ست سنوات عجاف وسبعة رمضانات خالية من الروحانية والبهجة عايشها اليمنيون ولا يزال حلم الخلاص من المليشيا في الشمال والجنوب هو الحلم الجامع والأمل الأعظم لكل يمني في الداخل والمهجر، لكنه حلم يخفت ويضمحل في ظل التكاثر المستمر للمليشيات والتقهقر الكبير للدولة ونفوذها، إذ باتت الآن تقاتل في معقلها الأخير (مارب) بعد أن أخرجت من صنعاء ثم عدن.
ويجيء رمضان، واليمنيون يئنون تحت وطأة الأزمات والفقر والمرض، وإلى جانب كل ذلك ضيف جديد هو فيروس كورونا وقد حوّل البلد إلى مقبرة كبيرة وبات (حلاجة) تقتل من اليمنيين أضعاف ما تقتله آلة حرب الإنقلاب.
بهجة معدومة
وفي ظل رباعية الخراب الكبير (حرب وفقر وظلام ووباء) من صنعاء إلى عدن يأتي رمضان جديد على اليمن بلا ملامح ولا بهجة، بعد أن أشغلت المأساة اليمنيين عن مشاعر الروحانية والسعادة المعتادة مع قدوم الشهر الفضيل في كل عام.
ففي صنعاء يعيش المواطنون غبناً على غبن وأوجاعاً متراكمة بعضها فوق بعض في ظل أزمات لا تنتهي تحت سطوة العهد الحوثي، وآخرها الأزمة الخانقة في الوقود، حيث لا تزال المشتقات النفطية معدومة منذ أشهر ولا يباع الوقود إلا في السوق السوداء وبأسعار فلكية تتراوح بين 18 و 25 ألفاً لكل عشرين لتر بنزين.
يزيد من عمق المأساة الإنقطاع التام للرواتب وأنصاف الرواتب وأرباعها وأثمانها، بعد أن أعلن حاكم صنعاء مهدي المشاط قبل نصف عام تقريباً أن جماعته باتت عاجزة عن صرف نصف الراتب كل شهرين (ربع راتب شهرياً) للموظفين في نطاق سيطرة المليشيا.
كما يفرض غلاء الأسعار في الأسواق نفسه ككابوس يقض مضاجع المواطنين، والذين بات معظمهم تحت مستوى خط الفقر.
وفي هذا السياق يقول المواطن أمجد سعيد لـ”عدن نيوز” أنه لولا المبادرات المجتمعية والمساعدات الإغاثية المحدودة لعمت المجاعة صنعاء وكل مدن الشمال.
وفي عدن يأتي رمضان والمدينة غارقة في الظلام والوباء والأزمات المتلاحقة في شتى مناحي الحياة، بعد أن أسقط انقلاب مليشيات المجلس الانتقالي الممولة والمسيرة إماراتياً أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وبات على المواطن العدني أن يواجه مصاعب الحياة وأزماتها وتكاليفها الخانقة منفرداً بعد أن أصبحت المدينة التي كانت حتى عامين سابقين عاصمة مؤقتة تضج بالحياة والحركة، وكأنها قرية في القرن الثامن عشر وفق تشبيه مواطنين تحدثوا إلى “عدن نيوز”.
وبينما تشتد المواجهة بين الشرعية وانقلاب الشمال وانقلاب الجنوب أعلن طارق محمد صالح قائد قوات حراس الجمهورية في الساحل الغربي مؤخراً، تشكيل سياسي جديد وصفه مراقبون بأنه إعلان رسمي عن إنشاء مليشيا ثالثة في البلاد التي أنهكتها المليشيات من أقصاها إلى أدناها.
وبعد أن كانت منطقة الساحل الغربي لليمن ومدينة المخا على وجه الخصوص منطقة هادئة ومستقرة منذ تحريرها في 2017م، باتت الآن منطقة اشتباك عسكري، حيث يخوض أهالي المدينة صراعاً وجودياً مع طارق ومليشياته، زاد من مفاقمة أحوالهم الصعبة قبيل أيام من مقدم رمضان.
روحانية رمضان اختفت
مع بسط نفوذها على صنعاء شرعت مليشيات الحوثيين في تنفيذ إجراءات خطيرة تستهدف الشعائر الدينية لأهالي العاصمة، في محاولة لفرض أفكارها وعقيدتها.
وقامت مليشيا الموت والإرهاب باستبدال خطباء المساجد بآخرين محسوبين على الجماعة، ومنعت إقامة صلاة التراويح في أغلب مساجد العاصمة صنعاء وبعض المدن التي تهيمن عليها.
وحذرت الحكومة اليمنية المليشيات الانقلابية من مغبة الاستمرار في فرض أفكارها الدخيلة على المجتمع اليمني التي لا يقبلها اليمنيون، داعية في الوقت نفسه إلى النأي بالمساجد عن الصراعات المذهبية والحزبية.
من جهته، قال المواطن “كمال جمعان”، من أهالي صنعاء إن مليشيا الحوثي منعت أداء صلاة التراويح في المساجد، وهذا الإجراء نزع جزءاً كبيراً من روحانية رمضان التي اعتدناها كل عام، ونشعر أن الانقلابيين الحوثيين يفرضون علينا شعائر رمضانية غير التي نعرفها.
وأضاف: “اعتدْتُ في رمضان على الخروج مع الزملاء والأصدقاء لصنعاء القديمة وأماكن أخرى أو لزيارة الأقارب، وفي رمضان هذا العام، لكل واحد منَّا همه الخاص، إضافة إلى أن الكثير من زملائنا يقبعون في سجون الحوثيين.. رمضان هذا العام والأعوام القليلة السابقة مختلف تماماً عما كان الوضع عليه سابقاً”.
وتابع قائلاً: “كل عام يستعد اليمنيون لرمضان بشراء مستلزمات هذا الشهر الكريم، لكن المليشيات حرمت منذ أعوام الموظفين من رواتبهم، وأصبح الهم الوحيد لنا كيمنيين هو توفير المواد الغذائية الأساسية فقط، التي ارتفع سعرها؛ بسبب مضايقة الحوثيين للتجار وفرض إتاوات عليهم “.
أسوأ مرحلة
من جانبه، قال الصحفي اليمني صادق الشويع: “لا أتذكر مرحلة حياتية أسوأ من التي تمر بها اليمن حالياً، وربما هذا شعور اليمنيين جميعهم، فهذه أكثر لحظة تاريخية تحمل من القسوة والسوء ما لم يلحظه جيل الشباب على الأقل منذ ولادتهم”.
وأضاف أن “المواطن اليمني اليوم أصبح شبه ميت، فهو يعيش في منزل لا ماء فيه ولا كهرباء ولا غاز، سيارته بلا وقود، وهاتفه بلا شحن، وحاسبه لا يعمل بسبب انقطاع الكهرباء”.
ولفت الشويع إلى أن الأوضاع في جميع محافظات الجمهورية غير مستقرة أمنياً، مؤكداً أن “صنعاء” التي يحاول الحوثيون إظهارها بمظهر العاصمة المستقرة، تعيش أسوأ فترة في تاريخها الممتد لآلاف السنين.