على مدى سنوات من سيطرة ونفوذ الإمارات وحلفائها أمنياً وعسكرياً، عاشت مدينة عدن جنوبي اليمن، فصولاً مرعبة مع حوادث الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها العشرات إلى مئات الأشخاص، وظلت شبحاً يلاحق أعداداً غير قليلة من الضباط والقيادات المحلية والشخصيات الاجتماعية، بما في ذلك خطباء وأئمة المساجد والدعاة على نحوٍ خاصٍ، لتبدأ التحقيقات المسربة أخيراً، بالكشف عن معلومات خطيرة، تشير بالاسم والتفاصيل الدقيقة حول جانب من الجرائم المنظّمة التي مارستها أبوظبي في اليمن، عبر أذرعها الانفصالية المحلية، بعدما كشفت تقارير سابقة عن استئجار مرتزقة من “القتلة” الدوليين لتنفيذ اغتيالات في البلاد.
وفي هذا السياق تشير الوقائع على الارض إلى أن سلسلة جرائم التصفية الجسدية التي طالت العديد من الخطباء والدعاة، دفعت عشرات آخرين لمغادرة البلاد، بعد أن ساد شعور لدى الغالبية ممن يقيمون على مساجد في عدن، أنه يمكن أن يكونوا الهدف التالي لفرق الاغتيالات المنظّمة، التي تلاحق الدعاة وأئمة المساجد حتى في المنازل ومختلف الأماكن العامة، سواء من المحسوبين على بعض التيارات، أو من الشخصيات الدعوية المستقلة التي تحظى بقبول اجتماعي في أوساط السكان.
محاضر التحقيق كشفت المستور
ولكن مع بقاء قضية الاغتيالات لغزاً على مدى السنوات الماضية، إلا ان تسريب السلطات اليمنية في يوليو الماضي لوثائق محاضر تحقيقات النيابة العامة، مع ثلاثة متهمين بحادثة اغتيال إحدى أبرز الشخصيات الدعوية في المدينة، الشيخ سمحان عبدالعزيز الراوي، قد كشف بالأسماء عن المتورطين بالجرائم والمشرفين على فرق الاغتيالات، وعلى رأسهم القيادي السلفي المثير للجدل هاني بن بريك، وهو أحد أبرز الشخصيات الموالية لأبوظبي، ومن المقربين شخصياً من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى جانب ذكر تفاصيل مشاركة ضباط إماراتيين في الإشراف المباشر على الاغتيالات.
وجاء تسريب محاضر التحقيقات كفضيحة أخرى للإمارات، تضاف إلى سلسلة فضائح جرائمها وانتهاكاتها السافرة لحقوق الانسان في اليمن وهو ما اعتبره اليمنيون سنداً قانونياً لمواجهة الامارات وادواتها، مشددين على ضرورة أن يكون لكشف هذه الجرائم ما بعدها من قِبل الحكومة اليمنية، باتخاذ إجراءات ضد أبوظبي والمتورطين من حلفائها يمنياً، وعلى أهمية أن يكون للخطوة ما بعدها على المستوى الدولي.
ولم تمثّل فضيحة الاغتيالات الإماراتية بأذرع يمنية، سوى جانب من الوجه الأحدث في الجريمة، بعدما كشفت تقارير العام الماضي، عن استئجار أبوظبي مرتزقة دوليين عبر شركة أميركية متخصصة لتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات يمنية ابتداءً من أواخر عام 2015. وشملت المعلومات اعترافات خطيرة للمرتزقة وتفاصيل بشأن بعض الشخصيات المستهدفة، تصبّ في مجملها تأكيد مسؤولية الإماراتيين المباشرة عن جرائم وحوادث دامية شهدتها عدن ومدن أخرى جنوبي البلاد، منذ سنوات.
خلية الموت ذات الــ12 عضواً
وكشفت مصادر أمنية مؤخراً عن خلية عدن التي شكلها هاني بن بريك ويسران مقطري باشراف ضباط مخابرات إماراتيين عن عدد 12 شخصاً هم مجموع أعضاء الخلية التي نفذت سلسلة عمليات الاغتيالات في العاصمة المؤقتة عدن وذهب ضحية هذا السلسلة الرهيبة مئات الابرياء من عسكريين ومدنيين وخطباء مساجد ودعاة ومعلمين وناشطين وغيرهم.
وتعد هذه الخلية واحدة من عدة خلايا تم تشكيلها لتبادل الادوار فيما بنها وكان من أبرز أعضاء هذه الخلية:
1- صامد ناجي المنصوب “سناح” قائد ما تسمى بقوات الطوارئ والدعم التابعة لشلال شائع مؤسسة خلية لتنفيذ الاغتيالات عدن وتتكون من 12 عضواً ويدير نشاط الخلية من مبنى نادي الضباط في جزيرة العمال بخور مكسر.
2 -عدلي جميل عضو الفريق الامني التابع ليسران مقطري لديه سوابق جنائية وشارك في عملية السطو المسلح علي فرع البنك الاهلي في المنصورة ومتورط في قتل مدير فرع البنك عبدالله النقيب ومتخصص في زرع العبوات الناسفة واللاصقة لاغتيال رجال الدولة.
3 -سامح النورجي عضو الفريق الامني التابع ليسران مقطري لديه سوابق جنائية واحد مروجي المخدرات والحشيش في منطقة دار سعد عضو خلية الاغتيالات ومتورط في قتل العشرات من الابرياء من ابناء عدن.
4 -محمد جمال الشرجبي عضو الفريق الامني التابع ليسران مقطري لديه سوابق جنائية ويعمل في ترويج الحشيشي والمخدرات عضو في خلية الاغتيالات ومسؤول عن تجنيد الخلايا النسائية.
5 -رأفت خطية عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري وأحد اعضاء الخلية التي سطت على فرع البنك الاهلي في المنصورة عضو في خلية الاغتيالات ومتورط في عملية تعذيب لمعتقلين.
6 –علي رمزي البيضاني عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري وأحد اعضاء الخلية التي سطت على فرع البنك الاهلي في المنصورة متورط في عمليات مداهمات واعتقالات لشباب المقاومة.
7 –احمد سلطان عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري أحد أكبر مروجي الحشيش والمخدرات مع أخيه مازن وصديقاً له يدعى “علي شكري” عضو في خلية الاغتيالات ومهمته رصد ومراقبة الضحايا.
8 –اكرم علي حجيج عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري لديه سوابق جنائية ويعمل في تجارة الحشيش والمخدرات عضو خلية الاغتيالات ومتورط في عملية خطف وتعذيب المعتقلين.
9 –سامر جندب عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري لديه سوابق في تهريب وترويج الحشيش في منطقة دار سعد عضو خلية الاغتيالات والمسؤول عن تجنيد خلايا نسائية.
10 –خلدون العبدلي عضو الفريق الأمني التابع ليسران مقطري وعضو خلية الاغتيالات ومتورط في عمليات اختطاف واخفاء قسري.
ويدير هذه الخلية مباشرة وفقاً للمعلومات كلاً من هاني بن بريك نائب رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي وهو المسؤول عن التنسيق مع الإماراتيين وحلقة الوصل بين الخلية والاماراتيين بالإضافة إلى المدعو يسران مقطري رئيس جهاز مكافحة الارهاب والذي يعتبر المشرف الميداني على تنفيذ عمليات الاغتيالات والقيام بعملية التغطية الامنية في حالة انكشاف العملية.
ووفقاً للمعلومات، تتم كل عملية اغتيال بالتنسيق مع المركز الاعلامي التابع للخلية ويضم عدد من الناشطين والناشطات ويقع في منطقة جولد مور في مديرية التواهي.
كما توضح المعلومات انه يتم تدريب اعضاء مركز الخلية الإعلامي في العاصمة الاماراتية ابو ظبي -وهي المركز المالي والاداري للتحكم بكافة الخلايا- ويتلقون مرتبات شهرية تقدر بـ 2000 درهم اماراتي لكل عضو.
ويتم في المركز الرئيسي في أبو طبي تنظيم الاشاعات ومهاجمة الحكومة الشرعية والرئيس هادي وتلفيق التهم والتحريض على الضحايا وتزوير الحقائق وانشاء مواقع صحفية واخبارية بالإضافة الى انشاء حسابات بأسماء مستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي لخلط الاوراق قبل وبعد كل عملية اغتيال ورصد كل التناولات الاعلامية المؤيدة والمعارضة.
ويقوم المركز الاعلامي للخلية بإعلان تبني أي عملية بعد التنفيذ عبر مواقع تم أنشاءها بأسماء القاعدة او تنظيم داعش او بالتنسيق الفعلي بين التنظيميين وضباط مخابرات اماراتيين.
وتمارس عملية الاغتيالات عملها بشكل كامل تحت اشراف كلي من المدعو هاني بن بريك وشلال علي شائع ويسران مقطري وبدعم مالي ولوجستي من دولة الامارات عبر الحاكم العسكري في عدن وضباط مخابراتها المتواجدين في مختلف الاجهزة وخاصة الهلال الاحمر الاماراتي.
يسران والإشراف المباشر على عمليات الاغتيال بعد تصفية الخصوم
وجد الإماراتيون في يسران مقطري الشخص المناسب لتنفيذ الجزء الاصعب في العملية مع الحفاظ على السرية والتغطية على الجرائم فمعلوم أن يسران يمارس سياسة تصفية الخصوم والمنافسين لكي يسوق نفسه لأسياده كلاعب اوحد يمسك بجميع الخيوط وهذا اللعبة يحبذها الاماراتيون.
يسران عمل على توفير المعلومات الدقيقة بتحركات بعض القيادات البارزة وكان يزود بها اعضاء الخلية لاغتيالها وتقول المعلومات شركات الاتصالات اعترضت عدد من الاتصالات التي كان يجريها يسران لرصد اهداف لصالح الجماعات المسلحة.
وما شجع الإمارتيين في الاعتماد على يسران لادارة العمليات الميدانية لخلايا الاغتيالات هو نجاحه في تصفيات شخصيات قيادية بارزة من كانت تمثل حجر عثرة امام طموحه الاجرامي واهمها:
-العقيد عبدالحكيم السنيدي اليافعي مدير العمليات والسيطرة بأمن محافظة عدن
-العميد فضل صائل القطيبي قائد جهاز مكافحة المخدرات بمحافظة عدن
-اللواء عبدربه حسين الاسرائيلي قائد محور ابين بحي الممدارة بالشيخ عثمان
-محمود السعدي عضو المجلس المحلي بمحافظة عدن في حي الكمسري الشيخ عثمان
هاني بن بريك حلقة الوصل والتنسيق وتحديد الاهداف
منذ أن دخلت الإمارات مدينة عدن بدأ القيادي السلفي الموالي لها هاني بن بريك بالحديث والتحريض على أئمة المساجد بحجة أنهم ينتمون لحزب الإصلاح وبحجة أن الحزب يتبنى الفكر التكفيري، ونشر ”بن بريك” أواخر العام الماضي على صفحته بتويتر تغريدات تحريضية قال في بعضها “الحكومة ممثلة بوزارة الأوقاف إن لم تقف بقوة لتجريد المساجد من تبعية الأحزاب ومن التكفيريين والتفجيريين فسيستمر التفريخ لهؤلاء دام الفقاسة شغالة”، وفي منشور آخر قال: “بؤر المفجرين الانتحاريين هي المساجد الحاضنة لفكرهم ومن المؤسف أن نجد من يقف ضد تطهير المساجد من دعاة هذا الفكر الإجرامي فلا بد من وقفة حزم صارمة”.
وأكثر من ذلك ما أكدته مصادر مطلعة في عدن وحضرموت تطابقت في معلوماتها عن أن “هاني بن بريك” هو من يقف خلف عمليات الاغتيال التي تطال شخصيات دينية سلفية وأخرى حزبية إصلاحية، وأن الإمارات أوكلت لـ”بن بريك” السيطرة على المساجد واستبدال أئمتها وخطبائها بآخرين موالين للإمارات، مشيرة إلى أن هذه المهام أوكلت بشكل مباشر لعبدالرحمن الوالي الذي تم تعيينه مديراً للأوقاف من قبل عيدروس الزبيدي محافظ عدن حينها، مؤكدة في الوقت ذاته أن “الوالي” يقوم بتعيين شخص آخر موالي للإمارات بديلاً لكل من يتم اغتياله من أئمة وخطباء مساجد عدن.