لعبت الإمارات العربية المتحدة – ولا تزال – دوراً مشبوهاً منذ اندلاع شرارة ثورات الربيع العربي الذي ابتدأ في تونس ثم مصر ثم تحركت موجة الحرية لتصل الى اليمن وسوريا وليبيا، قبل أن تبدأ موجة أخرى مؤخراً في دولتين عربيتين هما السودان والجزائر.
الإمارات التي كانت تراقب بقلق بالغ موجات الحرية وهي تسافر من بلد لآخر، مطيحة بكل الديكتاتوريين العرب، قررت أن تقف في وجه طوفان الحرية، وأن تسخر كل ما لديها من إمكانيات وعلاقات مشبوهة مع زعماء الغرب وتحديداً العلاقة الخفية بينها وبين اسرائيل لإحباط مشاريع التحرر الوليدة وإدخال الوطن العربي في أتون صراعات دامية.
وبإمكانيات مالية فلكية وضوء أخضر اسرائيلي وغربي بدأت الإمارات تنفيذ مخطط الخراب في الوطن العربي، فدعمت ومولت الانقلاب العسكري بمصر ضد السلطة المنتخبة، ثم دعمت ومولت المليشيات الانفصالية في اليمن لمحاربة السلطة الشرعية، ثم مولت لواء عسكري ليبي مهزوم فار يدعى حفتر للانقلاب على السلطة الشرعية في طرابلس.
وتعد الإمارات في الوقت الراهن العدو الأول للشعوب العربية والمجرم الأكبر الذي لم يتوقف عن ارتكاب الفظائع والانتهاكات سوءاً بشكل مباشر أو غير مباشر عبر فرق المرتزقة المحليين والغربيين في كل قطر عربي، ولهذا فلم يكن من قبيل الصدفة أن يرفع ثوار الجزائر اللافتات التي تنادي بقطع اليد الإماراتية العابثة التي تحاول هدم الثورة والتحكم بالمشهد الجزائري، تماما كما تفعل في مصر وليبيا واليمن.
· اسبرطة الصغرى.. مولود بريطاني في جسد الوطن العربي
ويعد كثيرون الإمارات – الدولة التي يرى قادتها أنهم كإسبرطة اليونان – سرطاناً على الوطن العربي، زرعته بريطانيا في فترة الثورات العربية المسلحة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تماماً كما زرعت قبله دولة الاحتلال الاسرائيلي في الأرض الفلسطينية في أربعينيات ذلك القرن.
قد يظن كثيرون أن توصيف الإمارات بأنها سرطان بريطاني مزروع في الجسد العربي من قبيل المبالغة، لكن الأمر ليس كذلك فهذا ما ورد بالضبط في تقرير بريطاني صدر قبل عامين.
· الإمارات تطيل معاناة اليمنيين وتهدد بقاء الدولة
رغم وحشية وفظاعة التدخلات الإماراتية في سياسات عدد من البلدان العربية، إلا أن تدخلها في اليمن يعد الأثر سوءاً، لأنه يضرب في عمق مشروع الدولة وهو الوحدة الوطنية، حيث دعمت الإمارات وأنشأت فصائل عسكرية وسياسية تسعى لتشطير اليمن.
وحتى الآن لا تزال الإمارات غير قادرة على فرض خيار التشطير لكنها إن نجحت في ذلك مستقبلاً فإنها ستكون قد ارتكبت أكبر خطيئة لها في تاريخها.
وتسرد صحيفة الجارديان البريطانية فصولاً من العبث الإماراتي في المشهد اليمني، فتقول في تقرير صدر قبل أشهر: عبر الساحل الجنوبي – حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية – بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية، لديها خدماتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة من قبل الحكومة اليمنية.
إن ما حققه الإماراتيون في اليمن من إنشاء جيوش خاصة ودعم الانفصاليين في الجنوب والتآمر لتدمير النظام السياسي مع السيطرة على الممرات المائية الإستراتيجية في البحر العربي والأحمر يظهر كيف أن دولة صغيرة تستطيع نشر الخراب والدمار في دول المنطقة، مستغلة الأوضاع السياسية المتأزمة.
من جهتها كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود شبكة سجون سرية تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، المتهمون بإخفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح وأعضاء من الفصائل التي تقاتل الحوثيين، وحتى نشطاء سياسيين، وقد أشار الوزراء اليمنيون إلى الإماراتيين على أنهم “قوة احتلال”.
وفي لقاء صحفي سردت محامية حقوق إنسان تعمل مع وزارة العدل ، ولديها قوائم بالمحتجزين وجمع الشهادات منهم وعائلاتهم، كيف يمتهن الإماراتيون كرامة اليمنيين.
تقول المحامية: “بعد معركة عدن توقعنا أن يشكل الإماراتيون جيشًا واحدًا من المقاومة، وبدلاً من ذلك، قاموا بإنشاء عشرات من القوات وهم يحتجزون أي شخص يعارضهم، وأصبح تنظيم القاعدة ذريعة، وأي شخص لا يوافق عليه تم اعتقاله، ويتم تعذيب جميع المعتقلين تقريباً، وغالباً ما يتم تعليقهم من السقف والعديد منهم يتعرضون للإيذاء الجنسي، الشيء المحزن هو أن الجنوبيين الآن يعذبون الجنوبيين بمباركة الإماراتيين، بينما تقف الحكومة اليمنية عاجزة وتراقب”.
· التدخل الإماراتي في ليبيا
مرت حتى الآن ثمانية أعوام منذ مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي على يد الثوار الليبيين، لكن المشهد الراهن يكشف حالة الدمار المريع الذي أصاب البلاد.
وبعد مقتل القذافي ظن الجميع أن جميع الأسباب باتت متوافرة لحراك وازدهار ليبي في كافة المجالات وبالأخص الجانب الاقتصادي، بالاعتماد على القدرات النفطية الضخمة لهذا القطر العربي، لكن الإمارات كان لها رأي آخر فبدأت بضخ المال وتمويل فرق العصابات والمرتزقة لإبقاء القتال مشتعلاً بها.
وشيئاً فشيئاً وجدت الإمارات حيزاً فارغاً فنفذت منه الى المشهد الليبي، وبدأت بتكوين الجيوش الموازية، تحت قيادة لواء ليبي سيء الصيت يدعى “خليفة حفتر”، مستغلة حالة الانقسامات الذي طرأ على المشهد بعد الثورة.
تلك الجيوش المدفوعة الأجر شرعت في شن الحروب المتواصلة، وسيطرت أكثر من مرة على مناطق حقول النفط، قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لفض النزاع مع بقاء سيطرة تلك الجيوش الانقلابية على بعض المدن، فيما تسيطر السلطة الشرعية على العاصمة طرابلس وعدد من المدن الأخرى.
ويسعى حفتر الذي يسيطر على الشرق الليبي الى فرض لغة القوة والأمر الواقع على الأرض في ليبيا بإيعاز من دولة الإمارات، استباقاً لموعد عقد مؤتمر وطني للمصالحة الليبية، وهو ما لا تريده أبوظبي.
ولا تزال ليبيا على صفيح ساخن حتى اليوم، كل ذلك بسبب أطماع الفتى الطائش في أبوظبي، والذي بات بحق عرّاب الحرائق والدمار في كل قطر عربي.