التعاطي السلبي من قبل جماعة الحوثي في اليمن وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح مع اقتراح قدمه مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ بشأن تأمين ميناء الحديدة ينم عن قصور واضح في الرؤية لمصلحة اليمنيين، ويؤكد أن الأطراف الانقلابية لا تزال تعيش وهم القدرة على المناورة لتحقيق مكاسب سياسية، متناسية الكوارث التي تسببت بها ويعاني منها اليوم ملايين اليمنيين من جراء استمرار الصراع المسلح في مختلف جبهات القتال.
من هنا جاءت تحذيرات دبلوماسيين غربيين من الانعكاسات السلبية لرفض أطراف الانقلاب في صنعاء لخطة ولد الشيخ لتأمين ميناء الحديدة وإبعاده عن شبح الحرب بهدف تأمين وصول المواد الغذائية إلى ملايين السكان، باعتباره أحد المنافذ البحرية المهمة في البلاد، فمثل هذا الرفض يعزز الاتهامات الموجهة للانقلابيين من أنهم يقومون باستغلال الميناء لعمليات تهدد أمن واستقرار البلاد من جراء استخدامه لتهريب الأسلحة، ما يطيل أمد الحرب، وبالتالي زيادة معاناة قطاع واسع من اليمنيين.
يخاطر الانقلابيون، وفق مصادر غربية في مجلس الأمن، بتعريض اليمنيين لخسارة مكاسب مهمة سيؤمنها اقتراح اتفاق حول ميناء الحديدة، أعده المبعوث الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ورفض الحوثيون مناقشته في الزيارة التي قام بها إلى العاصمة صنعاء في وقت سابق من هذا الشهر، بل إنهم يشنون حملة لتغييره، إذ إن إصرار الحوثيين على رفض الانخراط في بحث المقترح، إن بالنسبة إلى ميناء الحديدة أو خريطة الطريق للعملية السياسية، يفقد اليمنيين العديد من المكاسب، منها تسهيل دخول البضائع عبر ميناء الحديدة، والقبول بإدارة دولية للميناء وإرسال الموارد المالية إلى البنك المركزي، الذي سيتولى توفير الرواتب لكافة موظفي الدولة، والتي توقف الحوثيون عن دفعها منذ أكثر من ثمانية أشهر.
ليس جديداً على الحوثيين تعطيل الحلول السلمية للأزمة في اليمن، فقد اختبرهم العالم طوال سنوات، سواء قبل احتلالهم للعاصمة صنعاء عام 2014 أو قبله، عندما خاضوا حروب تمرد ضد الدولة، بدأت مع عام 2004 وانتهت بتسوية عام 2010، قبل أن يشاركوا في الحوار السياسي، الذي تجلت مظاهره في مؤتمر الحوار الوطني في 2013، وما تلا ذلك من اتفاقات وتعهدات لم يتم الوفاء بها، وكانت سبباً في اتساع الأزمة وخروج الأمور عن السيطرة، أدت إلى ما أدت إليه من أحداث انتهت بالسيطرة بالقوة العسكرية على العاصمة صنعاء، بتعاون كامل مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي آثر الانتقام من خصومه بعد الاحتجاجات التي شهدها اليمن العام 2011 وأدت إلى خروجه من السلطة.
في المشهد العام لا يكترث الحوثيون بتزايد معاناة مختلف شرائح المجتمع اليمني، وهي المعاناة التي تتزايد يوماً بعد يوم مع استمرار الأوضاع المعيشية الصعبة وانتشار الأمراض، منها الكوليرا، التي تشير أرقام المنظمات الدولية إلى أنها حصدت أرواح المئات من الأبرياء خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، فضلاً عن تعرض عشرات الآلاف للإصابة بها، وهم بذلك يساهمون في تعميق الأزمة وليس حلها.