يعتبر مراقبون أن العد العكسي للتهور الإماراتي في اليمن قد بدأ، بعد أن بلغ ذروته خلال سعي أبوظبي بشتى الطرق والوسائل، لمنع انعقاد البرلمان اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، حتى اضطرت الحكومة لترتيب الاجتماع في مدينة سيئون عاصمة مديريات وادي حضرموت السبت الماضي.
ولم تكتفِ الإمارات بتلك العرقلة، بل سعت للحيلولة دون انعقاده في سيئون، وأوعزت إلى أتباعها بمقاطعة الجلسات. لكن المحصول كان مخيّباً لها، ويدلّ بشكل قاطع على أنها فشلت في مسعاها، ولم تستطع التأثير سوى على نسبة ضئيلة من النواب.
عديدة هي أخطاء وخطايا أبو ظبي في اليمن، لكن أحداً لم يكن يتوقّع أن تصل بها الجرأة للعمل بشكل حثيث وبأساليب مباشرة وغير مباشرة، لإفشال التئام البرلمان، خصوصاً أنّ مثل هذا التصرّف سيترك بلا شكّ، أثراً سلبياً تجاهها من شريكتها في التحالف المملكة العربية السعودية، التي جنّدت إمكانات عدّة لإنجاح الاجتماع.
وحصدت السعودية ثناءً خلال كلمات المسؤولين اليمنيين غداة أعمال ما سمي بالجلسة الإجرائية غير الاعتيادية للبرلمان السبت الماضي، بينما خلت كلمة الرئيس عبدربه منصور هادي تماماً وعلى غير المعتاد، من أي إشارة للإمارات من قريب أو بعيد.
أما رئيس البرلمان سلطان البركاني، وعلى الرغم من كونه قَرَن الرياض وأبوظبي في معرض شكره، في أول كلمة له بعد انتخابه في الجلسة نفسها، إلا أنه أكّد بشكل واضح وصريح، أنّ البرلمان “لن يقبل الانتقاص من سيادة الشعب اليمني على أرضه”. وبالطبع، فإنّ من يسمع هذا التصريح لا ينصرف ذهنه إلا إلى طرف واحد وهو الإمارات، علاوة على طهران بطبيعة الحال.
من هنا، يمكن فهم سبب الخوف الإماراتي الشديد من عودة الحياة لعروق البرلمان ووقوف أبوظبي ضدّ انعقاده، وذلك لكونه المؤسسة الأقدر على رفض الممارسات الإماراتية التي تمسّ السيادة، من دون الالتفات للحسابات السياسية والدبلوماسية المقيّدة لبقية المؤسسات، ومنها الرئاسة ومجلس الوزراء.
ومن شأن هذا الضغط البرلماني، أن يحاصر أبوظبي على الأرض، ويعطي الحكومة مساحة كافية لتعزيز سلطتها في كل المحافظات الخاضعة للشرعية، وإن بشكل متدرّج. وبالتالي، فإنّ نجاح التئام البرلمان والترحيب الدولي الذي أعقبه، بقدر ما مثّل ضربة قاسية وغير مسبوقة للحوثيين، شكل أيضاً، ضربة للتهور الإماراتي في اليمن.
وقد ألقى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، كلمة في افتتاح جلسة البرلمان الأولى منذ سنوات، وجه فيها الكثير من الرسائل السياسية، لكنه تجاهل الإشارة فيها لدور الإمارات، ما يؤكد عمق الخلاف بين الرئاسة اليمنية والإمارات التي خرجت عن الأهداف السامية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية واتشارك فيه الإمارات وفق مراقبين يمنيين.
وهذه هي المرة السادسة التي يتجاهل فيها هادي ذكر الإمارات، ما يؤكد استمرار أبو ظبي في مشاريعها التدميرية في اليمن، واستمرار دعم ميليشيات مناطقية في عدن والمحافظات المحررة واستهداف الحكومة الشرعية.
وخلال الأشهر الماضية وضمن ترتيبات الحكومة الشرعية لانعقاد مجلس النواب في المحافظات التي تسيطر عليها، تعثرت من إقرار الانعقاد في العاصمة المؤقتة عدن، بسبب حالة الرفض المطلق لقيادات الانتقالي الموالون للإمارات والذين ظلوا يحرضون ويهددون محاولة الحكومة ترتيب إقامة النواب في عدن، ومقر الجلسات، مما اضطر الشرعية لاختيار مدينة سيئون في حضرموت (شرق اليمن) مقرا لمجلس النواب.
ويعد انعقاد البرلمان خطوة مهمة بالنسبة للحكومة الشرعية لإرسال رسائل مختلفة للداخل والخارج من بين التأكيد على التزامها القانوني والتشريعي بمشروع الدولة، بجانب رسالة أخرى تفيد بأن العاصمة المؤقتة عدن، أصبحت تحت سيطرة الفصائل المسلحة التي تدعمها الإمارات، وهي أيضاً بحاجة للعودة إلى سلطة الحكومة مثلها مثل بقية المحافظات التي تسيطر عليها ميلشيات الحوثي.
وكان الرئيس عبدربه منصور هادي، اعتبر أن انعقاد مجلس النواب، دلالة على توحد كافة اليمنيين بكل أحزابهم واتجاهاتهم وأطيافهم على قاعدة الشرعية والثوابت الوطنية وفي مواجهة هذا المشروع المدمر.
ودعا هادي البرلمانيين المتغيبين عن الجلسة إلى “الانخراط مع زملائهم في هذه المؤسسة للدفاع عن وطنهم فلا يشرفهم البقاء خارج هذه المهمة”، مشيراً إلى أن اليمنيين استعادوا إحدى أهم مؤسسات دولتهم بعد رحلة نضال طويلة، وهذا ليس سوى محطة من محطات نضال هذا الشعب الكبير في استعادة حقوقه المشروعة وعودة مؤسساته المسلوبة.
وتوجه الرئيس بالخطاب إلى الشعب قائلاً: “لا تفقدوا الأمل ولا يصيبكم الإحباط جراء ما تقوم به مليشيات الحوثي، أو التعقيدات المتزايدة التي تواجهها الدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية”.
وطالب هادي المجتمع الدولي بإيقاف مماطلة ورفض الحوثيين لكل جهود السلام ورفض تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وممارسة الضغط لإيقاف الحرب التي يشنونها على أبناء شعبنا، وإنهاء الانتهاكات التي ترتكب بحق المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين”.
وتكشف خيارات الشرعية باختيار سيئون بدلاً من عدن، فقدان سيطرتها على العاصمة المؤقتة بعد ان عملت الإمارات عبر موالون لها من إنشاء تشكيلات عسكرية خارج إطار سيطرة القوات الحكومية، لذلك ستبقى عدن معزولة بذات الطريقة التي أراد لها المجلس الانتقالي الانفصالي، كما يقول مراقبون.