بعد تحقيق “أسوشييتد برس”، الذي كشف عن صفقات سرّية يجريها التحالف في اليمن، وتحديدًا الإمارات، مع تنظيم “القاعدة”، تابعت صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية، التحقيق في هذه العلاقات المشبوهة، لتكشف أمس الخميس، عن تجنيد الإمارات مقاتلين سابقين من “القاعدة” في صفوفها، مستندةً إلى اعترافات ضباط إماراتيين يقاتلون في حرب اليمن.
وتقوم الإمارات بتدريب نحو 30 ألفاً من القوات اليمنية لمحاربة تنظيم “القاعدة في الجزيرة العربية”، والذي كان قد سيطر على معظم الساحل الجنوبي لليمن في عز قوته، قبل أن يتراجع نفوذه إلى مناطق معزولة في وسط البلاد.
وتورد الصحيفة أن الجيش الإماراتي نفى هذه الادعاءات بأنها “غير صحيحة وغير منطقية”، ولكنها تنقل عن قادة إماراتيين أن القوات اليمنية الحليفة للتحالف تستوعب أعداداً من مقاتلي “القاعدة” بعد التأكد من خلفياتهم.
ولكن التحالف العربي يواجه اتهامات بأن ما حققه ضد “القاعدة” لا يعود لإنجازات عسكرية، وإنما إلى صفقات عُقدت مع التنظيم تسمح لمسلحيه بالانسحاب من المناطق المستهدفة، بما أمكنهم حمله من أموال، إضافة إلى تجنيد مقاتليه للمحاربة إلى جانب قوات التحالف.
وتنقل عن اللواء علي، الذي لم ينشر اسمه كاملاً لأسباب أمنية، من عمليات مكافحة الإرهاب الإماراتية، قوله إن “العديد من مقاتلي القاعدة هم من اليافعين الذين خضعوا لسيطرة التنظيم وأُجبروا أو أُقنعوا بحمل السلاح. وعند تنظيف المناطق المدنية من التنظيم، يترك وراءه الكثير من هؤلاء المقاتلين، ومن المنطقي تجنيدهم، لأن هذا الأمر يرسل رسالة قوية حول الالتزام اليمني بالتحرير”.
ويضيف اللواء أن “محاربة التمرد عملية تهدف لكسب العقول والقلوب. تنظيم القاعدة ناجح جداً في تجنيد الأفراد، ولكنهم لم يجندوهم ليصبحوا إرهابيين، بل ليكونوا مقاتلين. من الضروري التمييز بين الاثنين في مثل ساحة الحرب المعقدة هذه”.
ويتابع بقوله “نجند مقاتلين وليس إرهابيين … يمكن التفريق بينهم بسهولة؛ المقاتلون كانوا متحمسين للانضمام لنا ولكن الإرهابيين أرادوا قتلنا. ولكننا نخضع المتطوعين لفحص نفسي شامل لضمان ألا يكونوا من المتطرفين”.
ويؤكد اللواء للصحيفة البريطانية أن “مقاتلي القاعدة تحفزهم للقتال عوامل أخرى غير عقائدية ويمكن استيعابهم بسهولة في المجتمع. وتشمل هذه العملية تحسين نوعية حياة هؤلاء الأفراد، وإعادة تكوين البنى الاجتماعية”، إلا أن اللواء الإماراتي لم يفصح عن أعداد مقاتلي “القاعدة” السابقين الذين تم تجنيدهم.
ولكن الولايات المتحدة، التي تدعم هذه العملية، بما في ذلك مشاركة المعلومات الاستخبارية والضربات الجوية بالطائرات المسيرة عن بعد، تنفي أي تعاون مع مقاتلي “القاعدة”. فقد كانت “واشنطن تايمز” قد نقلت عن متحدث باسم البنتاغون قوله “هذه الادعاءات خاطئة. خاطئة كلياً. لا ندفع للقاعدة أموالاً، بل نقتل القاعدة”.
ولكن عند مجابهة “ذي إندبندنت” لمتحدث باسم الخارجية الأميركية بتصريحات الجنرال الإماراتي، أجاب بقوله: “القاعدة تنظيم إرهابي معروف بقتله للأميركيين في الماضي ويقر برغبته بقتل المزيد منهم. سياسة الولايات المتحدة هي محاربة هؤلاء الإرهابيين”.
وكانت وكالة “أسوشييتد برس” أجرت تحقيقاً في الوسائل التي اتبعتها الإمارات في محاربة تنظيم “القاعدة”، كشفت فيه أن التحالف يبرم صفقات سرية مع مقاتلي القاعدة، حيث يدفع لهم الأموال ليغادروا المدن الرئيسية، بينما يسمح لآخرين بالانسحاب بسلاحهم ومعداتهم والملايين من الدولارات من الأموال المسروقة، ويبرم صفقات مع بعضهم للانضمام إلى قواته الحليفة في اليمن.
وحذر تحقيق “أسوشييتد برس”، الذي أشار إلى أن ذلك كلّه يتمّ بعلم وتسهيل الأميركيين، من أن هذه التنازلات لصالح تنظيم “القاعدة” في اليمن “تخاطر بتقوية أخطر فروع شبكة التنظيم”، معتبرًا أن هذه “التسويات والتحالفات” بين التحالف و”القاعدة” سمحت للأخير بمواصلة القدرة على القتال حتى اليوم.
وأشار التحقيق إلى أن تلك المعلومات “تعكس المصالح المتناقضة للحربين المستعرتين في هذا الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. ففي واحدة من الحربين، تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها العرب، وخاصة الإمارات، بهدف القضاء على المتطرفين المعروفين باسم تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب. لكن المهمة الكبرى هي كسب الحرب الأهلية ضد الحوثيين المدعومين من إيران. في تلك المعركة، يقف تنظيم القاعدة إلى جانب التحالف، وبالتالي إلى جانب الولايات المتحدة”.
وكانت الأمم المتحدة قد نشرت تقريراً يتحدث عن وجود 7 آلاف مقاتل للقاعدة في اليمن، بينما قالت الإمارات أنها قتلت أكثر من ألف من مقاتليه منذ العام 2015. وكان التنظيم قد تبنى عدة هجمات في اليمن وخارجها، وأشهرها العملية ضد مقر صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس.