تقيم الإمارات قواعد عسكرية في كل من اليمن وليبيا وأرض الصومال وإريتريا لتتخذها كمراكز لنشر الفوضى والتخريب في تلك الدول ومناطق مجاورة لها خدمة لأطماعها في النفوذ والسيطرة.
وبالنسبة لدولة محدودة المساحة، لا يزيد عدد مواطنيها على مليون نسمة، ولم تنل استقلالها إلا قبل نصف قرن قضت أغلبه متدثرة بحماية القوى العظمى، وفي ظل قوات مسلحة ليست ذات ترتيب متقدم بين مثيلاتها في العالم، بالنسبة لدولة كهذه، قد يغدو الحديث عن إقامة قواعد عسكرية في الخارج أمرًا خياليًا للغاية.
وحدها الإمارات أحالت الخيال حقيقة، ففي ظل شهور قليلة بسطت قواتها العسكرية في مناطق شتى من العالم، ساعية بذلك إلى تدعيم سياستها الخارجية بالقوة حينًا، وإلى امتلاك السيطرة على أحد أهم المضائق الاستراتيجية في العالم حينًا آخر، متسلحة في ذلك ، بميزانية شديدة السخاء قد لا يجاريها إلا طموح ولى عهدها وحاكمها الفعلي محمد بن زايد في القوة والسيطرة.
في اليمن: فضلًا عن جنودها المنتشرين في شتى أرجاء اليمن تحت مبررقتال قوات الحوثيين، عمدت اليمن إلى انتقاء مناطق ذات طبيعة استراتيجية لتستوطن فيها قواتها العسكرية، وفق ما اعتبره البعض “خطة مدروسة ومحددة سلفًا” لإحكام السيطرة على الضفة الشرقية من مضيق باب المندب وبحر اليمن.
أبرز الأهداف الإماراتية في اليمن كانت جزيرة محافظة سقطرى اليمنية، وهي عبارة عن أرخبيل من أربع جزر صغيرة تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى بسبب موقعها على المحيط الهندي بالقرب من خليج عدن، في 2016 وقع رئيس الحكومة المقال “خالد بحاح” اتفاقًا مع الإمارات لإعمار وتنمية سقطرى، ولم تتوقف زيارات وفود الهلال الأحمر الإماراتي عن الجزيرة، المستثمرون الإماراتيون صاروا ضيوفًا دائمين على أراضي سقطرى، وأعادت الإمارات تأهيل كافة مدارس الجزيرة، وبنت المستشفى الوحيد عليها هو “مستشفى خليفة”.
لكن العمليات الإماراتية على الجزيرة قد دخلت منحًى أكثر خطورة مع الأنباء عن خطط طيران “الاتحاد” لتسيير ثلاث رحلات يوميًّا بين أبو ظبي وسقطرى، مع تحضيرات لربط الجزيرة بشبكة اتصالات إماراتية، نقلت الطيور والحيوانات النادرة في الجزيرة -التي تصنّف بوصفها محميةً طبيعية- إلى حدائق أبو ظبي، وبموازاة ذلك دُفع بعشرات الآليات العسكرية الإماراتية إلى الجزيرة، كما دُرّبت دفعة من أبناء سقطرى على يد القوات الإماراتية، وقد دفعت كل تلك الإجراءات حول تأكيد الشكوك بخصوص نية الإمارات إحكام سيطرتها على الجزيرة تمامًا، بعيدًا عن سلطة الحكومة الشرعية في اليمن.
لم تكتف أبو ظبي بسُقطرى فقط، بل توجهت أنظارها إلى جزيرة ميون التي تقع في قلب مضيق باب المندب وتعد مفتاحًا للسيطرة على المضيق، وكانت تسريبات أمريكية أشارت إلى أن الإمارات قد حولت الجزيرة -التي استعادت الحكومة الشرعية السيطرة عليها قبل عامين- إلى قاعدة عسكرية، بدأت ببناء مدرج طائرات بدون علم الحكومة الشرعية برئاسة هادي.
كما تواترت الأنباء مؤخرًا عن قيام القوات الإماراتية بتفريغ ميناء “المخا” ذي الأهمية الاستراتيجية من كل شيء، لتقوم ببناء وحدات عسكرية لقواتها داخل الميناء الذي تحول لثكنة عسكرية إماراتية، وهو السيناريو نفسه الذي اتبعته قوات أبو ظبي في مطار الريان بمدينة المكلا.
في ليبيا: تسعى الإمارات إلى فرض أجندتها الإقليمية وتأكيد حضورها العسكري، لا تلتفت كثيرًا إلى تحذيرات الأمم المتحدة أو الخطوط الحمراء لمجلس الأمن، إذ أنها تستمر في تحدي القرارات الدولية بحظر تسليح الأطراف المتصارعة في ليبيا.
وكان موقع (IHS Jane) المتخصص في الشؤون العسكرية قد ذكر نهاية العام الماضي أن الإمارات أقامت قاعدة عسكرية في مدينة المرج شرقي ليبيا، الحديث هنا عن قاعدة (الكاظم) التي كانت ذات بنية تحتية متواضعة، قبل أن تحل بها مبانٍ جديدة وإنشاءات في حظيرة الطائرات التي استقبلت طائرات هجوم خفيفة وأخرى من دون طيار، فيما يبدو تكثيفًا لجهود الإمارات لدعم حليفها في ليبيا “خليفة حفتر”، بحسب الموقع البريطاني.
أرض الصومال: في الجزء الشمالي من الصومال ثمة إقليم ذو حالة فريدة يُدعى “أرض الصومال”»، مساحته أكثر من مليون كيلومتر مربع، وقوام سكانه أكثر من 4 ملايين ونصف المليون وفقًا لإحصاءات العام 2013، أعلن الإقليم انفصاله عن الصومال بعد انهيار الحكومة المركزية عام 1991، لديه شرطة وجيش وحكومة وبرلمان ودستور، لكنه يعاني من مشكلة كبرى وحيدة: لا أحد يودّ الاعتراف به باعتباره دولة على الإطلاق.
لكن يبدو أن الجغرافيا قد أهدت إلى الإقليم مفتاح فك العقدة أخيرًا، إذ تلقى حكام الإقليم خلال العام الماضي عرضًا مغريًا من الإماراتيين، سرعان ما تُرجم إلى اتفاقات متعددة الجوانب وحيدة الهدف، إذ وقّعت شركة “موانئ دبي العالمية” اتفاقًا بقيمة 442 مليون دولار، يقضي بالاستغلال الحصري لميناء “بربرة” أكبر موانئ البلاد وأهمها، الميناء الذي وصفه يومًا سفير بريطاني سابق بأنه “مفتاح السيطرة على البحر الأحمر”.
عوضًا عن الأموال التي ستتدفق على الإقليم الفقير، كانت الإماراتيون يجرون مفاوضاتهم مع “صومالي لاند” مباشرةً، غير عابئين بالاعتراضات الصومالية والأثيوبية، الأمر الذي كان يعني لـ”صومالي لاند” أكثر من مجرد صفقة تجارية، فها هو أخيرًا اعتراف دولي بسيادة الإقليم وحكومته.
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى كُشف الستار عن الأوجه الأخطر من الصفقة، حين وافق برلمان الإقليم بشبه إجماع على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية -بحرية وجوية- قريبة من الميناء، ووفق ما تسرب من بنود الاتفاق، فإن القوات الإماراتية لها أن تستخدم تلك القواعد ذات الموقع الاستراتيجي المتميز دون أي قيود على مهامها.
إريتريا: وفقًا لتقارير استخبارية، فإن ولي عهد أبو ظبي والقائم الفعلي بشؤون الحكم فيها محمد بن زايد قد كشف سابقًا أمام قادة عسكريين إماراتيين عن رغبته في “تعزيز دور البحرية الإماراتية” في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب، ويندرج ذلك ضمن خطة استراتيجية لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.
يمكننا إذن بسهولة فهم السبب الذي دفع الإمارات إلى مد الأبصار لتدعيم نفوذها العسكري على الجانب الغربي لمضيق باب المندب، يتمحور الحديث هنا حول ميناء “عصب” الإريتري، الذي حولته الإمارات من صحراء قاحلة إلى قاعدة جوية حديثة وميناء عميق المياه ومنشأة تدريب عسكري متطورة.
في أعقاب خلافات دبلوماسية أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وجيبوتي، البلد الذي كانت تطمح أبو ظبي إلى الاستفادة منه عسكريًا واقتصاديًا لتأمين طموحاتها في القرن الأفريقي، توجهت الأنظار إلى جارتها اللدود إريتريا، عقدت الإمارات اتفاق شراكة مع أسمرة قامت بموجبه بالاستفادة من عقد إيجار مدته 30 عامًا، استلمت بموجبه ميناء عصب العميق ذا الموقع الاستراتيجي، ومطار عصب المجاور، حتى تنشئ هناك قاعدتها العسكرية، وفي المقابل، مُنحت حزمة مساعدات اقتصادية للبلد الأفريقي، وتعهّدت بتحديث مطار أسمرة الدولي، وإنشاء بنيةٍ تحتية جديدة، وزيادة إمدادات الوقود إلى إريتريا.
وتعد قاعدة عصب أحد أهم خطوات الإمارات لإحكام قبضتها حول باب المندب، فضلًا عن خدمة طموحاتها في المنطقة، وقد لعبت دورًا في مساعدة القوات اليمنية وقوات التحالف العربي في استعادة مدينة عدن فيما عُرف بعملية السهم الذهبي.