شهد اليمن تطورا مثيرا ولافتا، وذلك بإعلان السلطات المحلية في محافظة حضرموت (شرقا) اعتراض منظومة الدفاع الجوي “باتريوت”، التابعة للسعودية، طائرة من دون طيار في أجواء مدينة سيئون، التي من المقرر أن تحتضن جلسة مرتقبة لمجلس النواب مطلع الأسبوع المقبل.
وقال حاكم حضرموت، فرج البحسني، عبر موقع تويتر، في وقت سابق الخميس، إنه تم إسقاط طائرة من دون طيار بمدينة سيئون بصاروخ “باتريوت” من قبل قوات التحالف دون أن يشير إلى الجهة التي تقف وراءها.
وبعد نفي جماعة الحوثي رسميا مسؤوليتها عن الهجوم، تثار عاصفة من الأسئلة حول من يقف وراء هذه العملية التي كانت تستهدف مقر انعقاد البرلمان في سيئون، ومن له مصلحة في ذلك.
محللون وصحفيون يمنيون رأوا أن هذا الهجوم الذي تم إفشاله واحد من تجليات الخلاف السعودي الإماراتي، حيث تدفع الأولى بكل ثقلها لانعقاد مجلس النواب، بينما تقف الأخرى في موقف مضاد وممانع لهذه الخطوة التي رفض حدوثها في مدينة عدن، جنوبي البلاد.
ولم يستبعدوا وقوف الإمارات وراء ذلك، في ترجمة فعلية لما توعد به نائب ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي تشكل بدعم منها، هاني بن بريك، في اليومين الماضيين، بحدث مهم، ردا على عقد مجلس النواب أولى جلساته خارج العاصمة صنعاء القابعة تحت سيطرة الحوثيين.
الإمارات ومرتزقتها
وفي هذا السياق، اتهم الأكاديمي والدبلوماسي الجنوبي السابق، عادل باشراحيل، رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي ونائبه بن بريك بالوقوف وراء هذا الهجوم. واصفا إياهما بأنهما “مرتزقة ومأمورين” تديرهم أبوظبي.
وقال في حديث خاص لـ”عربي21″: لا استبعد أن تكون الطائرة التي تم إسقاطها في سيئون تابعة للإمارات، لا سيما بعد أن نفى الحوثيون رسميا أي صلة لهم بذلك.
وتساءل باشراحيل عمن له مصلحة في هذا الهجوم غير مرتزقة ومليشيات الإمارات ممثلة بالمجلس الانتقالي، في ترجمة واضحة لتصريح هاني بن بريك، الذي جاء الهجوم بعد يوم من تهديده.
وكان ابن بريك قد كتب عبر حسابه بموقع “تويتر” قبل يومين: في هذه الأيام -بإذن الله- سنفرح بخبر سار لكل الجنوبيين، والخبر ما سترونه وتسمعونه، وليس سماعا فقط”، مضيفا: “اربطوا الأحزمة، وكونوا جاهزين”.
وبحسب الدبلوماسي اليمني السابق، فإنه مهْما حدث، فإن مجلس النواب سينعقد في موعده، وأن الرئيس هادي سيفتتح الجلسة، ويتم اتخاذ قرارات إيجابية لصالح اليمن، وما يمكن الاتفاق عليه بشأن الأقاليم من أجل الوصول إلى حل سلمي لإنهاء الحرب، وبعض التشريعات الأخرى.
وأردف قائلا: لن يوقف هذا الهجوم الشرعية في عقد البرلمان جلسته في سيئون، وهذا تهديد لعرقلة ذلك.
واعتبر باشراحيل هجوم الطائرة بأنه طعنة إماراتية في ظهر المملكة، الذي سبق أن نبهنا إلى خطورة تحركاتها في تشكيل المجلس الانتقالي بدعم وتدعيمه بمليشيات مسلحة، على اعتبار أنه طعن للتحالف والشرعية.
وأشار إلى أن الرياض قادرة على إنهاء مشاركة الإمارات في حال شعرت بطعنتها لها، كون القيادة اليمنية هي من طلبت دعم المملكة وليس الإمارات.
لكنه وجّه اتهامات إلى طرف ثان، وهو الحراك الجنوبي، الفصيل الذي يقوده حسن باعوم، المدعوم من إيران وقطر، ربما بالضلوع بهذا التصعيد ضد الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها بقيادة السعودية، دون أن يقدم تفاصيل إضافية بهذا الشأن.
خلاف يتطور
من جانبه، قال الخبير اليمني في الشأن الخليجي، ورئيس مركز ساس للدراسات، عدنان هاشم، إن هناك مليشيات غير الحوثيين تهدف لإفشال عقد جلسات البرلمان. مؤكدا أن الحوثيين لا يملكون هذه التقنية من الطائرات دون طيار، علاوة على أن الجماعة نفت ذلك.
وأضاف في حديث خاص لـ”عربي21″ أن أبوظبي لا ترغب بعقد جلسة من جلسات البرلمان، كونها تعتبره استهدافا سعوديا لنفوذها في جنوب البلاد، والشبهات التي تدور حول ضلوعها في الحادثة تجعلها متهما رئيسيا.
وبحسب هاشم، فإن الخلاف السعودي-الإماراتي يتطور، وقد يؤدي إلى صراع مسلح في وادي حضرموت حتى بعد انعقاد جلسات المجلس.
وأشار إلى أنه من السهل امتلاك طائرات دون طيار، فبإمكان أي قوة تملك المال شراءها وإعادة تركيبها في البلاد.
لكنه استدرك بالقول: الطائرات التي سقطت في سيئون ضخمة وكبيرة لا تشبه تلك التي مع الحوثيين، وتحتاج مدرجا للانطلاق. متهما الإمارات بالتورط بذلك، من خلال تزويد تلك المليشيات بالسلاح، ويذهب الاتهام إليها.
وأوضح الخبير اليمني أن تجليات الخلاف بين الرياض وأبوظبي تظهر بوضوح للغاية، حتى من قَبل أحداث سيئون، حيث كان الصراع واضحا للجميع.
كما لفت إلى أن عداء أبوظبي للشرعية الآن ورفضها لتعزيز دور الحكومة يظهر أكثر تجليا ووضوحا، ما يجعل بقاءها ضمن التحالف سيئا، ويأكل شرعية تدخل الحرب من الداخل.
انطلقتا من قاعدة العند
من جهته، يرى الكاتب والناشط السياسي، عبدالجبار الجريري، أنه لا شك بأن مسألة انعقاد مجلس النواب اليمني لم يرق لدولة الإمارات التي استباحت البر والبحر والجو اليمني. مضيفا أنها أوعزت إلى أتباعها في المجلس الانتقالي بالتظاهر في سيئون ضد انعقاد مجلس النواب، لكنهم فشلوا في جمع الناس، ولم يخرج منهم سوى العشرات.
وقال في حديث خاص لـ”عربي21″ إن الكل شاهد تغريدات قادة المجلس الانتقالي الذين هددوا وتوعدوا بإفشال جلسة مجلس النواب، لا سيما هاني بن بريك الذي وعد بحدوث مفاجآت لم يكشف عنها، واكتفى بالقول: اربطوا الأحزمة!
وبحسب الجريري، فإن المعطيات تشير إلى أن هاتين الطائرتين انطلقتا من قاعدة العند (أكبر قاعدة يمنية في مدينة لحج تحكمها الإمارات)، والجهة التي قامت بإرسالهن إما القوات الإماراتية في قاعدة العند أو مليشياتها العسكرية.
وأشار إلى أن ما تحدث به محافظ حضرموت عن هذه الواقعة دليل على ذلك، فلو كانت المعلومات لديهم مؤكدة بأن الحوثيين هم وراء إطلاق هذه الطائرات المسيرة، لما توانوا لحظة واحدة عن إعلان ذلك للجميع.
وأردف قائلا: ما تحدّث به محافظ حضرموت عن هذه الطائرات، وأن الوقت غير مناسب للكشف عن الجهة التي أرسلتها، يضع تأكيدا ضمنيا بأن الإمارات تقف خلفها.
وذكر الناشط الجريري أن الإمارات تخشى من مجلس النواب، ومن القرارات التي سيتخذها، فهي غير قادرة على التحكم بالأعضاء؛ لذلك تشعر بأن المجلس من المحتمل أن يتخذ قرارات حاسمة، ربما ستؤدي إلى طردها من اليمن، وهو ما تسعى لإجهاضه.
واستبعد وجود أي خلاف بين السعودية والإمارات، موضحا أن مواقف كلا البلدين في ما يتعلق باليمن منسجمة مع بعضها.
وقال إن ما يحدث تبادل للأدوار، هناك من يمثل دور الجزرة، وهناك من يمثل دور العصا، والهدف في كلا الحالتين السطو على السيادة اليمنية بشكل أو بآخر.
ووفق للمتحدث ذاته، فإن السعودية تريد أن تشعر الشرعية بأنها الجهة التي الصادقة معها، وفي الوقت ذاته تقوم الرياض بنفس أعمال الإمارات، وما يحدث في المهرة خير شاهد على ذلك.
صراع خليجي
بموازاة ذلك، أكد رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد” الصادرة في مدينة عدن، فتحي بن لزرق، أن “الصراع في اليمن لم يعد يمنيا يمنيا أو حوثيا شرعيا.
وقال في تغريدة نشرها بموقع “تويتر” إن “الصراع بات خليجيا خليجيا”، في تلميح منه إلى صراع سعودي إماراتي.
وتابع بن لزرق: من يعتقد أو يظن أن الطائرة التي تم إسقاطها في سيئون حوثية، فهو أضل من حمار أهله”.
وشدد على أن “الطائرة التي أُسقطت خليجية، وتندرج في إطار الصراع الخليجي الخليجي على أرض اليمن”.
ومن المقرر أن يعقد مجلس النواب جلسته الأولى في مدينة سيئون، عاصمة وادي حضرموت، مطلع الأسبوع المقبل، لاختيار قائمة توافقية لرئاسته، خلفا للهيئة الحالية التي يرأسها يحيى الراعي، الذي يدير جلسات ما تبقى من برلمانيي حزب المؤتمر منخرطين في التحالف مع الحوثيين بصنعاء.