ما أن تدب الحياة في أوصال عدن، مدينة البحر والبخور، حتى تُبلى بأحداث سياسية جديدة تمس معيشة الناس وخدماتهم الأساسية.
تعافٍ ومنغصات
ومنذ تحرير المدينة من جماعة الحوثي منتصف يوليو (تموز) 2015، اتخذتها الحكومة اليمنية الشرعية عاصمة مؤقتة للبلاد، فشهدت عودة افتتاح معظم المكاتب الحكومية والخدماتية، وعدد من القنصليات الدبلوماسية لدول عربية وأجنبية في حين كانت تقيم بها الحكومة اليمنية ورؤسائها المتعاقبين، إضافة لإقامات محدودة للرئيس هادي الذي يقيم بشكل دائم في العاصمة السعودية منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس (آذار) 2015.
وشهدت المدينة تعافياً نسبياً في مستوى الخدمات، غير أن حالة الانقسام السياسي، والانفلات الأمني، اللذين ظلا سمتين ملازمتين للمدينة منذ تحريرها، عملت على تهيئة مناخات الاحتراب الذي بلغ ذروته في الرابع من أغسطس (آب) الماضي، واندلاع معارك عنيفة استمرت أربعة أيام بين قوات الحكومة الشرعية، ومسلحي المجلس الانتقالي الداعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، انتهت بسيطرة الأخير في العاشر من الشهر ذاته، على كافة مفاصل المدينة بقوة السلاح وطرد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وانتهاجه بحسب مراقبين، للعنف سبيلاً لفرض خياراته السياسية وشنه حملة ملاحقات واعتقالات طاولت أعضاء الحكومة ومنتسبيها، الأمر الذي انعكس بدوره على الحياة العامة وخدمات المجتمع في ظل هذه المستجدات الجديدة والانقسام السياسي الحاد الذي لم يجد لغة لترجمة وجهات التباين سوى لغة السلاح.
تردٍ مريع للخدمات
وتعاني المدينة منذ أسابيع، من تردي الخدمات وانعدامها كما هي حال الكهرباء في منطقة تعاني من ارتفاع كبير في درجة الحرارة والرطوبة العالية، مع تهديدات حقيقية، بتوقف صرف مرتبات موظفي الدولة في ظل وضع اقتصادي هش.
وتزايدت أخيراً ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن عدن والمحافظات المجاورة لها (أبين ولحج) لثلاث ساعات مقابل تشغيل التيار لمدة ساعتين فقط، بعد أن كانت عملية الانقطاع خلال الأيام السابقة، ساعتي انقطاع وأربع ساعات تشغيل.
امتحان صعب
في المقابل، اشتكت محطات توليد التيار الكهربائي في عدن من نفاد مخزون الوقود، ما وضع “مسلحي الانتقالي الجنوبي”، بحسب مراقبين، في مأزق كبير تجاه سكان المدينة والمحافظات المجاورة الذين أحكموا سيطرتهم عليها، عقب معارك عنيفة مع قوات الحكومة اليمنية استمرت أربعة أيام وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى.
ولهذا يرى مراقبون أن “الانتقالي” الذي يقف أمام امتحان حقيقي لتوفير الخدمات العامة للمواطنين في المحافظات التي يسيطر عليها، يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع تزايد السخط الشعبي في عدن.
اتهامات متبادلة
وأفادت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الأحد الماضي، بأن “التطورات الأخيرة في عدن وما نجم عنها من تمرد وانقلاب مسلح نفذته ميليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي، وسيطرتها على مؤسسات الدولة، أحدثت تدهوراً كبيراً في مستوى الخدمات بما فيها خدمة الكهرباء جراء عدم تزويد المحطات بحاجاتها من المشتقات النفطية”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” عن مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء، نفيه “الاتهامات والإشاعات المتداولة عن رفض الحكومة توفير المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء”، معتبراً تلك الاتهامات “أمراً عارياً من الصحة”.
وتأتي تصريحات الحكومة اليمنية رداً على تصريحات “الانتقالي” الذي حمل الحكومة “مسؤولية تردي أوضاع الكهرباء وانقطاعها في مدينة عدن”، على الرغم من سيطرتها عليها وطردها للحكومة الشرعية وقواتها من المدينة.
واتهم عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، عبد الناصر الوالي، في بيان، وزيري الكهرباء والمالية في الحكومة اليمنية “بعرقلة ضخ الوقود الموجود على متن السفينة الراسية حالياً في ميناء الزيت بمدينة البريقة غرب عدن، لأسباب سياسية” على حد تعبيره، ما قد يتسبب في توقف محطات التوليد.
في حين ردت الحكومة بأن الوزارة وبتوجيهات من رئيس مجلس الوزراء، معين عبد الملك، “حرصت ولا تزال على عدم تحويل الخدمات الأساسية للمواطنين كمسؤولية وواجب وطني إلى ورقة للمزايدات السياسية”.
في المقابل، وصف الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، نزار هيثم، الحكومة اليمنية بـ”فاقدة الشرعية”، متهماً إياها “بالوقوف عمداً وراء ما وصفه “أخطر أزمة تعمدت قطع الوقود عن عدن ولحج وأبين ما هدد بانقطاع دائم للكهرباء”.
مناشدات للتحالف
ويأتي تبادل الاتهامات بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، في وقت ناشدت خلاله نقابات كهرباء محافظة عدن، التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات لدعم الشرعية في اليمن، بـ”سرعة التدخل لتوفير وقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية في عدن بشكل عاجل”. وحذر بيان نقابات كهرباء عدن من “ارتفاع مؤشر نفاد الوقود إلى أعلى مستوى، وزادت تحذيرات المختصين في محطات التوليد من توقف المولدات بشكل كامل وانقطاع التيار الكهربائي عن المدينة بشكل تام خلال الساعات المقبلة بسبب نفاد المشتقات النفطية”.
وناشد التحالف “بسرعة التدخل لتوفير الوقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، فبانقطاع الكهرباء بشكل كامل يتوقف ضخ المياه والتي هي أساس الحياة وتتوقف مضخات المجاري عن الشفط، وتتوقف مراكز الغسيل الكلوي عن العمل وتكون النتيجة الموت المحتوم للمرضى”.
البديل: كهرباء خاصة
يقول الباحث الاقتصادي اليمني، عبدالواحد العوبلي، إن شحنة الوقود كان يفترض أن تكفي محطات التوليد لمدة شهر، ولكن الكمية نفدت خلال عشرة أيام مما يدل على أن كمية الديزل المخصصة للكهرباء نهبت من قبل نافذين في المجلس الانتقالي المسيطر على عدن.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “إذا استمر الوضع كما هو عليه من الفوضى فالسيناريو الأقرب هو الاستعانة بمولدات كهرباء خاصه في أحياء العاصمة عدن لبيع التيار الكهربائي بأسعار تجارية على المواطنين لصالح متنفذين في المجلس الانتقالي، كما هو حاصل في صنعاء من قبل الانقلاب الحوثي”.
توقف الرواتب
وسط مخاوف متزايدة لدى عامة الناس من الأنباء التي تتحدث عن توقف وشيك للخدمات في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وعدم القدرة على صرف رواتب الموظفين الحكوميين عقب سيطرة “الانتقالي” على المدينة وتوقف الإيرادات، حذّرت الحكومة اليمنية الشرعية قبل أيام، من “التبعات الإنسانية المحتملة جراء استمرار التمرد عليها في عدن وأبين ولحج والضالع، فضلاً عن الانتهاكات التي مارستها عناصر الانتقالي”. ووصف وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الأرياني الأمر بأنه “ينذر بكارثة إنسانية مروعة”.
عجز حكومي
وفي السياق ذاته، يعلق الباحث الاقتصادي العوبلي، “مع قرار تغيير محافظ البنك المركزي وعدم توافر ما يكفي من السيولة النقدية لدفع رواتب الموظفين لأكثر من شهرين، وسيطرة الانتقالي على موارد المحافظة وعدم توريدها لخزينة البنك المركزي، فالحكومة لن تكون قادرة على دفع الرواتب، إضافة إلى عجزها عن تزويد مدينة عدن بما تحتاجه من خدمات نظافة وصيانة مما ينبئ بكارثة صحية وإنسانية جراء تراكم القمامة في الشوارع”.
مرتبط