تزايد أعداد الضحايا بشكلٍ مرعب.. وهكذا يُستغلُّ الوباء سياسياً

محرر 217 مايو 2017
تزايد أعداد الضحايا بشكلٍ مرعب.. وهكذا يُستغلُّ الوباء سياسياً

في قسم الطوارئ بالمستشفى الجمهوري وسط العاصمة صنعاء، يحمل حسن عبده غالب (33 عاماً) نجله ناصر (10 أعوام) وسط المكان المكتظ بالعشرات من المرضى، وكان شقيقه عمر يساعده أيضاً للبحث عن سرير، فالأسّرة في المستشفى الحكومي الكبير، تكاد تكون كلها شاغرة.

بنبرة حازمة أمرهما الطبيب بإخراج الطفل إلى فناء المستشفى، واعداً إياهما بأنه سيخرج له على إثرهما.

بهلع وخوف، امتثل الضابط الذي يعمل في مصلحة الأحوال المدنية، والذي لم يستلم راتبه للشهر الثامن، لأمر الطبيب وخرج حاملاً طفله، وهناك وجد كرسياً مخصصاً للمرضى المقعدين، وما لبث أن وصل الطبيب، ليعاين طفله الذي بدا منهكاً.

 

يحدّث الطبيب بوجل “أنا خائف أن يكون فيه كوليرا”، ليرد عليه الطبيب “خير خير.. إن شاء الله”.

كان التشخيص الأولي لحالة الطفل، إصابته بإسهال حاد، “ومن المُرجح أن يكون قد أُصيب ببكتيريا الكوليرا” حسب قول الطبيب، لينضم الطفل ناصر إلى 11 ألف يمني، يشتبه بإصابتهم بالوباء الذي تفشّى في عموم مدن وبلدات اليمن.

تصاعد مرعب لأعداد الضحايا

مساء الإثنين 15 مايو/أيار 2017، قال مدير عمليات الصليب الأحمر الدولي في اليمن دومنيك إستلهارد في مؤتمر صحفي عقده بعدن العاصمة المؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، إن عدد الوفيات جراء وباء الكوليرا وصل إلى 180 حالة وفاة، و11 ألف حالة ظهرت عليهم أعراضه.

وأضاف “لا تزال الأرقام تتزايد يوماً بعد آخر”.

وقبلها بيوم واحد أعلن إستلهارد عن وفاة 115 شخصاً وإصابة أكثر من 8500 حالة، بما يعني أن 65 شخصاً تُوفوا، وأُصيب 2500 خلال 24 ساعة فقط، بحسب إحصائية المنظمة الدولية.

 

ورغم الأرقام المعلنة عن أعداد الوفيات والمصابين بالوباء من المنظمات الدولية، والتي تفصح عن زيادة مرعبة، إلا أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك، فالعشرات من المرضى والوفيات -خصوصاً في القرى والبلدات البعيدة- لم تُدرج أسماؤهم في قوائم الضحايا.

 

طوارئ

لم تتوقف الأخبار عن إصابات جديدة بسبب الوباء، فبين الحين والآخر، ترد معلومات عن اكتشاف مرضى جدد بمدن وبلدات مختلفة، ففي مدينة الحديدة، على ساحل البحر الأحمر (غرب اليمن)، تحدثت مصادر طبية عن أن عدد المرضى وصل إلى 405 أشخاص، ممن تأكدت إصابتهم ببكتيريا الكوليرا.

وقال شاهد عيان من مستشفى العلفي (أكبر مستشفى حكومي بالمدينة)، إن “العشرات من المرضى يتكدسون في قسم مكافحة الوباء، وسط حر الصيف بسبب انقطاع الكهرباء”، وقال “تسمع أنينهم وبكاءهم بشكل يدمي القلب”.

وأضاف “للأسف لا توجد نظافة في القسم أبداً، مما يجعل المكان يشكل بيئة لانتشار الوباء بين مرافقي المرضى”.

وفي مدينة ذمار (وسط اليمن)، قال مصدر طبي إن إدارة مستشفى ذمار العام، رفضت استقبال 13 مريضاً بالكوليرا، بسبب أن المستشفى لم يعد قادراً على استقبال المزيد من المصابين.

أما في مدينة إب (وسط)، فقد توفي ستة أشخاص نصفهم نساء في ظرف ساعتين، بسبب الكوليرا، بينما أعلنت السلطات الصحية في محافظة البيضاء (وسط) عن وفاة 10 أشخاص وإصابة أكثر من 500.

 

 

كيف ظهر الوباء؟

 

العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها مسلحو جماعة الحوثيين “أنصار الله”، وحلفاؤهم من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويسكنها قرابة 3 ملايين شخص، سجلت الحصيلة الأكبر من الوفيات والإصابات بالوباء المتفشي.

كما كانت هي المدينة الأولى التي سجلت يوم 27 أبريل/نيسان 2017، أول الحالات المصابة بالكوليرا و الإسهالات الحادة، وسرعان ما انتشر المرض في عدد من مديرياتها، لينتقل بعدها إلى عدد من المحافظات اليمنية، في غضون أيام. 

وأعلنت السلطات الصحية التابعة للحوثيين يوم الأحد الماضي، العاصمة مدينة منكوبة، وأعلنت حالة الطوارئ صحياً، كما أطلقت دعوات للمنظمات الأممية والصحية بالتدخل للسيطرة على الوباء.

وبدأت المشكلة، مع تكدس القمامة والنفايات في الشوارع العامة والأحياء السكنية لنحو أسبوعين، حيث امتنع عمال النظافة عن رفع القمامة بسبب أن سلطات الحوثيين لم تدفع رواتبهم.

وجاءت الأمطار لتفاقم من الأزمة، فطفحت المجاري والصرف الصحي، التي أُغلقت ممراتها مع تراكم النفايات، وبدت شوارع المدينة في حال يرثى له، وانتشرت الروائح الكريهة، في الوقت الذي كان الوباء القاتل ينتشر بين السكان.

 

 

توعية ضعيفة ولا مبالاة

ومع ذلك بدأت إذاعة محلية واحدة و فضائيتان تلفزيونيتان تذيعان منشورات توعوية لتفادي الوباء، وكان صوت المذيع الأجش من الإذاعة العامة بصنعاء يحذر من المياه والمأكولات الملوثة، ويطالب بالحرص على النظافة الشخصية.

لكن عادل السريحي الذي يعمل على حافلة نقل صغيرة تتسع لسبعة ركاب، لم يعط أذنه للإعلان التحذيري، وانشغل بالبحث عن ركاب، في ظل الأزمة التي تعاني منها البلاد.

حرص مراسل “هاف بوست عربي” على شد انتباهه للإعلان، وللوباء المستشري بين الناس.

لكنه رد بأنه “مش أنا عارف ما هو هذا الكوليرا، وما يجي من الله أهلاً به، قد جت الصواريخ والحرب والقذائف، لو قدها مكتوب لك الموت أنت عتموت وإنت في بيتك”.

كان السريحي يتناول نبتة القات (نبتة منشطة يلوكها اليمنيون لساعات، ويُعتقد أنها تزيد من النشاط والتركيز)، ويمضغها بنهم، وقال “لم أغسلها.. فغسل القات يضيّع طعمه”، ولربما كانت تلك النبتة تحمل بكتيريا الكوليرا، فعملية بيع القات وتخزينه تمر بمراحل عدة، كلها تفتقر لأبسط مقومات السلامة الصحية.

 

 

مياه ملوثة

أمام مبنى وزارة الإدارة المحلية في شارع الحصبة وسط صنعاء، يتسابق الأطفال والرجال والنساء، للحصول على المياه المجانية، من بئر يعمل على نفقة فاعل خير، وعلى مسافة 10 أمتار من البئر، كانت المجاري والمياه الآسنة، وأكوام القمامة والنفايات.

تقول أم عارف وهي امرأة متقدمة في السن، أنها اعتادت والعشرات من سكان حيّها، على أن يحصلوا على المياه من هذه البئر، وبالتحديد مع انقطاع مشروع المياه العامة مطلع عام 2015.

وتضيف “كيف نأتي بالماء، والخزان المحمّل على الشاحنات الصغير قيمته بـ4 آلاف ريال، والناس لا تأخذ رواتب”.

وتشير إلى أنهم مضطرون لاستخدام مياه البئر ولو كانت ملوثة بالكوليرا، واكتفت بالقول “ربنا أعلم بحالنا وهو الذي سيحفظنا، أما نحن ما معنا إلا هذا الماء”.

وفي الجوار كانت الرائحة النتنة تنبعث من مجاري المياه.

الكوليرا هدية ترامب

 

وبالنظر للأزمة الإنسانية، إلا أن جماعة الحوثيين وحزب صالح الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية، وظّفوا الكارثة الصحية بشكل سياسي، ومثلها كانت الحكومة اليمنية التي تسيطر على العاصمة المؤقتة عدن، ومدن الجنوب والشرق اليمني.

فقد عمد الحوثيون إلى الكتابة على الجدران في الشوارع والأحياء، بأن الكوليرا هي “هدية أميركية من ترامب”.

 

وتشير تلك العبارة إلى أن أميركا هي سبب انتشار الوباء، بالتعاون مع السعودية، التي تقود تحالفاً عسكرياً من 10 دول ضد الحوثيين، لاستعادة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي منذ 26 مارس/آذار 2015.

وكان نشطاء موالون للحوثيين، قد ذكروا على مواقع التواصل، بأن الطائرات السعودية هي من نشرت الوباء في السحاب، ليسقط المطر على المدينة محملاً بالجراثيم.

 

وفي المقابل، قال وزير الداخلية اليمني في الحكومة اليمنية حسين عرب، إن المحافظات المحررة (الخاضعة لسيطرتهم) لم ينتشر فيها الوباء، وإن الوباء مقصور على المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، رغم أن المستشفيات سجلت إصابات بالوباء في محافظات أبين ولحج، والأخيرتان تقعان ضمن سيطرة الحكومة.

الكوليرا في السجون

ودعت وزارة حقوق الإنسان اليمنية الصليب الأحمر إلى التدخل السريع لإنقاذ حياة أكثر من ٤٥ مختطفاً في سجون جماعة الحوثيين بعد إصابتهم بالكوليرا.

وقال وزير حقوق الإنسان محمد عسكر، إن المختطفين في سجون المليشيا لم ينالوا الرعاية الصحية اللازمة، بعد إصابة أكثر من ٤٥ منهم بالكوليرا في سجن هبرة وسجن الأمن السياسي بصنعاء، طبقاً لما أوردته وكالة “سبأ” الحكومية.

وأضاف أن “المختطفين يتم وضعهم في عنابر تمتلئ بالمجاري في بدروم السجن، ما زاد من عدد المصابين بالأمراض الوبائية”.

 

دعم دولي محدود

وحتى اللحظة، حذرت المنظمات الصحية الدولية العاملة في اليمن، من خروج الوباء عن السيطرة، وطالبت بدعم دولي لمكافحته.

والإثنين 15 مايو/أيار 2017، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “اليونيسيف”، عن تخصيص مليوني دولار لمكافحة مرض الكوليرا في اليمن، وتوفير الماء المضاد للجفاف والأدوية المطلوبة لمكافحة هذا المرض.
من جهتها، أعلنت فرنسا تخصيص مليوني يورو للمساهمة في مكافحة الانتشار السريع للوباء.

*هاف بوست عربي

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق