على موقع المونيتور الأمريكية “كما هو الحال مع الادعاءات السابقة بالانسحاب، تقوم دولة الإمارات بتنفيذ عملية سحب من جزء رئيسي من الدولة مع فرض إرادتها في مكان آخر. في النهاية، تستخدم أبوظبي غطاء الانسحاب لإخفاء جهودها للسيطرة على المواقع الجنوبية الأخرى”.
ويشير هارفي إلى أن ذلك يعني أن الإمارات لن تلتزم باتفاق انسحابها من البلاد، إذ أنها وبينما تتصارع مع نفوذ السعودية، فإنها لا تزال تسعى إلى تعظيم نفوذها على جنوب اليمن.
ويؤكد أن مثل هذا الدعم المستمر للميليشيات الانفصالية يمكن أن يعرقل اتفاق السلام الأخير، خاصة وأن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات أشار عدة مرات إنه لن يقبل الوجود طويل الأجل لقوات هادي في جنوب البلاد. خاصة وأن السعودية تسعى في نفس الوقت إلى تمكين هادي. علاوة على ذلك، يرى الفصيل الانفصالي أن الصفقة فرصة لتأمين سيطرته على الجنوب.
ويعتبر هارفي أن إعلان انسحاب الإمارات المؤقت من عدن يأتي للحفاظ على تحالفها مع الرياض، فيما تواصل أبوظبي في الوقت نفسه تقويض الحكومة الشرعية في اليمن للضغط من أجل ضمان مشاركة حلفاءها ضمن الحكومة.
وأعلنت الإمارات يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عودة القوات من عاصمة اليمن المؤقتة عدن، بعد انتهاء العمليات العسكرية هناك، وجرى استقبال جنود الدولة من تلك المنطقة.
وفي حينه أشار بيان القيادة المسلحة إلى أن الانسحاب تم من مدينة عدن وتسليمها للسعودية، وأكد استمرار بقاءها في اليمن ل”مكافحة الإرهاب”، وهو غطاء يعتبره اليمنيون والمراقبون الأجانب لاستمرار نفوذها وتحكمها بالمناطق الرئيسية في البلاد التي تشمل الموانئ والجزر المهمة جنوباً وغرباً.
وليست المرة الأولى التي يتم الإعلان عن خروج الإمارات من اليمن فقد جرى الإعلان عن ذلك عدة مرات الأولى عام 2016م وكانت متعلقة بضغوط على السعودية للحصول على مكاسب في البلاد، حسب ما أفاد مسؤولون وباحثون غربيون في ذلك الوقت، ولم يحدث انسحاب على العكس كثفت الدولة من نشاطها في حرب اليمن.
وتخضع أبوظبي إلى ضغوط من الإمارات الست الأخرى حسب ما أفادت -اكنوميست البريطانية- في يوليو/تموز 2019، إذ تعتبر دبي أن سياسة أبوظبي الخارجية تهدد الاقتصاد في الإمارة، ويبدو كذلك أن الضغوط الغربية المستمرة على الدولة وتشويه سمعتها في الغرب والتوترات في المنطقة إلى أن تعلن الدولة عن انسحاب أخر.
وجاء ذلك في يونيو/حزيران 2019 وتم سحب بعض القوات والآليات من الساحل الغربي ضد ميليشيا الحوثيين، وتم إعادة تموضع للقوات الموجودة في عدن ومناطق أخرى، وكان ذلك بسبب ضغوط مُورست على الدولة متعلقة بتهديد ناقلات النفط في مضيق هرمز وزيادة التوتر في المياه الإقليمية مع طهران. واختلاف الدولة في وجه نظرها مع المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف ضد ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران التي هددت أكثر من مرة المنشآت الحيوية في أبوظبي ودبي بضربات بطائرات مسيرة؛ وسبق أن أكد مراقبون غربيون بما فيها الخارجية الأمريكية حدوث هجمات على الإمارات؛ وهو ما تؤكده الرياض وتنفيه أبوظبي.
وعقب الإعلان عن الانسحاب في يونيو/حزيران 2019 قامت الميليشيات الموالية لأبوظبي في جنوب اليمن ب”تمرد مسلح” على السلطات اليمنية في أغسطس/آب 2019، وحاول المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الدولة تثبيت وضعه في جنوب البلاد بدعم من الإمارات.
في ذات الوقت حاولت القوات الحكومية بمساعدة سعودية من استعادة مدينة عدن من الانتقالي الجنوبي لكن طائرات الإمارات شنت هجمات على الجيش اليمني وأدى إلى مقتل وإصابة المئات. ما أدى إلى وصول الحكومة اليمنية وأبوظبي إلى طريق مسدود، وشنت الحكومة هجوماً على سياسة أبوظبي في البلاد واعتبرتها استعماراً، وردت أبوظبي أنها قصفت “إرهابيين” ما فاقم التوتر بين الحكومة اليمنية والسلطات في أبوظبي.
وأدى هذا التوتر إلى إعلان الدولة انسحابها من اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2019 تحت ضغط من المسؤولين اليمنيين.
وبعد أيام من ذلك تم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
وكان شرط الرئيس اليمني لقبول الاتفاق هو خروج الإمارات من اليمن، بحيث تبدأ من عدن ثم تعقبها المناطق اليمنية الأخرى على مراحل حتى الانتهاء من تنفيذ اتفاق الرياض خلال (90 يوماً).
لكن كثير من المراقبين الدوليين يعتقدون إن الإمارات لن تقوم بالانسحاب فما تزال طموحاتها العسكرية قائمة، ولا يظهر هذا فقط أن الإمارات لم تتراجع بعد عن دعمها للقوات الجنوبية، بل تستخدم روايات المناهضة للإرهاب لتبرير وجودها.
يتم ذلك رغم إدانة الأمم المتحدة وتقارير غربية متعددة لممارساتها الإرهاب في اليمن وتمولها تنظيمات متشددة مثل المجلس الانتقالي الانفصالي وداعش وغيرها من الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.