في 30 إبريل 2018 استيقظت الجزيرة اليمنية الغافية في هدوء المحيط الهندي على ضوضاء كبيرة افتعلتها دولة الإمارات، الشريك الثاني في التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
بينما كانت محركات طائرات الشحن العسكرية ما تزال تضج، تدفقت مجاميع عسكرية لجنود إماراتيين من الطائرة، وانزلقت على أرض مطار جزيرة سقطرى، عربات مدرعة وأسلحة ثقيلة بينها بطاريات مدفعية.
وشق أفراد القوات العسكرية الإماراتية طريقهم في إتجاهين: قسم منهم قام بعملية انتشار في مرافق المطار وحرمه، وأنطلق القسم الثاني صوب حولاف، الميناء الرئيسي للجزيرة، وقاموا بالتمركز فيه، وطرد القوات اليمنية المكلفة بحراسته، تماما كما فعلت في المطار،ورفعوا علم بلادهم.
كان سلوكا صادما للسلطات اليمنية الشرعية، أثار سخط اليمنيين على وسائل التواصل، وبعد 3 أيام من السيطرة الإماراتية، خرجت مسيرات شعبية في الجزيرة تعبر عن غضب السكان من تصرفات الإمارات، وطالبوا بطردها من الجزيرة بشكل كامل.
تفاعلا مع الحدث، عبر اليمنيون عن غضبهم حيال السلوك الإماراتي على وسائل التواصل الإجتماعي ومنابر الإعلام، ليخرج مسؤولون إماراتيون بغطرسة موازية للسلوك العسكري أكدت أن أبوظبي كانت قد أعدت عدتها لمثل هذا اليوم و”حسمت” أمرها ” منذ زمن بعيد”.
سقطرى هي كبرى جزر أرخبيل مكون من ست جزر، يحتل موقعا إستراتيجيا في المحيط الهندي، قرب خليج عدن وعلى مقربة من سواحل القرن الأفريقي، أعلنها الرئيس اليمني قبل عامين محافظة جديدة، وهي محمية طبيعية ووضعتها اليونيسكو على قائمة التراث العالمي.
مسؤول إماراتي ..أمر سقطرى حسمناه منذ زمن بعيد
في 4 مايو 2018، أي بعد أربعة أيام من إستيلاء الإمارات على الجزيرة، كان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، يحاول تبرير إستيلاء وحدات عسكرية إماراتية لجزيرة سقطرى اليمنية، ومتهكما من اليمنيين، لأنهم اكتشفوا الجزيرة مؤخرا.
كتب قرقاش على موقع التدوين المصغر تويتر “إكتشف البعض جزيرة سقطرى مؤخرا ومن باب الطعن في التحالف العربي والإمارات”.
أضاف ” لنا علاقات تاريخية وأسرية مع سقطرى وأهلها، وفِي محنة اليمن التي تسبب فيها الحوثي سندعمهم في إستقرارهم وطبابتهم وتعليمهم ومعيشتهم”.
لكن السؤال : ما علاقة الحوثي الذي لم تطأ قدمه الجزيرة منذ الإنقلاب، وما علاقة إرسال وحدات عسكرية طردت القوات اليمنية ورفعت العلم الإماراتي، بحكاية تعليم الأهالي وتطبيبهم ؟
في الواقع كان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات ، يستعجل وضع النقاط على الحروف وفرض أمر واقع يتوجب على سلطة البلد الذي تمزقه الحرب منذ 4 سنوات التسليم به، وقد أوعز على مايبدو لأحد رجاله الخلص، ليقول للعالم الجزء الأهم، الذي لم يفصح عنه قرقاش.
في اليوم التالي لموقف قرقاش، أفصح عبدالخالق عبدالله المستشار السياسي لبن زايد، بشكل صريح عن الأطماع التي تخالج الإمارات في اليمن منذ زمن بعيد.
كتب المستشار عبدالله في 5 مايو 2018 على حسابه في تويتر “استيقظوا – يقصد اليمنيين – على سقطرى متأخرين. الأمر محسوم منذ زمن بعيد يا سادة يا كرام”.
مواربة الأطماع
كان رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر وهو نائب أمين عام المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس المعترف به دوليا هادي ، قد حل في الجزيرة قبل وصول القوات الإماراتية.
وفي بيان للحكومة اليمنية ، قال بن دغر إن الإمارات استولت بالفعل “عسكريا” على الجزيرة واعتبر أن هذا الاستيلاء “غيرمبرر” وهو بمثابة اعتداء صارخ على دولة ذات سيادة مثل اليمن.
في الأثناء، كانت الحكومة اليمنية تتخاطب مع السعودية باعتبارها قائدة التحالف العربي، وهي الجهة التي بعث اليها رئيس الجمهورية هادي طلبا 0بالتدخل لمساندته في مواجهة إنقلاب الحوثيين صالح بعد سيطرتهم على العاصمة الموقتة عدن ولم تتطرق الرسالة لأي دولة أخرى.
وقد حاولت الإمارات المضي بمخططها في سقطرى وقامت بإرسال المزيد من التعزيزات، لكن مساعي الرياض التي تقود التحالف العربي،أقنعت أبوظبي بالرضوخ وسحب قواتها وعودة الأمورفي الجزيرة الى ما كانت عليه قبل 30 إبريل.
وأرسلت الرياض قوات عسكرية بالتفاهم مع الحكومة اليمنية لتفادي أي تصعيد مع وجود سابق لقوات إماراتية محدودة في الجزيرة.
لمداراة فضيحتها، ذهبت أبوظبي تبحث عن غريم، تحمله مسؤولية الأزمة التي افتعلتها بسبب أطماعها وطيشها، في محاولة لإستثمار الإنقسامات اليمنية، فكان ما يسمى بالإخوان المسلمين وحزب الإصلاح اليمني شماعتها الأثيرة، وجعلتهم هدفا لحملة سياسة وإعلامية لا تتوقف،لتشتيت انتباه اليمنيين عن سلوكها العدواني، كما فعلت سابقا، وستفعل في وقائع لاحقة.
ردت الإمارات عبر وزارة خارجيتها وعبرت إبتداءً عن” استغرابها واندهاشها” من البيان الصادر من مكتب رئيس الوزارء الذي أظهر صلابة في التصدي لأطماع الإمارات وقرر البقاء في الجزيرة حتى مغادرة قواتها.
وألقت أبوظبي باللوم “على جماعة الإخوان المسلمين من خلال محاولة “تشويه” الوجود العسكري الإماراتي في كل المحافظات المحررة اليمنية بما في ذلك سقطرى”.
اختفت تصريحات عبدالخالق عبدالله عن “جسم ” الإمارات “أمرسقطرى منذ زمن بعيد” وحتى علاقات القرابة التي زعمها قرقاش بين بلده وأهالي سقطرى، تبددت، ليحل محلها الإخوان باعتبارهم ” سبب الأزمة” وهم من يستهدفون دور الإمارات، ويثيرون الزوابع.
كتب عبدالخالق عبدالله لاحقا، وهو يحاول إستدراك فضيحة انكشاف مخطط اكدته سوابق أخرى، أن “الإمارات في اليمن لافشال مشروع الحوثي الانقلابي واستعادة الشرعية لكن الحكومة اليمنية الشرعية عاجزة وفاسدة ومخترقة من الاخوان وتشغل الإمارات بمعارك جانبية”.
مساندة إيران من داخل التحالف
كانت واقعة الإستيلاء على جزيرة سقطرى الفاشلة، تقع في منتصف مجموعة أحداث، ظهرت فيها أبوظبي بصورتها الحقيقة ، كما يقول الكثير من اليمنيين.
خلافا لمزاعم المشاركة في تقويض النفوذ الإيراني في اليمن، تقوم الإمارات عمليا بخدمة الإنقلاب الحوثي، ومساندة النفوذ الإيراني، من داخل التحالف، بإضعاف حكومة الرئيس الشرعي هادي وإعاقة استكمال تحرير العديد من المحافظات، وإختلاق المشكلات والتأثير في الأوضاع الإقتصادية والعسكرية في أوقات حساسة.
منتصف الشهر الجاري، كشف قائد عسكري في ألوية الحماية الرئاسية عن مخطط إنقلابي تدعمه الإمارات في عدن، حيث يتم التحشيد والتجنيد من طرف التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الإنتقالي المدعوم من أبوظبي، للسيطرة على مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة وإغلاق الحدود بين الشمال والجنوب قبل وحدة عام 90م.
وتقول تقارير صحفية إن تدخلا سعوديا، أفضى الى تهدئة الموقف، وكالعادة حملت الإمارات وأذرعها الإعلامية والسياسية حزب الإصلاح المسؤولية واتهمته بالإفتراء.
الخطة “ب” في سقطرى ومحاولة الإنقلاب في شبوة
لم يدم الأمر طويلا ، حتى هاجمت خلال الأيام 18 و19 و20 يونيو الجاري، التشكيلات المدعومة من الإمارات، في كل من سقطرى ومحافظة شبوة، القوات والمرافق الحكومية وحاولت فرض سيطرتها على عتق عاصمة شبوة وميناء أرخبيل سقطرى.
في كلا المحافظتين استخدمت الإمارات تشكيلات مسلحة موالية لها، كالنخبة الشبوانية ومجاميع ” تخريبية” بحسب وصف السلطة المحلية في سقطرى تدعى ” الحزام الأمني”.
رغم فشلها في المرة السابقة في الإستيلاء على الجزيرة، فقد ظلت سقطرى بالنسبة لأبوظبي هدفا ثمينا، وضعت له المخططات والسيناريوهات المختلفة، وكانت إحداها الخطة “ب”.
ونشطت أبوظبي خلال الفترة الماضية على بناء تشكيلات مسلحة من أبناء الجزيرة، وهي الطريقة التي انتهجتها في وضع اليد على منشآت حيوية وجزر ومطارات وموانئ في عدن وشبوة وحضرموت، والمخا في الساحل الغربي.
جرى التمهيد للتحرك الأخير بإرسال قرابة 200 مجند لما يسمى الحزام الأمني، متجاهلة الرفض الدائم من قبل الحكومة اليمنية لوجود هكذا تشكيلات، ثبت ان وجودها يساعد في تقويض السلطة الشرعية وليس، مساندتها كما هي اهداف التحالف المعلن، وفقا لناشطين يمنيين.
للمرة الأولى في تاريخ الجزيرة المسالمة التي ظلت بعيدة عن كل أشكال الصراع السياسي طيلة الحقبة الماضية منذ الإستقلال عن بريطانيا عام 1967، انطلقت شرارات قتال ،دبرته الإمارات، فكان ظهر الثلاثاء الفائت 18 يونيو الجاري، يؤرخ لسقوط أول قطرة دم في الجزيرة في جريمة عبثية، حين هاجمت مجاميع مسلحة موالية للإمارات ميناء أرخبيل سقطرى بغرض السيطرة عليه.
الغضب اليمني العام .. طفح الكيل
يصف وزير الدولة ، أمين العاصمة اللواء عبدالغني جميل، وهو عضو اللجنة الدائمة في المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس هادي، محاولة السيطرة على ميناء أرخبيل سقطرى من قبل أذرع الإمارات بـالإحتلال، مطالبا الرئيس والحكومة باتخاذ قرار حاسم في هذا الامر ومكاشفه الشعب وتوضيح ما يجري للرأي العام.
وتساءل جميل مخاطبا الإمارات ” ماذا تريدون من سقطرى؟ لا يوجد فيها حوثي لا توجد فيها قاعده أو داعش أو اَي عناصر تخريبيه على الإطلاق” مؤكدا إنعدام أي مبرر للوجود الإماراتي فيها.
قال جميل إن الكيل قد طفح وتعهد في منشور له على صفحته بالفيسبوك بأن اليمنيين لن يكونوا ” شماعات وجسر عبور لاحتلال جزرنا وموانئنا وانتهاك سياده بلدنا مهما دفعنا الثمن”.
عقب فرض محافظ سقطرى رمزي محروس وهو قيادي محلي في الحزب الإشتراكي اليمني، سلطته على الميناء مستعينا بالجيش والوحدات الأمنية وخفر السواحل، أكد رئيس الحكومة معين عبدالملك مساندته للسلطة المحلية في تثبيت سيطرتها على الميناء وأكد دعمه للجيش والأجهزة الأمنية في إرساء الإستقرار في الأرخبيل.
بعد ساعات فقط من فشل سيناريو إسقاط سقطرى وإثارة الفوضى، حركت أبوظبي بيادقها في شبوة، فهاجمت قوات النخبة الشبوانية الموالية للإمارات مدينة عتق عاصمة المحافظة، وسيطرت على عدد من المرافق الحكومية، فاضطرت وحدات من الجيش الموالي للرئيس هادي مواجهتها.
ينتمي جميع أفراد الجيش الوطني في شبوة الى المحافظة نفسها،وقاد المواجهة مع التشكيلات الموالية للإمارات اللواء جحدل العولقي، الذي تعرض لمحاولة إغتيال لاحقا، لكنه نجا.
يقول وزير النقل صالح الجبواني، وهو قيادي سابق في حركة المعارضة الجنوبية في الخارج لنظام صالح إن أفراد النخب القبلية ومن يقف خلفهم يعلمون أنهم معزولين عن المجتمع”
وكتب على صفحته في تويتر معلقا على الأحداث في شبوة إن” القوى الكامنة في هذا المجتمع المتمثلة بعموم الناس الذين يستفزهم الإرتزاق وجرح كرامتهم الوطنية لم تخرج بعد”.
أما شفيع العبد وهو وكيل وزارة الشباب والرياضة و قيادي محلي في الحزب الإشتراكي بشبوة، ومن أوائل المؤسسين للحراك الجنوبي فقد كتب على صفحته في فيسبوك “محافظة شبوة هي قبلة الصراع الجديدة، التي ينشط فيها وكلاء الأجنبي ويفردون عضلاتهم على مؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية”
وأضاف المسؤول الحكومي في إشارة الى النخبة الشبوانية المدعومة من الإمارات ” لا تعوزهم الذريعة بل لايلتفتون لها، المهم لديهم تنفيذ التوجيهات القادمة من بلحاف أو من خارج الحدود”.
كان اللافت أن هذه التحركات العسكرية، تأتي في خضم تطورات محلية واقليمية حساسة، حيث يتغاضى المجتمع الدولي عن تلاعب الحوثيين بتنفيذ اتفاقات رعتها الامم المتحدة، ويتم استهداف المملكة العربية السعودية من أذرع إيران.
وتزامنت تحركات الأذرع الموالية للإمارات في الجنوب مع اطلاق عملية عسكرية واسعة لتحرير محافظة البيضاء وسط البلاد، كرد ميداني على هجمات الحوثيين الباليستية طائرات الدرونز على المنشآت الحيوية السعودية والمطارات، على ما تقول مصادر عسكرية يمنية.
سبق هذه التحركات اتهامات للإمارات وأذرعها بمنع الإمدادات عن القوات الحكومية في جبهات القتال في المناطق الحدودية السابقة، وإسقاط جبهات لتمكين الحوثيين من التموضع في الشريط الحدودي والمراوحة هناك في حرب استنزاف ، تمهيدا لتفاهمات تنتهي بالاعتراف بسلطة الحوثيين في الشمال وتمكين الإنتقالي في الجنوب، وهو ما أكدته تغريدات مسؤولين في ابوظبي.
ضبط الإمارات متلبسة بتمزيق البلاد
كتب ضاحي خلفان قائد شرطة دبي السابق والمعروف بقربه الشديد من محمد بن زايد معبرا عن رغبة حاكم الإمارات ” عودة دولة الجنوب العربي بناء على رغبة ابنائها قبل احتلالها من اليمن الشمالي مطلب شرعي…لماذا يحرم اهل الجنوب من إستعادة دولتهم كما كانت.؟؟؟”
كانت هذه التغريدة كفيلة بإشعال غضب اليمنيين، فضلا عن تأكيد أجندة الإمارات التي تحيك الدسائس تحت لافتة التحالف.
الكاتب الصحفي اليمني سام الغباري وهو عضو في المؤتمر الشعبي العام وأحد المؤيدين البارزين للرئيس السابق صالح وللتحالف كتب ردا على هذا النحو:
“عودة إقليم عُمان بشكله الجغرافي الواسع بما فيه دبي وابوظبي مطلب حيوي للمنطقة العربية، لماذا يُحرم المواطنون هناك من العودة إلى وضعهم الطبيعي ضمن “إقليم عُمان” .
أضاف الغباري في تغريدة على تويتر مرفقا تغريدة خلفان “تساؤلات مهمة لإسترداد الحق العُماني في الأراضي التي باتت تُعرف بإسم الامارات العربية المتحدة “.
تحول الغضب الشعبي اليمني الى هاشتاج رائج بقوة في تويتر، يطالب بطرد الإمارات من اليمن وإنهاء مشاركتها في التحالف.
هل تدق الإمارات مسمارا في نعش دول المنطقة
عاد الإشتراكي السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر من جديد الى الواجهة لكنه هذه المرة لم يعد رئيسا للوزراء، ولا زال نائب أمين عام المؤتمر الشعبي الموالي لهادي.
دق بن دغر ناقوس الخطر محاولا إيقاظ اليمنيين من سباتهم، وتحدث بلا مواربة عن مخطط تقسيم، قال إنه نجح في مؤامرته الأولى بالإنقلاب في إنتاج ” دولة إيرانية الولاء والنهج والهدف في الشمال، ودولة أودويلات هزيلة ضعيفة مسلوبة الإرادة والكرامة في جنوب اليمن”.
كان الرجل حريصا على تقديم الشكر للسعودية والتقدير لقادتها، وحددها بالإسم متجاهلا الإمارات، مؤكدا أن ما حدث في صنعاء من قبل مليشيا الحوثي، يجري في عدن، وأن بعضا من التحالف في إشارة للإمارات يسعى لتقسيم اليمن .
وقال بن دغر في مقال على صفحته بالفيسبوك إن” الغالبية الساحقة من أبناء اليمن يشعرون بغضب شديد إزاء سياسات التقسيم التي يمارسها البعض، المصحوبة بعنف الأتباع”.
وأضاف “اليوم تسال الدماء وتزهق الأرواح في سقطرى وشبوة وعدن، وغداً ستسفك في أبين ولحج وحضرموت والمهرة، لتمتد لباقي محافظات الوطن، أسلحتكم تفتك بالشعب والوطن اليمني”.
خاطب التحالف، بأن مصير دوله سيكون التقسيم وان اليمن ليست سوى العتبة الأولى للمخطط، وقال إن “قضية الجنوب التي تستخدمونها حصان طروادة على عدالتها وحق أهلها في الانصاف هي قضيتنا، وهي بدرجة أولى شأن يمني”.
وشدد بن دغر على ضرورة مغادرة “الشعب بكل مكوناته وأبنائه المخلصين الصمت، وعدم ترك الأمور للغير ليقرروا مصير البلاد، ومصيرهم”.
في الوقع لم يكن بن دغر يعبر عن موقف شخصي فحسب، بل كان يعبر عن غالبية اليمنيين، فقد حققت مقالته إنتشارا واسعا وكان الأكثر قرءاة وتداولا على مختلف منصات التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية اليمنية ونشرات الأخبار العربية.
الإنفجار الوشيك
وارتفع الصوت اليمني، كاحتجاج وتحذير، وتعبيرا عن اقتراب الأمر من إنفجار وشيك.
يقول عضو مجلس الشورى اليمني، علي حسن البجيري بحسم، إن طرد الإمارات من اليمن وقطع العلاقات معها نهائياً “مطلب شعبي يمني”.
البجيري، وهو شاعر شعبي ذائع الصيت وأحد المؤسسين للحراك الجنوبي الذي رفع شعار المطالبة بالإنفصال إبان فترة حكم الرئيس السابق صالح، تغيرت مواقفه بصورة جذرية منذ دخلت الإمارات في الحرب.
كتب البجيري على صفحته بتويتر إن الثقة بالإمارات التي وصفها بالدولة الخبيثة ” انتزعت عند كل اليمنيين ..”، داعيا الشعب اليمني الى الثورة من أجل كرامته.
كان القيادي الإصلاحي الوحيد الذي خرج عن التزام حزبه الصمت حيال الأحداث، هو عضو مجلس النواب علي عشال الذي ينتمي لمحافظة أبين، مسقط رأس الرئيس هادي.
دعا عشال قيادات البلد الرسمية والحزبية وأعضاء مجلس النواب وأعضاء الحكومة مغادرة ما سماها مربعات الصمت.
شبه عضو مجلس النواب، ما يحدث في المحافظات الجنوبية، و” حالة الصمت العجيبة ” بالحالة التي عاشتها البلاد عشية سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
في منشور له على صفحته بتويتر، قال عشال بشكل حازم” لن يرتدع أي عابث بأمن واستقرار اليمن مالم يقف الجميع صفا واحدا، ليقولوها بالفم المليان .. لن نسمح لطرف في تحالف دعم الشرعية أن ينحرف عن أهداف هذا التحالف “.
السجل الأسود
تحتفظ المشاركة المشبوهة للإمارات في التحالف، بسجل أسود حافل بالأحداث والممارسات التي جعلت معظم اليمنيين يضعونها في خانة أقرب الى العدو.
ارتبط إسم الإمارات في اليمن، بجرائم تصفية قيادات في المقاومة الجنوبية والقتل المتسلسل لأئمة المساجد والناشطين السياسيين والمدنيين.
وحضرت، طوال فترة الحرب، بشكل مكثف في التقارير والتحقيقات الصحفية الغربية والدولية ككيان شرير،وفقا لتوصيفات صحفيين وكتاب يمنيين، تعاقد مع فرق مرتزقة أجانب بينهم إسرائيليين لقتل اليمنيين، وإدارة السجون السرية، المكتظة بكل أشكال الفظاعات والتعذيب الوحشي.
كانت واقعة منع طائرة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي، من الهبوط في مطار عدن مطلع فبراير 2017 من قبل القوات الإماراتية، إحدى أبرز المحطات التي تسلط الضوء على حقيقة ودوافع دور أبوظبي في التحالف، تبعها جريمة قصف بطائرات الأباتشي، على وحدات عسكرية موالية للرئيس في نفس المطار.
وقد أستدعت خبرتها في هندسة الإنقلابات، وتحولت المهمة التي زعمتها بالمشاركة في إنهاء إنقلاب الحوثي وعودة الرئيس الشرعي، الى مهمة على النقيض تماما .
في 28 يناير 2018 اتهمتها الحكومة اليمنية بتدبير وتنفيذ إنقلاب على الرئيس الشرعي هادي في عدن بواسطة أذرعها التابعة للمجلس الإنتقالي الجنوبي بمشاركة مباشرة لطائرات الأباتشي التابعة لها في قصف معسكرات الحماية الرئاسية، وتسببت المحاولة في مذبحة دامية راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل بينهم مدنيين.
كانت المحاولة الإنقلابية، تأكيدا لا يقبل الشك، بأن الإمارات تقوم بعملية طعن غادرة لليمنيين، وقد ألقت بكل ثقلها لمنع استكمال تحرير المحافظات وافتعال معارك جانبية وبناء تشكيلات متطرفة لاستنزاف الجيش كما حدث في تعز والمشاركة في حصار المحافظة التي ظلت لأربع سنوات جزءا من اختصاصها الحصري.
غنائم أبوظبي في معارك التحالف
بالنسبة لدولة أظهرت أطماعها بصورة صريحة، فقد توجت مشاركتها في الحرب بما تعتقد أنها مجموعة غنائم وجب التصرف فيها كحق مكتسب.
تسيطر القوات الإماراتية على موانئ، عدن وشبوة وحضرموت وابين والمخا، ما تسبب في إعاقة الحركة التجارية في عدن وإغلاقها في البقية، بالإضافة الى المطارات في عدد من المحافظات، وعرقلت مراراً وصول الأموال المطبوعة إما عبر الموانئ أو المطارات، ووجهت لها اتهامات بالضلوع في انهيار الريال اليمني والتلاعب بأسعار العملات، جنبا الى جنب مع الحوثيين.
وحولت أبوظبي منشأة بلحاف الغازية الضخمة الى ثكنة عسكرية لقواتها، مانعة الحكومة من إستئناف تصدير الغاز، والحصول على عائدات سنوية تصل الى أكثر من 2 مليار دولار، يقول الإقتصاديون إنها ستساعد البلاد حتما في التحفيف من تبعات الحرب.
بدون علم الحكومة اليمنية أنشأت قواعد عسكرية في جزيرة ميون والمخا، وعقب فشل محاولتها السيطرة على جزيرة سقطرة في مايو 2018، حاولت مرة أخرى بإرسال مسؤولين نهاية نفس العام، يقومون باستغلال حاجة مواطني الجزيرة لاستمالتهم، بواسطة الإغراءت المادية، وظهر أحدهم على مقطع فيديو وهو يكرر ماتحدث عنه عبدالخالق عبدالله وقرقاش بطريقة أكثر وضوحا: سنعيد “سقطرى” للإمارات ونمنح أبناءها جنسيتنا.
في مايو الفائت، خرج نائب رئيس الوزراء اليمني، وزير الداخلية أحمد الميسري، وهو قيادي في المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس هادي، بتصريحات نارية، شن خلالها هجوما حادا على سلوك التحالف في اليمن.
قال الميسري، إن التحالف جاء لمساندة الشرعية في تحرير البلاد وليس المشاركة في إدارة المناطق المحررة. وفي وقت سابق قال إن هناك أطرافا تعمل على إشعال حرب داخلية في إشارة الى الإمارات.
وفي العامين الأخيرين للحرب،اشتعلت في المحافظات الجنوبية مسيرات ومظاهرات احتجاجية مزقت أعلام الإمارات وصور بن زايد، واتسعت رقعة العبارات المكتوبة على الجدران المطالبة برحيل ما أطلقوا عليه الإحتلال الإماراتي .
مأزق الإمارات .. شماعة الإخوان وحزب الإصلاح في الواجهة مجددا
في الأحداث الأخيرة التي شهدتها سقطرى وشبوة، كنسخة أخرى للفوضى والإنقلابات المدبرة للدولة التي تلعب دورا محوريا في التحالف، تصاعد الغضب اليمني على نحو غير مسبوق، لتجد الإمارات نفسها في مواجهة يمنيين ساخطين من مختلف المشارب والمحافظات.
وبينما دفعت أبوظبي إعلاميين ومسؤولين مقربين من دائرة صنع القرارا، وضباطا معروفين للكتابة عن استعادة دولة الجنوب، كمشروع تحاول الإمارات الإختباء خلفه لتحقيق أجندتها الخاصة، ركظت مجددا عبر وسائلها المختلفة وأجهزتها وموظفيها لاستدعاء من تصفهم بالاخوان المسلمين، وحزب الإصلاح، لإختزال المعارضة الشعبية الواسعة لمشروعها والتقليل من شأنها، في محاولة لغسل جرائمها في البلاد، وكذلك فعل الناشطون والكتاب اليمنيون المدعومين منها.
يقول الكاتب الصحفي همدان العلي وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام ، “المطالبون بالانفصال اليوم يشنون حملات إعلامية ضد كل شخص يرفض تقسيم اليمن ويتهمونه بالأخونة وأنه يعمل ضد المملكة العربية السعودية. شغل لئيم وخسيس”.
وكتب على حسابه في تويتر، واصفا هذا السلوك “بالارهاب والتحريض والافتراء والكذب “.
وأضاف ” ربما تستطيعون خداع الناس لفترة، لكن الحقيقة لا تغيب طويلا”.
في الواقع لا تفعل الإمارات شيئا جديدا حين تحاول إخفاء أطماعها وأجندتها التخريبة باستدعاء خصومة الإصلاح، فالثابت أنها فعلت ذات الأمر وهي تشارك في التخطيط والتمويل لانقلاب الحوثي صالح في 21 سبتبمر 2014، مستغلة انقسامات وخصومات اليمنيين السياسية، لتجريعهم سم الإنقلاب المميت بكل تداعياته القاتلة.
في مقابلة موثقة مع قناة روسيا اليوم كشف ضابط الإستخبارات السعودي اللواء أنورعشقي قبل 3سنوات أن دولة خليجية دفعت أموالا طائلة للحوثيين قبل الإنقلاب من أجل القضاء على حزب الإصلاح.
المؤكد أن تلك الدولة، لم تكن سوى إمارات محمد بن زايد.