منذ تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، عقب إقالة اللواء عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لمحافظة عدن، لم يتوقف المجلس عن إظهار العداء للمملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، وتصاعدت نبرة هذا الخطاب العدائي مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة عدن أواخر يناير الماضي، خصوصاً بعد الضغوط التي فرضتها الرياض عليه لإيقاف مخططه الذي كان يستهدف الحكومة الشرعية.
المواجهات التي عاشتها عدن، بين قوات الألوية الحماية الرئاسية التابعة للحكومة الشرعية، وقوات الحزام الأمني واللواء العسكري التابع لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والمدعومة إماراتياً، والتي راح ضحيتها أكثر من 50 شخص، كانت بمثابة المؤشر الواضح والصريح للموقف السعودي الإيجابي تجاه الحكومة الشرعية، وتراجع موقف أبو ظبي عن مواصلة دعم الانتقالي يمكن تفسيره بأنه أحد مخرجات الضغوط السعودية.
وانطلاقاً من الخلفية الأيدولوجية التي يتكوّن منها المجلس الانتقالي الجنوبي، وتشرّب منها معظم قياداته، فإن المملكة العربية السعودية تظلّ في الصف الآخر، بناءً على تاريخها الطويل المناهض للاشتراكية، ناهيك عن موقفها الواضح والمتكرر من وحدة اليمن واستقراره، ولذلك يعتبرها الكثير في الانتقالي الجنوبي عدواً فكرياً وسياسياً، ويصف هذه العداوة بالتاريخية، وذلك على الرغم من المستجدات المتوالية لعقود من الزمن، وآخرها قيادة المملكة للتحالف العربي الذي يعترف له أبناء المحافظات الجنوبية بمساعدتهم الكبيرة في الخلاص من سيطرة الانقلابيين الحوثيين المدعومين من إيران.
في التاسع من الشهر الجاري، استضاف تلفزيون “بي بي سي” السفير السعودي إلى اليمن، محمد آل جابر، وقال السفير يومها إنه “ما من تغييرات مرتقبة في الحكومة الشرعية”، وأكد في اللقاء أن القضية الجنوبية “لم تكن وليدة اليوم وقد تمت معالجتها عبر مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة نخبة من الجنوبيين”، ومباشرة خرج نائب رئيس المجلس الانتقالي “هاني بن بريك” يرد على السفير في صفحته على تويتر، مؤكدا بحدّة أن حل القضية الجنوبية الذي لا يقبل نقاشاً هو عودة الدولة الجنوبية مستقلة كاملة السيادة، مشيراً إلى أنه لم يتم الاتفاق مع الجنوبيين على حل كهذا مطلقاً، لا في مؤتمرات ولا غيره.
واتهم مدير مكتب دائرة العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي، أحمد عمر بن فريد، في صفحته على “تويتر”، القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية بأنها مشكلة من خلايا “القاعدة” بدعم حكومي، وهو إشارة إلى الرياض التي تدعم الحكومة وأوليتها العسكرية في عدن وغيرها.
من جانبه، حملّ عضو الدائرة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ياسر اليافعي، ما أسماه بـ”تحالف الرياض” المسؤولية الكاملة عن تأخير حسم المعارك في المناطق الشمالية، والفوضى في المناطق المحررة، وفق ما ذكره على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي، فيس بوك.
وضمن سياق الهجوم على الرياض، خرج الناشط الإعلامي المؤيد للانتقالي “حسين لقور” يؤكد في تعليقه على أحداث عدن ينتقد التحالف الذي قال إنه أنقذ الحكومة الشرعية، لافتاً إلى أن موازين القوى قد تغيرت، وأنه لابد من مشروع سياسي جديد، وأضاف أن اليمن “أصبح بحاجة إلى مشروع سياسي جديد، يتعامل مع الوقائع على الأرض، ويبنى على أسس بعيده عن كل ما تقدم”، وأن مخرجات الحوار والمبادرة الخليجية التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية ليست مقبولة.
ويبدو أن المجلس الانتقالي الذي يطالب المملكة بالنظر إلى مستجدات “صناعية” في عدن، ما يزال هو نفسه غير قادر على تجاوز عداءه التاريخي مع السعودية واستيعاب المستجدات التي حدثت منذ سقوط المنظومة الاشتراكية أواخر الثمانينات من العقد الماضي.