أطيح بها (مرتين).. الشرعية اليمنية في مهب الريح (تقرير)

Editor13 أغسطس 2019
أطيح بها (مرتين).. الشرعية اليمنية في مهب الريح (تقرير)

تواجه السلطة الشرعية في اليمن، والمعترف بها دولياً، أياماً عصيبة وحالكة السواد، بعد نجاح مليشيات انفصالية موالية لما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً من فرض سيطرتها على كافة المقرات الحكومية، بما فيها قصر المعاشيق، والمعسكرات التابعة للدولة في مدينة عدن (جنوبي اليمن).

القتال الذي تفجر عصر الخميس الماضي بين قوات الحزام الأمني الموالي لـ (الإنتقالي) وقوات الحماية الرئاسية الحكومية انتهى يوم الأحد بنصر كبير للإنفصاليين وهزيمة مدوية للشرعية، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول مصير هذه السلطة التي تعرضت لانقلابين ناجحين في أقل من ست سنوات فقط، وهو أمر لم يحدث أبداً في التاريخ.

وفيما يبدو المشهد في اليمن غامضاً والواقع أكثر تعقيداً من ذي قبل، يتفق جميع اليمنيين من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب بأن قيادة الشرعية هي المدان الأول في هذه النكسات الكبيرة التي أدخلت البلاد معها في نفق مظلم.

كما يبدي الكثير مخاوفهم من أن تترجم تطورات الأحداث الأخيرة في عدن الى انتهاء فترة اليمن الموحد وانفصال الجنوب عن الشمال، الأمر الذي سينسف – بحسب كثيرين – أهم منجز وطني وعربي خلال القرن الماضي “الوحدة اليمنية”.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب محمد اسماعيل: لن يغفر اليمنيون أبد الدهر تخاذل وضعف واهتراء هذه السلطة الرخوة، والتي نسفت كثيراً من الانتصارات والانجازات الجبارة التي تحققت خلال النصف الأخير من القرن الماضي.

يضيف: كان لدينا دولة ونظام جمهوري ووحدة. وبعد صعود هذه القيادة الى السلطة في 2012م قضت على الدولة والنظام الجمهوري بعد أن فشلت في التصدي لمليشيات الحوثي. لم يعد معنا من ملامح الدولة اليمنية سوى الوحدة، والآن بات هذا المنجز على شفا الإنهيار.

بينما يقول الصحفي علي الفقيه متحسراً: أتخيل أني أقرأ في كتاب تاريخ عن اليمن أن الرئيس ومسؤولي الدولة ظلوا في فندق قرابة خمس سنوات ولم يتمكنوا في نهاية المطاف من العودة لأن البلد تمزق بينما كانوا يعيشون في فندق، وقامت في ظل غيابهم أنظمة وأعيد تشكيل المنطقة من جديد برعاية ودعم الأقوياء الذين كانوا يستضيفون حكام البلد في الفندق. سيبدو ذلك من غرائب الزمان لجيل يقرأ ما لم يعايشه.

أما الناشط السياسي علي السماوي فقد قال ساخراً: ما أسعد المليشيات بهكذا عدو. كنا نمني النفس طوال خمسة أعوام بالانتصار على الحوثي، والآن ندعو الله أن تبقى الوحدة فقط ولا نريد شيئاً آخر. يذكرني هذا المشهد البائس بمقولة للشيخ كشك يقول فيها (كنا نطالب بحرية القول، أصبحنا نطالب بحرية البول).

  • الشرعية.. أخطاء وكوارث

في طريقها المؤدي الى هذا الخراب الكبير الذي أصاب اليمن، ارتكبت قيادة الشرعية الكثير من الأخطاء التاريخية الكارثية والقرارات السياسية الطائشة، الأمر الذي أدى في المجمل الى سيطرة المليشيات على الدولة شمالاً وجنوباً وانحسار الدولة في مساحة جغرافية ضيقة في عدد من المدن مثل مارب وسيئون وتعز.

ويرى كثيرون أن الشرعية جنت على نفسها ، وقطعت يدها من الوريد إلى الوريد، قبل أن يجني عليها الآخرون، وأن السلطة التي كانت تحظى باعتراف أممي ودعم شعبي جارف حتى بعد الإطاحة بها من قبل الحوثيين في 2014م، لم تعد تحظى بأي شيء.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي أمجد الكمالي: لكم أن تتخيلوا مدى القهر الذي يشعر به اليمنيون. لم تحظَ سلطة قط بالدعم الشعبي والعربي والأممي كما حظيت به السلطة الشرعية في فترة الحوار الوطني وحكومة التوافق. لقد اجتمع كل سفراء العالم وممثلو الدول العظمى مع افتتاح أعمال مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء ليعبروا عن هذا الدعم.

مضيفاً: ستة ملايين ناخب يمني صوتوا لعبدربه منصور هادي كي يصبح رئيساً ويطيح بنظام علي عبدالله صالح، وهو رقم تاريخي لم يسبق أن ناله أي رئيس يمني من قبل. لكن هذه القيادة خذلت الشعب وسقطت في أول امتحان جدي (انقلاب الحوثيين).

يتابع القول: بالرغم من طعم الهزيمة المرة جدد الشعب ثقته وأعلن ولاءه للرئيس وللدولة والشرعية. ظن الجميع أن القيادة التي تعرّضت للانقلاب قد تعلمت ذلك الدرس القاسي جيداً، وأنها ستعود أقوى وسترجع مليشيات الكهنوت إلى الكهوف مرة أخرى.

ويضيف: لم يتغير جديد.. تواصلت الخيبات والهزائم. تلاشت الدولة شيئاً فشيئاً. والإنقلاب الذي أطاح به من صنعاء عاد ليطيح به من عدن. ويبقى أن ننتظر لنرى من سيطيح به من الرياض.

 

ونذكر هنا أهم وأبرز الخطايا والقرارات الكارثية التي اتحذتها الشرعية وأفضت الى المشهد الحالي:

  • التساهل والاستهتار

في كلا الانقلابين اللذين تعرضت لهما الشرعية في صنعاء وعدن كان الاستهتار هو الصفة التي طبعت أداء السلطة الشرعية منذ اللحظات الأولى لتشكل وتكون هذين التمردين.

وبالرغم من التحركات العلنية لمليشيات الانقلاب والتي كانت تجري على قدم وساق تحت أنظار السلطة الشرعية إلا أنها فضلت تجاهل الأمر وكأن شيئاً لا يحدث.

وفي هذا الصدد يقول مراقبون: العجيب هو حالة القصور الكبير عند الشرعية في فهم المتغيرات على أرض الواقع. تمشي مياه التمرد في كل وقت وحين من تحت أقدام هذه السلطة وكأنها لا تدرك المخاطر التي تتربص بها.

حدث ذلك مع بدايات التمرد الحوثي المسلح. بدأت الحركة الحوثية في اجتياح المناطق عسكرياً في 2013م. كانت البداية بقرية دماج بصعدة، ذات الوجود السلفي الكثيف. وبعد قتال عنيف تدخلت الحكومة اليمنية أنذاك وعقدت اتفاقاً بقضي بإجلاء أهل القرية من مساكنهم. وبعدها توالى مسلسل الاجتياح العسكري ليطال محافظة عمران حتى إسقاط العاصمة صنعاء في ظل غياب تام للدولة، وكأنها كيان هلامي.

ذات المشهد المأساوي تكرر في عدن. إذ شرعت الإمارات منذ الوهلة الأولى لتحرير المدينة في بناء المليشيات المسلحة والكيانات الموازية للدولة، وترسيخ أقدامها أكثر فأكثر في مدن الجنوب اليمني. وكلما أنجزت الإمارات إنشاء فصيل مسلح أعلنت الشرعية ضم هذا الفصيل الى الجيش الوطني.

  • الصمت وعدم المواجهة

يقول يمنيون أن مشكلة الرئيس هادي تتمثل في عدم استخدامه صلاحياته كرئيس، والاستجابة للإرادة الشعبية التي وضعته في هذا المنصب، إذ بقي الرجل متثاقلا في أداء مهامه، متجاهلا ممارسات الانقلابيين ضد الدولة، والمؤسسة العسكرية، وبقي وفياً لصمته، على حساب وفائه للإرادة الشعبية.

ففي صنعاء ظل الناس يراقبون التمرد القادم من صعدة وهو يجتاح المدينة تلو الأخرى ويقترب من العاصمة. وبينما كان الناس ينتظرون الدولة لتتحرك وتكسر هذا الزحف، وصل المتمردون الى مشارف العاصمة وأقاموا مخيماتهم على ضواحيها ثم دخلوها يبحثون عن دولة تواجههم لكنهم لم يجدوها.

وفي المشهد العدني تكرر هذا النهج، وإن بكثافة أشد. الشرعية التي كانت لا تملك جيشاً في صنعاء أصبحت تملك جيشاً قوياً وسلاحاً متعاظماً بعد الانقلاب. تأسس الجيش الوطني وتركزت قوته الضاربة في مارب. وفي عدن وبقية المدن الجنوبية توسع هذا الجيش.

وفي هذا الصدد يقول مراقبون: انكفأ جيش الشرعية بالرغم من قيام الإمارات بتجنيد الاف المليشيات وتسليحهم وإغراق عدن ومدن الجنوب بهذه الفصائل الخارجة عن سيطرة الدولة. كيف سمحت السلطة أصلاً بإنشاء هذه التشكيلات الموازية؟ كان من السهولة القضاء تماماً على كل هذه الفصائل المسلحة في بداياتها، لكن الشرعية لم تفعل.

وحينما قررت الشرعية المواجهة في صنعاء أو عدن كان الوضع قد حسم. احتاج الانقلاب الأول في صنعاء ليوم واحد للإطاحة بالشرعية والرئيس، واحتاج الانقلاب الثاني في عدن لأربعة أيام فقط للقيام بذات الشيء.

  • شرعنة التمرد

حينما دخل الحوثيون عمران وأسقطوا اللواء 310 مدرع وقتلوا القائد الرفيع في الجيش اليمني، اللواء حميد القشيبي منتصف عام 2014م، انتفضت اليمن وخرج الشعب في مظاهرة كبرى، منادياً الرئيس هادي بالتحرك وإعادة هيبة الدولة التي أريق دمها في عمران.

غير أن الرئيس هادي ظهر من عمران. قال كلمات تاريخية: الآن عادت عمران الى حضن الدولة.

كان هذا التصريح بحسب مراقبين شرعنة رسمية لتمرد مسلح ضد الدولة.

ويصف الكاتب منذر فؤاد هذا المشهد بالقول: كان هادي يبدو أسوأ من الأطرش في الزفة، كان يعلم حجم المؤامرة، وكان قادرا على إفشالها، لكنه آثر الانسحاب، وتخلى عن مسؤوليته في صيانة التراب الوطني.

وبينما كانت المليشيات المدعومة إماراتياً تجوب شوارع عدن لسنوات وتمنع الرئيس هادي والحكومة الشرعية من دخولها وتقمع كل الأصوات المناوئة لها، كان الرئيس يمتدح في خطاباته “الإشقاء الإماراتيين” ويثمن موقفهم “الداعم للشرعية”.

  • السذاجة السياسية

يقول الباحث البريطاني المختص في الشأن اليمني، براين ويتكر، في مقال نشر مؤخراً: “أن تخسر عاصمة فيمكن أن تتعذر بسوء الحظ والمؤامرة، ولكن أن تخسر اثنتين فهو غباء فادح وقلة اهتمام”، في نقد لاذع للسلطة الشرعية اليمنية.

يبدو هذا الأمر جلياً في الاستهتار الذي سبق انقلاب الحوثيين، لكن تقارير صحفية قالت أن عدم اكتراث الشرعية آنذاك بالتوسع الحوثي يرجع لسبب واحد: التماهي مع فكرة إماراتية حازت على قبول سعودي فحواها السماح للحوثي باجتياح عمران لإضعاف القدرات العسكرية لحزب الإصلاح، ومن ثم العودة الى صعدة. إلا أن الحوثي خدع الجميع وبدلاً من العودة الى صعدة واصل طريقه إلى صنعاء.

وتبرز أيضاً هذه السذاجة، بحسب مراقبين، في الاطمئنان لجماعة الحوثي حتى وهم على ضواحي صنعاء.

الأخطاء السياسية او ما يصفه اليمنيون بـ (الكوارث السياسية) تواصلت. انطلقت عاصفة الحزم وتشكل التحالف العربي بخطاب من رأس السلطة الشرعية (الرئيس). التحالف أعلن أنه قام بالشراكة مع الشرعية لدعمها وإسنادها لكسر انقلاب الحوثي، واستعادة المسار السياسي في اليمن، إلا أن ما حدث لاحقا كان العكس.

وهنا يقول المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: كل التحالفات الدولية تستند على شراكة لتحقيق مصالح مشتركة. وهذه الشراكة تكون دائماً مكتوبة وموثقة لضمان عدم تخلف أي طرف بالاتفاق القائم. الشرعية اليمنية احتاجت القوة العسكرية للتحالف العربي، والتحالف العربي احتاج من السلطة الشرعية “صك المشروعية” لتنفيذ ضرباته العسكرية ضد الحوثيين.

يتابع: لكن يبدو أن الشرعية وضعت كل بيضها في سلة التحالف. الشرعية التي ظلت لسنوات

مشاهد الهزائم كثيرة ومتعددة، وكما هي عادة البلدان الآيلة للسقوط، ثمة ثلة من الرجال الأقوياء الأوفياء الذين يمتشقون في اللحظة الختامية سيوفهم في وجه المؤامرات الخارجية والإنبطاح الداخلي. التاريخ يقول أم معظم هؤلاء الرجال سقطوا شهداء أو تم نفيهم من البلد لأن المعركة كانت قد حسمت حتى قبل أن تبدأ، ولأن القيادة كانت قد رهنت مصيرها ومصير بلادها الى العدو.

وكما خلد التاريخ اليمني أحمد الثلايا، سيخلد اليوم عدداً من الأسماء التي لا تقل وطنية وإخلاصاً، كالقشيبي والأبارة والشدادي وجباري وبن دغر والميسري والجبواني، يقول يمنيون.

ختاماً، قال الرئيس هادي يوماً ما أنه سيرفع العلم الجمهوري في مران. الآن يقرأ اليمنيون هذه العبارة بكثير من الضحك وكثير من الألم على واقع الحال. أما العلم الجمهوري فقد تكسر واحترق حتى قبل أن يرفع في عدن.

 

 

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق