يبحث اليمن منذ سنوات عن إحلال السلام في البلاد الذي مزقته ويلات الحروب والتدخلات الخارجية وعلى رأسها التحالف السعودي الإماراتي.
ومع إعلان الإمارات الأسبوع الماضي سحب قواتها من العاصمة المؤقتة عدن، فإنها مع ذلك أبقت على قواتها في المحافظات اليمنية الجنوبية الأخرى بذريعة محاربة الإرهاب.
ويجمع مراقبون يمنيون وغربيون على أن تحقيق السلام في اليمن لا يزال بعيد المنال ومهدد بفعل مؤامرات الإمارات الباحثة عن التوسع المشبوه ونهب مقدرات وثروات الشعوب.
ويعتبر المحلل السياسي عمر عياصرة أن الإمارات انهزمت أمام الحوثي، ولذلك كان انسحاب الإمارات أمرا منطقيا، مشيرا إلى أن بيان الإمارات يبين أنها تخلت عن السعودية، ولن تحارب الحوثي بعد الآن.
وقال إن الإمارات تريد أن تجنب نفسها أجندة الاستهداف الحوثي والإيراني على الصيغة السعودية، وهي تذهب باتجاه إعادة صياغة الجنوب بالشكل الذي أرادته، وذلك بإعادة إنتاج شرعية بأجندة تتواجد فيها أذرع الإمارات، مشددا على أن الأمر انتهى بانتصار الحوثيين، بدليل أن الإمارات والسعودية تحاولان إيجاد تفاهمات معهم.
من جهته، اعتبر المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية في الرياض أنيس منصور أن الانسحاب شكلي فقط؛ فالإمارات لا زالت متواجدة، بدليل تواجد ثلاث كتائب إماراتية وسيطرتها على عشرات السجون، فضلا عن إحكامها السيطرة على مطار الريان.
وأوضح أن الإمارات متناقضة في تصريحاتها؛ فتارة تقول إنها قامت بإعادة تموضع، وأخرى تدعي أنها انسحبت، في حين تصرح أحيانا بأنها لن تنسحب إلا بتوجيه من السعودية، كما أعلنت في بيانها أنها باقية لمكافحة الإرهاب.
وشددا على أن هذا التناقض يؤكد التخبط الذي تعيشه الإمارات لأنها تلعب على عدة اتجاهات، أما مكافحتها الإرهاب فهي مجرد استثمار سياسي من أجل كسب تعاطف أميركا.
من جهته يقول الكاتب جوناثان فنتون هارفي إنه لأجل إقامة سلام حقيقي واستقرار في اليمن، فإنه يتعين على الجهات الدولية الفاعلة الحد من تورط والإمارات في البلاد.
ويضيف -في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني- أن الصفقة التي توسطت فيها السعودية لدمج حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في نظام موحد، أثارت التطلعات بشأن إحلال السلام في البلاد التي مزقتها الحرب.
ويرى أن هذه “الصفقة” تعد بمثابة فرصة للقوى الخارجية لتعزيز نفوذها في البلاد، وذلك لأن الطرفين اليمنيين تلقيا على التوالي دعما متباينا من السعودية والإمارات.
ويشير الكاتب إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي نفذ انقلابا في عدن في أغسطس/آب الماضي، وأنه استولى على العاصمة الجنوبية المؤقتة التي تسيطر عليها الحكومة، ثم سيطرت القوات التابعة له بعد ذلك على مقاطعات جنوبية أخرى، بدعم من الطيران الاماراتي مما أشعل شرارة الحرب اليمنية من جديد، وأن الميليشيات التابعة للمجلس تقدمت تدريجيا عبر الجنوب وسط دعم إماراتي واسع النطاق.
ويقول الكاتب إن السعودية والإمارات صممتا على الحفاظ على تحالفهما الإقليمي الإستراتيجي، حيث شجعتا على توحيد هذين الطرفين اليمنيين، مشيرا إلى أن الإمارات سحبت بعض قواتها في أعقاب وصول القوات السعودية إلى عدن في وقت سابق من الشهر الجاري.
ويقول إن السعودية تدعم هادي بدلا من السعي لتعزيز الاستقرار في اليمن، وذلك لأنه يمنحها الشرعية للتدخل في سياسة البلاد، مضيفا أن هذه هي الإستراتيجية الطويلة الأجل التي تتبناها السعودية في اليمن، وذلك عوضا عن تحقيقها الهدف الرسمي المتمثل في محاربة الحوثيين.
ويقول إن السعودية تسعى إلى نيل رضا المجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك بهدف إعادة توحيد الحكومة والانفصاليين ضد الحوثيين الذين يمثلون خصم الرياض الأساسي في اليمن، مما ينذر بإحداث ردة فعل أخرى عنيفة في بلد مدمر بالفعل، مضيفا أن صفقة الوحدة تتجاهل الوضع المروع للأمن والاستقرار في البلاد.
وفي حين يعيق اتفاق السلام والدعم الذي يتلقاه هادي طموحات الإمارات في اليمن، إلا أنها لا يزال بإمكانها استخدام المجلس الانتقالي الجنوبي كورقة ضغط من أجل تحقيق مزيد من الحكم الذاتي في الجنوب.
ويضيف أنه بإمكان الإمارات السعي لفرض إرادتها على الجنوب والسيطرة على موانئه الإستراتيجية.
وتعمل الإمارات في الوقت الراهن بشكل أكثر واقعية للحفاظ على صورة “صانع السلام” وعلى تحالفها مع السعودية، غير أنه ستظل هناك خلافات بين هاتين القوتين.
ويقول الكاتب إنه يتعين على الجهات الدولية الفاعلة الحد من تورط الامارات، وذلك من أجل تحقيق أمن واستقرار حقيقيين في اليمن.
ويختتم بأن الأزمة الإنسانية الواسعة في اليمن لا تزال مسألة أكثر إلحاحا، حيث يُعتبر المدنيون الضحايا الحقيقيين لمثل هذه الصراعات على السلطة.