تعتبر الاحتجاجات الإيرانية مهمة ولكن السؤال بحسب صحيفة “غارديان” هو ما تعنيه. وبدأت بالحديث عن صعوبة التكهن بما يحمله العام الجديد لنا من أحداث. ويعتبر من الحماقة بمكان التكهن بما سيحدث في إيران في الساعات والأيام المقبلة فالاحتجاجات التي دخلت يومها الخامس وانتشرت في كل المدن والبلدات الإيرانية تقريباً هي الأكبر منذ الاحتجاجات التي قادتها الحركة الخضراء عام 2009 احتجاجاً على نتائج الانتخابات.
وهتف المحتجون ولأول مرة بـ “الموت لخامنئي” مع تقارير قالت إن هناك من هتف للملكية التي أطاحت بها الثورة الإسلامية عام 1979 فيما دعا آخرون طهران للتخلي عن طموحاتها الجيوسياسية في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
وذكرت الصحيفة بأن القمع الذي لاقته الثورة الخضراء لا يزال محفوراً في ذاكرة الإيرانيين الذين هددتهم وزارة الداخلية اليوم بـ “دفع الثمن الغالي” والحرس الثوري باستخدام “القبضة الحديدية” ضدهم.
وتشير الصحيفة إلى أن القليل يعرف عن التظاهرات وكيف بدأت سوى أن شرارتها اندلعت في مدينة مشهد. ويضيف الخلاف الداخلي بين المعسكرات والأيديولوجية – الإصلاحية والمتشددة لحالة الغموض التي تحيط بها. فالإصلاحيون يشكون بأن من يقف وراءها هم المتشددون وبالتحديد المتعاطفون مع إبراهيم رئيسي، مسؤول مرقد الإمام الرضا في مشهد والذي كان منافساً لروحاني في الانتخابات الأخيرة.
وبدأت التظاهرات بهتافات “الموت لروحاني”. ولكن معظم الهتافات كانت ضد البطالة وأسعار الطعام والفساد وعدم المساواة. ولم يجلب الاتفاق النووي عام 2015 المنافع الاقتصادية المنشودة، فالعقوبات لا تزال مصدر الآلام الاقتصادية.
ومن هنا كان المشاركون في التظاهرات من الطبقة العاملة مقارنة مع المتظاهرين عام 2009 والذين كانوا من الطبقة المتوسطة. وتقول الصحيفة إن التظاهرات هي امتحان للرئيس روحاني الذي فاز بالانتخابات بناء على وعد تحسين الوضع الاقتصادي ولأنه إصلاحي. وتتساءل إن كانت التظاهرات ستهدأ أو انها ستنتهي بحل سلمي. ولكنها بالتأكيد تسبب قلقاً داخل كل المعسكرات في النزاع الداخلي الإيراني.
الفتاة السافرة
وفي سياق آخر كتب مراسل الصحيفة سعيد كمال دهقان عن فتاة في إيران انتشرت صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي وقد خلعت حجابها ولوحت به على عصا وهي تقف على كشك للهاتف العام. وسواء كانت محاولة منها لطلب الهدنة من الشرطة أم غير هذا، فالمكان الذي التقطت فيه الصورة تلزم المرأة فيه بارتداء الحجاب. ولكن ما قامت به هو عمل جريء وفعل مقاومة يعبر عن أحلام الجيل الإيراني الشاب الذي لا يحمل مظالم اقتصادية فقط ولكنه يشكو من غياب الحرية السياسية والاجتماعية.
وظهرت الصورة الأسبوع الماضي قبل الاحتجاجات التي اندلعت في شمال شرقي إيران بطريقة لم يكن يتوقعها أحد وتمثل أكبر تحد للقيادة في طهران منذ تظاهرات الثورة الخضراء عام 2009 وهزت أساس الجمهورية الإسلامية. ويعلق دهقان بأن توسع المدى الجغرافي للتظاهرات والشعارات القاسية التي رددت فيها غير مسبوقة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979 وأدت بالمراقبين للمقارنة بينها وبين التظاهرات التي اندلعت على منح محمود أحمدي نجاد الفوز على حساب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي. وعلى خلاف الثورة الخضراء فقد أطلق الكثير من مستخدمي التويتر على الاحتجاجات الحالية “اعترازي أومومي” أو (الإضراب الكبير) فإنها تطرح أسئلة أكثر من أجوبة وأثارت دهشة المراقبين الذي حاولوا البحث عن أسباب إندلاعها ولماذا اندلعت بسرعة وماذا تعني بالنسبة لمستقبل إيران. وهناك اختلاف كبير بين الحركتين، فقد بدأت في مشهد التي تعتبر مركزا للمعارضة ضد الرئيس حسن روحاني.
ونقلت صحيفة “غارديان” عن مصدر مقرب من المسؤولين في الحكومة أن الاحتجاجات نظمها متشددون دعموا حملة المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي. وكانت الشعارات تتضمن “الموت لروحاني” ولكنها سرعان ما خرجت عن السيطرة وتضمنت شعارات “الموت للديكتاتور” وشجب قيادة آية الله علي خامنئي. وانتشرت التظاهرات في غضون أيام إلى كرمنشاه ورشت وأصفهان وهمدان وقزوين وحتى قم. وفي يوم السبت انتقلت إلى طهران وشهر الكرد وبندر عباس وأراك وزنجان وأبهار ودورود في لورستان. وقال تقي كروبي، نجل الزعيم المعارض الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية، مهدي كروبي إن التظاهرات الأخيرة تكشف عن الرغبة بالاحتجاج رغم قمع عام 2009. و”بدلاً من تحميل القوى الأجنبية المسؤولية وأنها وراء التظاهرات، فعلى المؤسسة أن تعترف بوجود قاعدة احتجاج في إيران”. وأضاف أن فوز روحاني الساحق جاء بسبب دعم الإصلاحيين له إلا أن تحوله للخط المحافظ خيب آمال قاعدته: “كان الإصلاحيون هم الذين ضخوا الأمل في البلاد وهم الآن صامتون- وهذا هو سبب ضعف الحكومة وعجز السكان وعندما لا يضخ الإصلاحيون الأمل يتذمر الناس″.
بقيادة الطبقة العاملة
وأضاف دهقان أن الكثير من زعماء الإصلاحيين لا يدعمون تغيير النظام وبعضهم عبر عن عدم ارتياحه من الهتافات التي تدعم الملكية. وعلى خلاف احتجاجات 2009 تفتقد الاحتجاجات الحالية للمرشد والقوة المنظمة لها. وهذا جيد لها لان الدولة لا تستطيع ملاحقتها واعتقال قياداتها. وعبر السجين السابق مصطفى تاج زاده الذي قضى سنوات عدة في السجن بعد احتجاجات عام 2009 عن شكوكه من التظاهرات ويخشى من تحول إيران لسوريا ثانية. وناشد السلطات السماح للتظاهرات والمتظاهرين احترام القانون. وفي الوقت الذي كانت فيه الطبقة المتوسطة والنخبة تقود احتجاجات عام 2009 فإن هذه الحركة بقيادة الطبقة العاملة التي تأثرت بشكل كبير من المصاعب الإقتصادية التي مرت بها البلاد. ويرى الكثيرون أنه من الباكر لأوانه الحديث عن الإحتجاجات فهي مثل “اللغز″ كما قال أحد المعلقين الذي رفض الكشف عن هويته مضيفا:”ربما كانت هناك أسباب أخرى مثل التنافس بين فصائل مختلفة خاصة مع تقدم خامنئي في العمروالمعركة على خلافته أصبحت أكثر جدية”. وعلى خلاف تظاهرات عام 2009 كانت المؤسسات الإعلامية المرتبطة بالنظام الأولى التي قامت بنشر اخبار عنها. وبحسب محمد مرداني، الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة طهران، المتعاطف مع الجمهورية الإسلامية، فحسن روحاني هو المسؤول عنها بسبب سياساته الاقتصادية، مشيراً إلى أنها بدأت بعد اسابيع من إعلانه عن ميزانيته الحكومية. وقال: “من الظاهر أن هناك مشاكل اقتصادية، وأعتقد أن السياسة الحكومية التي يراها البعض ميالة نحو “اللبرلة” وزيادة أسعار الوقود ورفع الدعم ولأن الاقتصاد في وضع غير جيد”. وفرق مرداني بين فريقين من المتظاهرين، فريق يتظاهر لأسباب اقتصادية وفريق ثانٍ لأسباب سياسية وهما ليسا متشابهين.
الأعداء يراقبون
والسؤال هو كيف سيتعامل حسن روحاني مع الأزمة؟ خاصة ان اعداء إيران يراقبون ما يجري. ووصف المعلق سايمون تيسدال هؤلاء بالصقور الجارحة التي تحلق عالياً في الصحراء فوق إيران. وهذه هي الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. وقال إن المسؤولين الإيرانيين سارعوا لاتهام الأعداء الخارجيين بالوقوف وراء التظاهرات التي عمت المدن الإيرانية خلال الأيام الماضية. وعلق: “مثل الطيور الجارحة التي تحلق عالياً في السماء فوق الصحراء يراقب أعداء ومنافسو إيران الكثر تظاهرات الشوارع في طهران وبقية المدن الإيرانية الأخرى بعيون تشع ببريق الطمع. إلا أن الآمال بانهيار قريب للنظام والتي عبرت عنها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تبدو متعجلة. ولكن أي ضعف في سيطرة الحكومة على السلطة سواء كان متخيلاً أم حقيقياً هو بمثابة إنذار خطير بزيادة التوتر الإقليمي. فإيران ذات الغالبية الشيعية التي حاولت عكس صورة عن هيمنتها في معظم الشرق الأوسط أدت إلى أعداء كثر لها. وحصلت سياستها التوسعية في المنطقة على زخم في نهاية الحرب الباردة وزادت بعد الغزو الأنكلو- أمريكي للعراق عام 2003. وأصبحت إيران الآن اللاعب الرئيسي في عراق ما بعد صدام ولبنان وسوريا. وأدت هذه التجاوزات لحالة من السخط ليس في العراق ومناطق السنة فحسب ولكن في مقر الإسلام السني، السعودية”.
واتهم المسؤولون الإيرانيون السعوديين بالتحريض على الاحتجاجات. فعندما اتهم نائب حاكم محافظة لورستان “الجماعات التكفيرية” و “المخابرات الأجنبية” فقد كان يشير تلميحاً إلى السعودية. فحتى وقت قريب كانت فكرة تآمر السعودية لتغيير النظام في إيران غريبة إلا أن العلاقات توترت بين البلدين بدرجة غير مسبوقة. واتهم السعوديون إيران مباشرة بالمسؤولية عن الهجمات الصاروخية منها واحد أطلق نهاية الشهر الماضي على قصر الملك في الرياض. وقد أطلق الصاروخ من اليمن الذي يخوض فيه تحالف تقوده السعودية حرباً ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وامتدت المنافسة إلى لبنان حيث حاول ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان ما رآه البعض محاولة إنقلابية فاشلة لتخفيض التأثير الذي يمارسه حليف إيران هناك- حزب الله. ففي محاولاته لوقف تمدد إيران وضرب قطر وبقية دول الخليج كي تتبع خط بلاده وتأكيد سيطرته في الداخل، حصل الأمير الشاب بن سلمان على سمعة الشخص المتهور.
“هتلر الشرق”
ولا احد يعرف إلى أي مدى عبر فيه بن سلمان عن استعداده للمضي في مواجهة إيران. ولكنه تعهد بنقل المعركة إلى داخلها ووصف المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي بـ “هتلر الشرق الأوسط”. وحصل بن سلمان على متابعين بعد شريط فيديو يصور محاولته بطريقة ساخرة غزو إيران. ويحظى ولي العهد السعودي بدعم من صديقه جارد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط. كما أن عداء الرئيس الامريكي لما يصفه بالنظام المارق ورغبته بانهياره ليست سراً. ولكن المفاجئ هو اندلاع التظاهرات بدون أي محفز لها. وعبر ترامب ونائبه مايك بينس عن أملهما بنهاية “النظام القمعي” في إيران. وتجاهل كل منهما الحقيقة أن حسن روحاني تم انتخابه من جديد قبل أقل من عام بطريقة ديمقراطية. وعبر كذلك المسؤولون الإسرائيليون عن رغبة بانهيار النظام، فقد قال وزير التعاون الإقليمي تساحي هنغبي إن “المتظاهرين الإيرانيين يعرضون وبجرأة حياتهم للخطر من أجل الحرية” ودعا “العالم المتحضر” لدعمهم. إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بنى مسيرته السياسية على شيطنة إيران دعاهم للتراجع خشية أن تحول الجمهورية غضبها على إسرائيل. ولو كان نتنياهو يخشى ردة فعل فهو حكيم في موقفه لأن إسرائيل على خلاف ترامب وبينس على مرمى إطلاق النار لو خرجت الأمور عن السيطرة.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن إيران زادت من إمداداتها الصاروخية لكل من حزب الله في لبنان وحماس في المناطق الفلسطينية. وتخشى إسرائيل من أمن مرتفعات الجولان التي تحتلها منذ عام 1967. وإيران ضعيفة قد تضرب وقد تظهر كدولة مزعجة وشريك لا يمكن التكهن به في العراق وسوريا وكذا لتركيا وروسيا حيث ترتبط بهما بعلاقة مصلحة. وبالنسبة للصقور الأمريكية والإسرائيلية والسعودية التي تحلق فوق إيران فيجب أن يكونوا حذرين حول ما يتمنون أن يحدث.
*القدس العربي