نشرت صحيفة “أتلنتيكو” الفرنسية تقريرا، نقلت فيه حوارا مع الباحث والأستاذ المحاضر في جامعة ليل الكاثوليكية، بارتليمي كورمون، الذي تحدث عن السلاح السري الحقيقي لكوريا الشمالية، المتمثل في نموها الاقتصادي وليس القوة النووية التي ترهب العالم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن العقوبات المسلطة على كوريا الشمالية لا تزال دون جدوى، ولم تحرز أي تقدم يذكر، وهو ما أكده اختبار إطلاق الصاروخ الباليستي الأخير. فمنذ أول تجربة نووية كورية شمالية خلال سنة 2006، أصدر مجلس الأمن الدولي ثمانية قرارات في الغرض تتضمن تسليط جملة من العقوبات، لعل آخرها صدر هذا الشهر.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كان هناك نوع من عدم التقدير أو التقليل من شأن التطورات الاقتصادية التي تشهدها كوريا الشمالية، خاصة لتمكنها من المقاومة، وعدم الانهيار في ظل العقوبات المسلطة عليها.
ونقلت الصحيفة، على لسان الباحث كورمون، أن كوريا الشمالية معزولة اقتصاديا منذ وقت طويل، كما أن العقوبات الاقتصادية ليست إلا خاصية تميزها عن غيرها من البلدان المجاورة. فضلا عن ذلك، يبدو أن لهذه الإجراءات غير الفعالة نتائج عكسية؛ لأنها تخدم دعاية النظام الكوري الشمالي بدرجة أولى، ناهيك عن أنها لم تتمكن من أن تحول دون تطور اقتصاد البلاد ونموه بنحو أربعة بالمئة في السنوات الأخيرة.
حسب قول الباحث، يعدّ هذا التطور الاقتصادي أحد أهم أسرار كوريا الشمالية وقائدها. عموما، يعتمد كيم جونغ أون على استراتيجية مزدوجة لإدارة بلاده، تتراوح بين الشدة واللين. من جهة أولى، يتخذ الرئيس الكوري الشمالي موقفا متصلبا في إدارة شؤون بلاده العسكرية والدبلوماسية، بينما يتبع على الصعيد الاقتصادي استراتيجية التحرير التدريجي.
وأوردت الصحيفة قولا للباحث أفاد فيه بأنه ليس من السهل تصور التطور والتقدم الاقتصادي الذي حققته البلاد عند مقارنة الحالة الراهنة بوضعها خلال منتصف التسعينات. ويعود الفضل في النمو الاقتصادي، الذي أحرزته البلاد، إلى الثروة المنجمية من المعادن، التي تزخر بها الأراضي الكورية الشمالية، والتي تصدّرها أساسا إلى الصين.
وبشكل عام، تسمح هذه العائدات المالية بشراء معدات لتطوير البنية التحتية وأدوات الزراعة والصلب. وفي الإجمال، تعد المبادلات التجارية مع الصين المنفذ الذي يغذي كوريا الشمالية “بالأكسجين”.
وبينت الصحيفة أن الاقتصاد الكوري الشمالي وسيلة ناجعة بيد النظام، خاصة أنه في ظل النمو الاقتصادي الذي أحرزته كوريا الشمالية بعد سنة 2011، ومدى مساهمة اقتصادها في الانفتاح على العالم.
وفي هذا الصدد، أكد المثال الصيني (الشبيه بالنظام الكوري) أن الموازنة بين تحرير الاقتصاد والحفاظ على سياسة معادية لبيونغ يانغ له إيجابيات عديدة. ورغم أنه من الجيد انفتاح البلاد تدريجيا على الصعيد الاقتصادي، إلا أن الغرب لن يتردد عن التصدي وعرقلة الانفتاح الذي تحققه كوريا الشمالية، في حال تفطن إلى أنه أمر من شأنه أن يضعف النظام العالمي.
ونقلت الصحيفة عن الباحث أن جميع هذه التطورات الاقتصادية التي حققتها كوريا الشمالية تكونت في الفترة التي فرضت فيها أقصى العقوبات عليها. كما بلغت هذه التطورات معدلات قياسية لم تحققها من قبل.
من جانب آخر، يرى الكوريون الشماليون أن هذا التقدم دليل صارخ على نجاحهم في تحقيق اكتفاء ذاتي، وهو ما يعزز الدعاية بقيادة بيونغ يانغ.
وفي سؤال الصحيفة عن الإجراءات الواجب اتباعها في ظل هذا الوضع، أكد كورمون أنه يجب الاعتراف أولا بفشل العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وإعادة النظر فيها. من جانب آخر، يعد تسليط العقوبات على قادة الدول خطوة جيدة، لكن يجب ألّا تلحق هذه العقوبات أضرارا بالشعب وتجعل منه كبش فداء. علاوة على ذلك، لن تخدم هذه العقوبات أي أغراض سياسية في هذه الحالة.
في الختام، أشار الباحث إلى أن عدم التحرك أمام فشل العقوبات المسلطة على كوريا الشمالية يعدّ أمرا مثيرا للسخرية. إلى جانب ذلك، يحقق هذا الجانب نتائج عكسية، نظرا لغياب الحوار بين مختلف الأطراف. ولحل هذه الأزمة، يمكن الاستعانة بكوريا الجنوبية لتنظيم حوار من شأنه أن يجمع أطراف هذه الأزمة على طاولة واحدة.