من الذي حرر جنوب اليمن من سيطرة جماعة عبدالملك الحوثي المسلحة والقوات العسكرية التابعة للمخلوع علي صالح؟ ولماذا لم يشارك الحراك الانفصالي في حرب التحرير وما هي مبرراته حينها؟ ولماذا يدعي قادة الحراك أنهم من حرروا الجنوب، ويتهمون المقاومة الشعبية والجيش الوطني في الشمال بالعجز عن هزيمة الانقلابيين؟
وأيضًا، لماذا بعد تحرير عدن تم اغتيال كثير من قيادات المقاومة الشعبية في الجنوب وبعض القادة العسكريين والأمنيين؟ ولماذا كانت الاغتيالات حصرية وطالت قيادات المقاومة الشعبية الموالين للسلطة الشرعية، أو المحسوبين على حزب الإصلاح والجماعات السلفية، ومن تبقى منهم كان مصيره السجن أو التهميش والمطاردة؟ ولماذا لم يتعرض أحد قادة الانفصال أو المسؤولين الموالين لدولة الإمارات للاغتيال؟
أسباب عدم المشاركة
هناك عدة أسباب توضح عدم مشاركة الحراك الانفصالي في حرب تحرير المحافظات والمناطق الجنوبية التي سيطر عليها الانقلابيون أو كانوا مسيطرين عليها، لعل أبرزها يتمثل في التقدير الخاطئ للأحداث التي شهدتها البلاد قبل الفصل الأخير من الانقلاب من قبل قادة الحراك، وعدم القدرة على توقع مآلاتها، والتمترس وراء قناعات تكشف ضيق الأفق السياسي وعقم التفكير، وكل ذلك رسخ قناعات لدى قادة الحراك الانفصالي بأن ما كانت تشهده البلاد من أحداث متسارعة لا تعدو كونها حربًا بين قوى شمالية في إطار صراعاتها على السلطة، وأن الجنوب لا دخل له بها.
ورغم محاولة الانقلابيين السيطرة على عدن، ثم الإعلان عن عملية “عاصفة الحزم” والتدخل العسكري لدول التحالف العربي، وما شهدته عدن من معارك عنيفة من أجل تحريرها لتكون عاصمة مؤقتة للبلاد حتى القضاء على الانقلاب، إلا أن معظم قادة الحراك -إن لم يكن كلهم- ظلوا على قناعاتهم تلك، وكانوا يرددون بأن ما تشهده عدن من حرب لا تعدو كونها حربًا بين قوى شمالية نقلت صراعاتها إلى عدن.
وزاد من قناعاتهم هذه انخراط الإصلاحيين والسلفيين بكل ثقلهم في مواجهة الانقلابيين في عدن، وكان من بينهم مواطنون شماليون دافعوا عن عدن، بينما اكتفى قادة الحراك بموقف المتفرج، ولم ينضم البعض منهم للمقاومة الشعبية إلا عندما لاحت في الأفق مؤشرات النصر، وبدا أن هناك مغانم يمكن الحصول عليها، في حين اكتفت بعض الفصائل بطبع العلم الجنوبي قبل الوحدة في الأماكن التي كان يتم تحريرها تباعًا من سيطرة الانقلابيين.
كما أن العلاقة التي كانت تربط بين إيران وبعض فصائل الحراك الجنوبي، وتبنيها لمطالبهم دبلوماسيًا وإعلاميًا، جعلتهم يعتقدون بأن سيطرة الحوثيين على السلطة في الشمال ستدفع إيران للضغط عليهم بالسماح للجنوب تحقيق الانفصال بسلاسة، بل ربما أن إيران طلبت من فصائل الحراك الموالية لها عدم الانخراط في مواجهة الحوثيين بذريعة أن تقدمهم نحو الجنوب الهدف منه تصفية قيادات وأعضاء حزب الإصلاح والجماعات السلفية، وأنهم بعد ذلك سيعودون إلى ثكناتهم، وسيتركون الجنوب ليقرر مصيره الذي يرضاه.
أضف إلى ذلك، أن قادة الحراك الانفصالي فقدوا ثقة الجماهير بسبب انتهازيتهم، وصراعهم على قيادة الحراك خلال السنوات السابقة، ولهذا، لم يكن لدى أحد من هذه القيادات أي شعبية بين الجماهير، ولديه القدرة على تحريكها وحشدها، بل لا يوجد حتى قيادي جنوبي واحد يحظى ولو بإجماع نسبي في كل المحافظات الجنوبية، بسبب التفتت الاجتماعي قبليًا ومناطقيًا.
وإذا كان هناك من يعتقد أن الحراك الانفصالي هو من حرر الجنوب من سيطرة الانقلابيين، كما دأب بعض قادته مؤخرًا على ترديد ذلك، واللمز في المقاومة الشعبية والجيش الوطني في الشمال بعدم قدرتهم على هزيمة الانقلابيين كما فعلوا هم، إلا أن السؤال الصعب هنا: هل كانت فصائل الحراك قادرة على تحرير الجنوب لو لم تتدخل دول التحالف العربي والمشاركة الفاعلة في الحرب من قبل منتسبي حزب الإصلاح والجماعات السلفية؟ وإذا كان الحراك الانفصالي هو من حرر عدن، فلماذا لم يواصل تقدمه ويستكمل تحرير بقية المديريات الجنوبية التي ما زال يسيطر عليها الانقلابيون في محافظات شبوة ولحج والضالع؟
من حرر عدن؟
وإذا كان واضحًا أن الحراك الانفصالي لم يكن هو من حرر الجنوب، فمن هو الذي حرره إذن؟ وهل كان الجنوب بالكامل تحت سيطرة الانقلابيين أم أجزاء محدودة منه؟ وما مدى منطقية القول “تحرير الجنوب بالكامل”؟
هناك حقائق مهمة يجب توضيحها، منها، أن الجنوب لم يكن كله محتلًا من قبل الانقلابيين، والمساحة التي كان يسيطر عليها الانقلابيون في الجنوب أقل من 20% من المساحة الإجمالية للمحافظات الجنوبية، وتشمل أجزاء محدودة من محافظات عدن ولحج والضالع وشبوة، وهي أقل المحافظات الجنوبية مساحة.
أما ما تم تحريره فعلًا في الجنوب فيشمل مدينة عدن، وأجزاء محدودة من محافظات لحج والضالع وشبوة، وأما من قام بمهمة التحرير فعلًا، فتأتي دول التحالف العربي في المقدمة، وكانت مشاركتها في حرب تحرير عدن فاعلة ونوعية، وشملت القصف الجوي والإسناد البحري والمشاركة البرية لعدد كبير من جنودها وضباطها، واستشهد عدد كبير منهم، وهي المشاركة التي لم تكررها دول التحالف في أي جبهة أخرى، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى تحقيق نصر نوعي على الانقلابيين يؤثر على مسار الأزمة، وفي نفس الوقت، كانت تهدف إلى جعل عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، ومنطلقًا للحرب على الانقلاب.
أما المقاومة الشعبية التي تشكلت سريعًا لمواجهة الانقلابيين في الجنوب، فلم يكن للحراك الانفصالي أي دور فيها، باستثناء محافظة الضالع، التي كان دور الحراك فيها مشرفًا، وكان معظم منتسبي المقاومة الشعبية من حزب الإصلاح والجماعات السلفية، بالإضافة إلى مقاتلين قبليين تم تجهيزهم والدفع بهم لساحة المعاركة عن طريق مشائخ قبليين ومسؤولين محللين جميعهم من الموالين للسلطة الشرعية.
وفي الوقت الذي كان يخوض فيه الجميع الحرب ضد الانقلابيين، كان قادة الحراك الانفصالي يرددون نفس النغمة التي بدؤوا بترديدها منذ أن اندلعت الحرب في محافظة عمران وحتى اشتعلت نيرانها داخل مدينة عدن، وهي أن الحرب بين قوى شمالية على السلطة، وأن هذه القوى نقلت صراعاتها إلى عدن والجنوب، ولهذا فلا دخل لهم بها ولا تخصهم.
وبعد أن بدأت المقاومة الشعبية، وبمساندة التحالف العربي، بتحرير الأحياء السكنية في عدن تباعًا حتى تم تحرير المدينة بالكامل، بدأت فصائل الحراك بطبع علم اليمن الجنوبي في الأماكن المحررة باستخدام طلاء المنازل، ورفع الأعلام القماشية فوق المباني والإدارات الحكومية، ولم يتعد دورها غير ذلك.
وبعد اكتمال معركة تحرير عدن ومناطق جنوبية أخرى، بينها قاعدة العند الجوية، بدأ الانفصاليون يحصدون تضحيات غيرهم، واستغلوا العداء الذي تكنه إحدى دول التحالف العربي لحزب الإصلاح والجماعات السلفية، وهُمّش المناضلون الحقيقيون، وعُيّن الانفصاليون في كثير من المناصب المدنية والعسكرية المهمة، وأنشئوا كتائبًا وقوات عسكرية تدين لهم بالولاء الشخصي، مثلما فعل المخلوع علي صالح وعائلته، بتأسيسهم لألوية وتشكيلات عسكرية موالية لهم.
ثم بدأت مرحلة تصفية قيادات المقاومة الشعبية الذين اغتيل بعضهم، وبعضهم اضطروا لمغادرة عدن، وبدأت مرحلة الانتهاكات والاعتقالات العشوائية، وامتلأت السجون بالمعتقلين، وطالت الاغتيالات والاعتقالات حتى بعض علماء الدين والدعاة وخطباء المساجد.
دور المقاومة الشمالية
لم يكتفِ الانفصاليون بتهميش دور المقاومة الجنوبية وحصاد تضحياتها، والادعاء بأنهم هم من حرروا الجنوب، بل فقد وصلت بهم الانتهازية والحقد إلى اللمز في المقاومة الشعبية والجيش الوطني في الشمال، والادعاء بأنهم حققوا انتصارات ضد الانقلابيين لم يحققها الشماليون، وهناك عدة حقائق بخصوص ذلك سنوضحها فيما يلي:
– يبلغ مجموع المساحة التي تحررت في الشمال من سيطرة الانقلابيين في محافظات مأرب والجوف والحديدة وصعدة وتعز وصنعاء (مديرية نهم) أكثر بكثير من المساحة التي تحررت في الجنوب، والتي تشمل مدينة عدن وأجزاء محدودة من محافظات الضالع ولحج وشبوة.
– تضحيات المقاومة الشمالية ضد الانقلاب أضعاف تضحيات المقاومة الجنوبية، وذلك لعدة أسباب، أهمها، أن القوة العسكرية الضاربة، وكذلك الحاضنة الاجتماعية للانقلابيين، كلها تتركز في الشمال وليس في الجنوب، وهذا يجعل كلفة مواجهتهم باهظة، كما أن التحالف العربي، ورغم مساندته القوية للمقاومة والجيش الوطني في الشمال والمشاركة في بعض المعارك، إلا أنها لم تكن نوعية مثل مشاركته في حرب تحرير عدن.
– المقاومة الشمالية أخّرت وصول الانقلابيين إلى عدن والجنوب عدة أشهر، وهي الآن تقف حاجز صد أمام الانقلابيين وتعيق محاولة تقدمهم نحو المحافظات الجنوبية، ولولا الإنهاك العسكري الذي يتعرض له الانقلابيون في الشمال أمام المقاومة الشمالية والجيش الوطني الشمالي، لتمكنوا من اكتساح كل المحافظات الجنوبية، ولكان قادة الانفصال الذين يلمزون في المقاومة الشمالية الآن مشتتون في المنافي وفي سجون صنعاء وصعدة وذمار.
– مختلف الجبهات في الشمال تشهد مواجهات عنيفة حتى وإن كانت غير متواصلة، ويتكبد فيها الانقلابيون خسائر فادحة، بينما ما تبقى من الجبهات الجنوبية في الضالع ولحج وشبوة فهي خاملة، وتشهد مواجهات محدودة.
– وبعيدًا عن عنصرية الانفصاليين، والتي تعد الوجه الآخر لعنصرية الانقلابيين، ينبغي التذكير بأن الحرب ضد الانقلاب اختلطت فيها دماء اليمنيين شمالًا وجنوبًا، فهناك شماليون استشهدوا في معارك تحرير عدن وغيرها من المدن الجنوبية، وهناك جنوبيون استشهدوا في عدة جبهات شمالية، وما زال هناك شماليون يقاتلون ضد الانقلابيين في الجنوب، وهناك جنوبيون يقاتلون ضد الانقلابيين في الشمال، ووحدهم قادة الحراك الانفصالي لا شيء يجيدونه سوى الهمز واللمز والعنصرية البغيضة.
وأخيرًا، هل هناك قيادي انفصالي واحد قُتل أو جُرح في معارك تحرير الجنوب؟ وهل فعلًا تحرر الجنوب كاملًا من سيطرة الانقلابيين؟ وهل المديريات التي يسيطر عليها الانقلابيون في شبوة والضالع ولحج شمالية أم جنوبية؟ ولماذا لم تتقدم قوات الحزام الأمني لتحرير ما تبقى من مدن الجنوب التي ما زالت تحت سيطرة الانقلابيين بدل الانشغال بالسيطرة على مطار عدن واعتقال المواطنين الأبرياء ومطاردة الباعة المتجولين في الشوارع لمجرد أنهم شماليون؟ ولماذا عجزت هذه القوات عن تحرير ما تبقى من مدن الجنوب، رغم أن قوات الانقلابيين المتمركزة فيها محدودة ومنهارة معنويًا؟
*الموقع بوست