عدن نيوز – متابعات.
منذ إصدار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارين بإقالة محافظ عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي اليمن) عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة هاني بن بريك، توقفت كل القرارات إثر تشكيل ما عرف بـ«اللجنة الثلاثية» التي يفترض أن تمتلك صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات خاصة المتعلقة بإقالة وتعيين مسؤولين حكوميين مدنيين وعسكريين.
مؤخراً أصدر هادي عدة قرارات أبرزها إقالة محافظي المحافظات الشرقية (حضرموت وشبوة وسقطرى) وتعيين بدلاء عنهم، وكان صدور هذه القرارات في إجازة العيد تالياً لعودة النائب المقال للرئيس السابق خالد بحاح إلى مطار الريان بمدينة المكلا على طائرة خاصة، وحظي باستقبال لافت من قبل قيادة قوات التحالف هناك، وتغطية إعلامية مكثفة.
من الواضح أن الرئيس هادي اتخذ القرارات الأخيرة بعيداً عن موافقة أو علم «اللجنة الثلاثية» التي تم تشكيلها مؤخراً وتضم ممثل عن المملكة السعودية، وممثل عن الإمارات، ويرأسها نائب الرئيس اليمني.
ومهمة اللجنة اتخاذ القرار في الشأن اليمني، وبالتالي فإن قرارات إقالة الثلاثة المحافظين الذين أعلنوا تأييدهم لما سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي كانت بمثابة رد عملي من هادي لوضع «اللجنة الثلاثية»، التي رأى فيها تقييداً له ونزعاً لصلاحيته، أمام الأمر الواقع ولإيصال رسالة واضحة مفادها أنه هو الرئيس ووحده من يحق له اتخاذ القرار.
وما يؤكد أن الرئيس مضى في قراراته الأخيرة بعيداً عن «اللجنة الثلاثية» ما شهدته مدينة عدن خلال الأيام الفائتة من تصعيد من قبل أطراف محلية تتبنى خيار الانفصال وتتلقى الدعم من دولة الإمارات.
كيف جاءت «اللجنة الثلاثية»؟!
خلال شهر إبريل الماضي وصلت الأزمة بين الرئيس هادي وأطراف التحالف لذروتها، بإصدار الرئيس قراراً قضى بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك وأحال الأخير للتحقيق.
كان هذا الحدث تتويجاً لحالة من التأزم بلغت حد عدم قدرة الرئيس والحكومة على العودة إلى عدن، خصوصاً بعد المواجهات المسلحة التي شهدها مطار عدن والتي انتهت بإفشال قرار رئاسي بإخلاء المطار من القوات المتمركزة فيه وتسليمه لقوة جديدة تتبع قوات الحماية الرئاسية التي أشرف هادي على تشكيلها بقيادة نجله ناصر منصور هادي.
القرار الجمهوري بإقالة عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، وهما شخصيتان مدعومتان من دولة الإمارات الشريك الأبرز في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، اتخذه الرئيس هادي دون التشاور مع قيادة التحالف أو حتى مع المسؤولين الذين يتمكن من التواصل معهم في السعودية.
كان هذا القرار واحدة من المفاجآت التي اعتاد الرئيس هادي أن يعملها حين يتعذر عليه الحديث إلى المسؤول الأول في المملكة.
قبل اتخاذ هذا القرار كان التحالف، أو بمعنى أدق الجانب الإماراتي، قد أصر على إخراج القوات التابعة للرئيس هادي من عدن وتم توقيع اتفاق على إخراج ألوية الحماية الرئاسية إلى تعز ومحافظات أخرى وتسليم عدن كلياً لقوات الحزام الأمني التي يقودها هاني بن بريك وأشرفت على تشكيلها دولة الإمارات وتعتبر تابعة لها مالياً وعملياتياً وهي التي تكفلت بتسليح وتدريب عناصرها، خاصة بعد أن أثمرت الضغوطات بإخراج ناصر عبدربه منصور هادي قائد قوات الحماية الرئاسية من عدن، وبدأ مؤخرا تطبيق القرارات الخاصة بإخراج القوات التابعة للرئيس من عدن.
في اليوم التالي لقرار إقالة المسؤولين في عدن الزبيدي وبن بريك وتعيين محافظ جديد للمدينة، تلقى الرئيس هادي دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للقائه في مقر إقامته بمدينة جدة الساحلية، وكان اللقاء حاسماً إذ خرج بالتوقيع على تشكيل «اللجنة الثلاثية» تكون هي المعنية باتخاذ القرار في اليمن.
وبغض النظر عن ملابسات اتخاذ قرار تشكيل اللجنة وما إذا كان قد حاز على موافقة هادي، أم أنه قد تم تمريره باستخدام أسلوب المفاجأة والإحراج، إلا أنه شكل منعطفاً مهماً في القضية اليمنية حيث ينص الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية تتكون من ممثل للمملكة العربية السعودية وآخر ممثل عن دولة الإمارات ويرأسها الجانب اليمني ممثلاً في نائب الرئيس الفريق علي محسن صالح.
وتضمن الاتفاق تفويضاً لهذه اللجنة بصلاحيات واسعة لا تتوقف عند اتخاذ قرارات تعيين وعزل المسؤولين الحكوميين، وإنما يتعداها إلى إدارة المعركة مع الانقلابيين ومتابعة تسيير شؤون الدولة.
الاتفاقية التي نصت على تشكيل هذه اللجنة، لم يخرج للإعلام أكثر من عنوانها، إلا أنها بدت لهادي وفريقه، عقب التوقيع عليها، نسخة أخرى معدلة من مبادرة كيري التي كانت بنود فيها تنص على نقل صلاحيات الرئيس هادي إلى نائبه الذي كان حينها خالد بحاح، وكانت هذه النقطة واحدة من أهم دوافع الرئيس هادي لإقالة بحاح وتعيين علي محسن صالح بدلاً عنه في محاولة منه لإسقاط فكرة نقل صلاحياته للنائب.
يبدي الرئيس هادي تململاً كبيراً تجاه طريقة القوات المسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن في التعامل مع الشرعية ومسؤوليها، وبدا منذ عدة أشهر أن عودة الرئيس إلى هناك باتت شبه مستحيلة مادام أن القوات التي تسيطر على عدن، بما فيها أهم المرافق (المطار والميناء)، لا تدين له بالولاء ولا يتلقى قادتها أوامرهم منه مباشرة، خاصة حين يستعيد لحظة منع طيارته من الهبوط في مطار عدن في عودته الأخيرة وأجبر حينها على تغيير وجهتها مؤقتاً إلى جزيرة سقطرى.
وفي المقابل فإن الإمارات التي تسيطر عملياً علي مساحة واسعة من محافظات جنوب اليمن باتت ترى أن طريقة هادي في إدارة شأن البلد والقرارات التي يصدرها لا تنسجم مع طبيعة الشراكة التي كانوا ولا يزالون طرفاً فاعلاً فيها.
في مارس الماضي زار الرئيس هادي الإمارات في محاولة لإزالة سوء الفهم الحاصل بين الطرفين وحاول اللقاء بشكل مباشر مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد إلا أن تلك الزيارة فشلت بعد أن وجد في استقباله ضباط صغار، ولم تمتد زيارته لأكثر من ساعتين عاد فيها على الفور إلى الرياض، وكانت نتائج الزيارة عكسية إذ عززت الفجوة بين الطرفين.
بعد أيام من الزيارة الفاشلة التي قام بها الرئيس هادي لدولة الإمارات قام السفير الإماراتي في اليمن بزيارة نائب الرئيس اليمني علي محسن صالح في مكتبه بالرياض، وكانت هي أول زيارة له منذ تعيينه نائباً للرئيس قبل عام، بعد أن كان قرار تعيين محسن وبن دغر خطوة غير مرحب بها إماراتياً.
تلك الزيارة ربما تفسر تضمين اتفاقية تشكيل «اللجنة الثلاثية» لاسم علي محسن صالح، بصفته نائباً للرئيس، رئيساً للجنة المخولة بصلاحيات واسعة في إدارة الشأن المدني والعسكري، حيث حمل اللقاء رسالة مفادها قبولاً جزئياً من الإمارات للنائب محسن واستعدادها للعمل معه عبر لجنة ستكون الكفة فيها بالتأكيد للقوتين الرئيسيتين في التحالف العربي اللتين تمسكان الملف اليمني كلياً.
ومع ذلك فإن صحفاً إماراتية لم تتوقف عن مهاجمة نائب الرئيس (الحليف والخصم في آن واحد).
إلا أن «اللجنة الثلاثية» فشلت في المهمة الأولى التي كانت مطروحة أمامها عقب تشكيلها وهي معالجة الأزمة التي خلفتها قرارات إقالة محافظ عدن ووزير الدولة بن بريك الذي يعتبر الذراع الأيمن للإمارات في عدن، وهو قائد قوات الحزام الأمني، حيث تبع هذا القرار تحرك سريع من عيدروس وبن بريك ومحاولة تفعيل مساعيهما الرامية لفك الارتباط عبر الدعوة لمظاهرة حاشدة تم من خلالها إشهار ما سمي «إعلان عدن التاريخي».
وحسب التسريبات التي أشاعتها مواقع إخبارية على صلة وثيقة بجلال نجل الرئيس هادي، فإن «اللجنة الثلاثية» حينها توصلت إلى مقترح بتعيين عيدروس وهاني بن بريك في منصبين حكوميين شريطة التراجع عن التحضيرات لإعلان ما سمي بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي».
إلا أن ذلك المقترح أثار غضب الرئيس هادي الذي اعتبر تسوية وضعهما عن طريق تعيينهما في مواقع حكومية ضربة للقرار الذي أصدره وفي نفس الوقت يمكن لهذه الخطوة أن تقضي على ما تبقى من هيبة الرئيس هادي خصوصاً بعد تجربة الفشل في حسم معركة السيطرة على مطار عدن التي كان للطيران الإماراتي القول الفصل فيها.
وكما تعرض الرئيس هادي لحملة إعلامية عقب قرار إقالة عيدروس وبن بريك وكان لشخصيات إماراتية رفيعة الضلع الأكبر فيها، فقد هاجم إعلاميون ونشطاء نائب الرئيس واتهموه بالاشتراك مع الإمارات في مؤامرة لإعادة تعيين عيدروس وبن بريك، إثر مقترح أقرته «اللجنة الثلاثية» بتسوية وضعهما وهو الأمر الذي لم يتم خاصة أن الرجلين مضيا في التصعيد وأعلنا في وقت لاحق عن تأسيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» وتم استدعاؤهما إلى الرياض لينتقلا بعدها إلى أبو ظبي قبل عودتهما مؤخراً إلى عدن لتنظيم فعالية ٧ يوليو واستكمال ترتيب وضع المجلس الذي هاجم الحكومة واتهمها بالفشل ولوح بإمكانية التدخل لإدارة الأوضاع في الجنوب.
هادي وقع حينها على تفويض اللجنة الثلاثية، التي لم يتمكن محرر «المصدر أونلاين» من الاطلاع على تفاصيلها.
وكل ما رشح عنها هو أنها تتضمن نقل جزء واسع من صلاحيات الرئيس لهذه اللجنة، إلا أن هادي وفي وقت لاحق شعر أنه وقع في الفخ ويبدو أنه مؤخراً التقط الفرصة لاستعادة صلاحياته من خلال إقالة ثلاثة محافظين دفعة واحدة وتعيين قادة عسكريين في مواقع مهمة.
اتخذ هادي القرار في إجازة العيد حيث لا اجتماعات «اللجنة الثلاثية»، ولم يتأكد المصدر أونلاين» ما إذا كانت اللجنة لا تزال تعقد اجتماعاتها بعد أن وجدت نفسها مطالبة بمهمة تبدو شبه مستحيلة، بالإضافة إلى أن التطورات الميدانية الأخيرة توحي بافتراق أكبر بين أجندة الرئيس هادي وأجندات التحالف التي تشعبت ولم تعد منحصرة في «دعم الشرعية» وإنهاء الانقلاب.
ومع أن انحياز الرئيس هادي والحكومة اليمنية للسعودية والإمارات في الأزمة الأخيرة التي تشهدها دول الخليج قد منحت هادي نقاط قوة، إلا أن ذلك لا يمنع دول التحالف من التمسك بفكرة أن شراكتها في المعارك على الأرض تمنحها الحق الكامل في الشراكة في اتخاذ قرارات العزل والتعيين في المواقع المهمة، خاصة أن إقالة محافظ حضرموت اللواء أحمد بن بريك جاءت عقب عودة الرجل للتو من (أبو ظبي) بعد أن قضى فيها قرابة شهر والتقى بكبار المسؤولين هناك، وبدا في خطاباته كلها يتحدث بلغة الواثق من أن عزله بات في حكم المستحيلات.
مصدر حكومي، تحدث إلى «المصدر أونلاين»، اعتبر قرارات هادي الأخيرة بمثابة إعلان وفاة للجنة الثلاثية ورسالة للمعنيين بأنه يمكن البحث عن صيغة أخرى للتنسيق والتشاور في القرارات التي يجب اتخاذها بما يدفع باتجاه بسط نفوذ الدولة على كافة المناطق المحررة واستكمال معركة تحرير المحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين وصالح. في إشارة من المسؤول إلى أن قرار تشكيل «اللجنة الثلاثية» الرامي إلى نزع صلاحيات هادي لم يكن منطقياً، و«بالتالي من الطبيعي أن تموت هذه الفكرة قبل أن تبدأ» على حد تعبير المصدر.
- المصدر : المصدر اونلاين