لم يصمد انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة اليمنية الشرعية سوى 17 يوما، حتى اتخذت السعودية قرارا مفاجئا غير معلن لدعم الشرعية من أجل استعادة المناطق التي حاولت قوات الانتقالي المدعومة إماراتيا السيطرة عليها خلال الأيام الماضية.
وبدأت السيطرة من مدينة شبوة مرورا بمحافظة أبين التي ينحدر منها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ثم التوجه نحو العاصمة المؤقتة عدن والتمدد إلى محافظة لحج جنوبا.
ولكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين عن حقيقة الأسباب التي جعلت السعودية تغير موقفها إزاء المجلس الانتقالي وتدعم الشرعية عسكريا وسياسيا وإعلاميا، حيث بدا الكتاب السعوديون خلال الأيام الماضية كأنهم يعملون تماما ضد رغبات ودعوات المقربين من ولي عهد محمد بن زايد المطالبة بالانفصال.
وبحثا عن حقيقة الأسباب التي جعلت السعودية تتخذ هذا القرار وتحسم أمرها، تحدثت الجزيرة نت مع أحد الوزراء في الحكومة اليمنية الشرعية الذي أفاد بأن الرياض تدرك جيدا بأن مصيرها مرتبط بدرجة وثيقة بالحكومة اليمنية الشرعية التي تستضيفها في الرياض منذ خمس سنوات ويعترف بها العالم أجمع، وأن ممارسات الانتقالي ولغته الاستفزازية لم ترق لها كثيرا.
وأضاف الوزير اليمني للجزيرة نت أن “السعودية طمأنت هادي منذ وقت مبكر عندما انفجرت الأوضاع في عدن، وكانت هناك تحركات جادة لاحتواء الأمر من خلال التواصل مع الجانب الإماراتي والتشاور من أجل التراجع عن التمرد الذي حدث، وعندما وصل الأمر إلى محافظة شبوة وهي التي تمثل الخاصرة الشرقية للأمن القومي السعودي استنفرت الرياض واتخذت القرار وأعطت الحكومة الضوء الأخضر بالتحرك لتأمينها”.
وعن سبب صمت السعودية في الأساس حينما تمت السيطرة على عدن وأبين من قبل الانتقالي مدعوما من الإمارات، قال إن “السعودية تأخرت ولم تتدخل بشكل مباشر، لكن يحسب لها أنها استدركت الموقف ودعمت خيار الحكومة اليمنية في بسط نفوذها مجددا”.
حقيقة التغير
وفي الاتجاه ذاته، قال مصدر رئاسي للجزيرة نت إنه لولا الدعم السعودي لما تمكنت قوات الشرعية من إحراز التقدم الذي حدث، ولفت المصدر إلى أن “حقيقة التغير في الموقف السعودي تجاه الأحداث الأخيرة بالجنوب يرجع إلى ممارسات المجلس الانتقالي العبثية التي جعلت السعودية في موقف محرج كأنها عاجزة عن فعل أي شيء”.
وأضاف المصدر الذي طلب التحفظ عن هويته أن “نائب رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي هاني بن بريك ظهر وتحدى السعودية علنا ورفض الانصياع لدعوات التحالف بتسليم المقرات الحكومية، بل أهانها من خلال حديثه عن صمود الحوثيين، وهو ما فعله أيضا بالمقابل عدد من الشخصيات الإماراتية التي أساءت للسعودية في الإعلام”.
وأضاف أن “الأمر وصل إلى طريق مسدود للسعودية، وبذلك لم يكن أمامها من خيار سوى دعم الشرعية وتمكينها من بسط نفوذها في عدن وإعادة الاعتبار لحقيقة صدق دعمها للحكومة الشرعية أولا”.
ولعل ما يعزز حقيقة تغير موقف السعودية هو ما كشفه وزير النقل اليمني صالح الجبواني مؤخرا عندما قال إن السعودية كانت تصل إليها المعلومات عن الجنوب من خلال التقارير الاستخباراتية الإماراتية الكاذبة، وذكر أن السعودية حاليا أصبح لديها قنواتها المباشرة بالاتصال ورؤيتها الخاصة فيما يتعلق بأحداث الجنوب.
تمكن الشرعية
ولتفنيد حقيقة التحول في الموقف السعودي بشكل أعمق، تحدثت الجزيرة نت مع الخبير العسكري اليمني علي الذهب الذي أفاد بأن هذا وإن حدث فإنه ليس حرصا على وجود الشرعية بقدر ما هو حرص من السعودية على مصالحها، خصوصا أن وجودها في الجنوب كان يعتبر شكليا وليس لها مخالب وأنياب كما فعلت الإمارات في تشكيل قوات النخبة والحزام الأمني لخدمة أجندتها.
وتوقع الذهب أن يكون الصوت الأعلى للحكومة الشرعية خلال الفترات القادمة، خصوصا في حال أن عدن باتت تحت سيطرتها الجزئية، وهو ما يعني أن المعركة ستظل مفتوحة ما لم تستكمل عملية السيطرة عليها وتأمينها كاملة خلال الأيام القادمة دون توقف.
ورجح الذهب أن يكون هناك حوار سياسي بعد تمكين الحكومة الشرعية من السيطرة على عدن خصوصا إذا كانت هناك ضغوط إماراتية، وكان القصد من دخول قوات الشرعية إلى عدن من أجل بناء الثقة وفتح صفحة جديدة مع المجلس الانتقالي والتمهيد لتأسيس شراكة مستقبلية.
وفي حال بسطت الشرعية نفوذها على عدن، قال الذهب إنه سيكون هناك التحام عسكري فعلي على الأرض ومستوى القوات بين المنطقة العسكرية الرابعة التي تشمل أبين ولحج وعدن والضالع مع المنطقة العسكرية الثانية في المكلا بحضرموت، وكذلك المنطقة العسكرية الثالثة التي تضم محافظتي أبين وشبوة، وقد تلتقي قوات الحكومة في هذه المناطق مع المنطقة العسكرية الأولى في سيئون شرقي اليمن.
وتمثل هذه المنطقة من الناحية الجيوسياسية “هلالا ذهبيا” بحسب الذهب، حيث توجد فيها طرق الخطوط الدولية التي تربط بين اليمن والسعودية وسلطنة عمان، وفيها مناطق تصدير النفط والغاز، كما توجد بها أبرز الموانئ اليمنية.