أثارت التحذيرات التي وجهها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى الإمارات والقوات الحكومية من مغبة الهجوم العسكري على تعز، علامة استفهام كبيرة بشأن طبيعة أهداف الحرب التي تخوضها الإمارات في الساحل الغربي لليمن، بأدوات تبتعد في أهدافها ومشاريعها وراياتها عن السلطة الشرعية وعن المشروع الوطني.
أظهرت هذه التحذيرات إلى جانب التحركات التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي في واشنطن؛ إلى أي مدى تتحول الحرب في اليمن إلى موضوع أمريكي- إماراتي، فيما يبدو وكأنها محصلة طبيعية للشراكة بين البلدين في الحرب الموازية وغامضة الأهداف؛ التي أفقدت حرب التحالف مضمونها الأخلاقي وشتت أهدافها، وحولتها إلى فصل طويل من العبث والقتل وتكريس المأساة الإنسانية لليمنيين.
وعلى الفور، يتبادر إلى ذهن المراقب تساؤل بشأن هذا الغياب اللافت للسعودية عن مسرح الأحداث، وهي قائدة التحالف العربي وصاحبة المصلحة الأولى في إنهاء نفوذ مليشيا الحوثي الانقلابية في مدينة الحديدة ومينائها، وعموم الساحل الغربي لليمن، وعما إذا كانت الإمارات تتصرف بالفعل خارج الأجندة السعودية.
فالقيادة السعودية كانت قد بدأت منذ أن تلقت أولى الصواريخ البالستية التي أطلقها الحوثيون على العاصمة الرياض؛ تتصرف بجدية حيال تقرير مصير مدينة الحديدة ومينائها، تحت وطأة الشعور بالخوف من استمرار تهريب الصواريخ الإيرانية إلى الحوثيين عبر هذا الميناء، وسط دلائل تشير إلى أن هذه الصواريخ مصدرها إيران بالفعل.
من الناحية المنطقية، فإن هذا المعطى يجعل من حرب الإمارات في الساحل الغربي قضية مشتركة بالنسبة للرياض، لكنه لا يوفر أي ضمانة للمملكة بأن الإمارات تمضي وفق أولوياتها، وبأنها لا تستثمر فقط مخاوف الرياض وتمارس بحقها نوعاً من الابتزاز المكشوف لكي تمضي قدما في تحقيق أهدافها الخاصة دون متاعب.
لا يمكن للإمارات أن تدعي في أي وقت من الأوقات بأن إدارتها المنفصلة لمعركة الساحل الغربي لليمن؛ جزء من الأهداف المشتركة والمعلنة للحرب التي يخوضها التحالف العربي في هذا البلد، فالسلطة الشرعية غائبة إلى حد كبير عن هذه المعركة، بل إن وجودها يبدو مستهدفاً بدرجة كبيرة من هذه المعركة التي تُعظم مكاسب الأطراف المنفلتة المدفوعة من أبو ظبي؛ لتكون الشريك البديل عن السلطة الشرعية في تقرير مصير اليمن.
مما لا شك فيه أن الإمارات لا تبدو مرتاحة لدور الإطفائي الذي تلعبه السعودية في المعارك الجانبية الخاصة التي تشعلها الإمارات في الجغرافيا اليمنية مدفوعة بطموح الهيمنة والسيطرة والاستعمار، لذا نجدها تتصرف على نحو مختلف هذه المرة، وتسعى إلى تغيير في التكتيك لتفادي إخفاق مشروعها في اليمن.
ا تبدو الإمارات مرتاحة لدور الإطفائي الذي تلعبه السعودية في المعارك الجانبية الخاصة التي تشعلها الإمارات في الجغرافيا اليمنية مدفوعة بطموح الهيمنة والسيطرة والاستعمار
فقد وجهت بشكل مفاجئ دعوة رسمية لنائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الموالي للرئيس هادي، لزيارة الإمارات، وهي الزيارة التي خرج منها الوزير بانطباعات جيدة بأن أبو ظبي جادة في تطبيع الأوضاع في عدن وفي توحيد القرار الأمني فيها، وهي انطباعات قد لا تكون دقيقة، فالأمر إنما يأتي ضمن سياسة الاسترضاء الذي بدأت الإمارات بانتهاجها؛ تجنباً لمعركة سياسية قد تفقدها السيطرة على عدن، على نحو ما حدث لها في أرخبيل سقطرى.
وفي الساحل الغربي تسابق الإمارات الزمن لتحقيقها طموحها في الاستحواذ على الحديدة.. إنه مسعى حثيث يرمي إلى تعويض الخسائر المادية والمعنوية التي تلقتها الإمارات خلال الأشهر الماضية في منطقة خليج عدن، بعد أن أنهت جيبوتي نشاط شركة جبل علي العالمية للمناطق الحرة في أراضيها، وأوقفت نشاطها في إحدى أهم موانئ الحاويات الجيبوتية، تلتها إجراءات اتخذتها الحكومة الصومالية بشأن نشاط الشركة الإماراتية في عدد من موانئ البلاد، وهي الإجراءات التي كشفت كذلك جانباً من مخطط الإمارات لتقويض البيئة السياسية في مقديشو؛ باستخدام تنظيمات إرهابية تورطت بالفعل في عمليات تفجير ذهب ضحيتها العشرات من المدنيين.
تقوم الإمارات بالاعتماد على وحدات لا قاسم مشترك يجمعها سوى الدعم الإماراتي، وهذه الوحدات هي التي ستعتمد عليها في إدارة الوضع الاستثنائي الذي تخطط له في الحديدة في مرحلة ما بعد التحرير
لذا الحديدة تبدو هدفاً جيداً للإمارات، ولن يحتاج منها ذلك سوى الاعتماد على الغطاء الذي توفره شراكتها القوية مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، والقيام بإجراءات توحي بأنها بالفعل تنجز الالتزامات المتعلقة بها حيال هذه الشراكة، على نحو ما يجري في عدن التي حولتها إلى سجون ومعتقلات مفتوحة على أسوأ أنواع الممارسات والانتهاكات.
ففي الساحل الغربي، تقوم الإمارات بالتغييب الكامل لدور الجيش الوطني بما هو أداة السلطة الشرعية ونواة مؤسستها العسكرية، وتساهم في تجميده واستنزافه في معظم الجبهات الرئيسية. وفي مقابل ذلك، تقوم بالاعتماد على وحدات لا قاسم مشترك يجمعها سوى الدعم الإماراتي، وهذه الوحدات هي التي ستعتمد عليها في إدارة الوضع الاستثنائي الذي تخطط له في الحديدة في مرحلة ما بعد التحرير.
إنها مؤشرات تكفي للاعتقاد بأن الإمارات تخوض معركتها الخاصة في الساحل الغربي لليمن، بغض النظر عن ثقل المملكة العربية السعودية، وأولوياتها الاستراتيجية، فهذا الجسم الضخم يعاني في داخله من بطء الحركة وعشوائيتها، ومن ارتدادات التحولات الدراماتيكية التي يعيشها على مستوى انتقال السلطة والنفوذ في أكبر الممالك العربية.
*عربي21