برغم كل الانتكاسات العميقة التي منيت بها السلطة الشرعية والتي حدثت في عهده، لا يزال معين عبدالملك صامداً ومتشبثاً بمنصبه كرئيس الوزراء في الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً، وهو ما يثير علامات استفهام كبرى حول الضغوط التي تعرضت لها الرئاسة اليمنية، بحسب مصادر خاصة، لضمان بقاء معين على عرش التشكيل الحكومي القادم، على الرغم من حجم الرفض الشعبي والسياسي الواسع الذي يواجهه.
وكان الرئيس هادي قد أصدر قراراً بتعيين معين رئيساً للوزراء في أواخر 2018م، خلفاً لرئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، وقالت تقارير صحفية في حينه أن تعيين معين جاء نتيجة ضغوط كبرى مارستها الإمارات، وأن معين هو في الأصل مرشح الإمارات لقيادة حكومة اليمن.
إلا أن حجم الانتكاسات المريع الذي أحدثه معين منذ تعيينه الذي لم يتجاوز العامين، وعلى مختلف المجالات (سياسياً – واقتصادياً وخدمياً) دقّت ناقوس الخطر بشأن ما يمكن أن يحدثه معين من خراب إضافي آخر في المشهد اليمني إذا ما نجحت الضغوطات الحالية في الإبقاء عليه رئيساً للوزراء.
وبلغت السلطة الشرعية في الآونة الأخيرة درجة غير مسبوقة من الهشاشة والضعف، ترجم ذلك الضعف خروج عدد من المحافظات اليمنية الرئيسية من سيطرتها، لعل أبرزها عدن وسقطرى.
وهنا نطرح تساؤلاً حول المخاطر التي تحدق باليمن واليمنيين فيما إذا تمكن معين من الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للحكومة، ونستطلع أبرز الملفات الساخنة والتحولات السياسية الكبرى التي كان لمعين دور رئيسي فيها.
خطر على الاقتصاد الوطني
يمثل بقاء معين في منصب رئيس الوزراء خطراً داهماً على الاقتصاد الوطني المترنح أصلاً، والذي بلغ في عهده مستوى غير مسبوق من الهشاشة والإنحدار.
وباعتبار قيمة العملة الوطنية انعكاساً صادقاً لمستوى اسنقرار أو عدم استقرار الاقتصاد، فقد انحدرت قيمة الريال اليمني إلى أدنى مستوى لها، وسجلت سعر صرف تاريخي غير مسبوق، حيث وصل سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد 750 ريالاً.
وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المسببات التي ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الوطني، كالحرب المستمرة منذ خمسة أعوام، إلا أنه لا يمكن أغفال الدور التخريبي الكبير الذي لعبه معين في هذا الجانب أيضاً، عبر مساهمته في شرعنة التحركات المتمردة الإنفصالية والتي نهبت من خزينة الدولة خلال الأشهر الفائتة ملايين الريالات، أو عبر محاربته للمؤسسات الاقتصادية الوطنية البارزة، كمؤسسة العيسي التجارية، والتي رفدت خزينة الدولة خلال السنوات الماضية بمئات الملايين، الأمر الذي ساهم في تعزيز بقاءها الاقتصادي بالرغم مما تعانيه عدم سيطرتها على موارد مالية كبرى، كالموانئ والمطارات، والتي تقبع معظمها تحت سيطرة الاماراتيين جنوباً، والحوثيين شمالاً.
وعلى سبيل الإشارة والتنويه، فقد سهّلت مؤسسة العيسي عملية استيراد الحكومة اليمنية للنفط عبر تقديمها قيمة النفط المشترى من حساباتها الخاصة، واتبعت أسلوب السداد الميسر مع الحكومة، والأمر الذي ساهم في حدوث استقرار نسبي في قطاع الخدمات والطاقة، ووفر للدولة سيولة مالية ساعدتها في دفع مرتبات الموظفين وتدوير عجلة التنمية من جديد.
كل هذه المكتسبات التي تحققت للدولة في ظل نشاط مؤسسة العيسي تعرضت للتوقف أو للتعطيل بإيعاز من الإمارات وبتمرير من معين، كما قام معين بفرض قيود على نشاطات المؤسسة بغرض تعطيلها عن دورها الرائد في دعم الحكومة الشرعية.
خطر على مؤسسة الشرعية
بات من الواضح والجلي بالنسبة للمراقبين المتابعين للشأن اليمني أن بقاء معين على عرش حكومة اليمن يشكل خطراً وجودياً داهماً على السلطة الشرعية، وعلى الرأس منها مؤسسة الرئاسة اليمنية.
ويكمن الخطر الذي يشكله معين على الشرعية في تماهيه الكامل مع المشروع الإماراتي المعادي أصلاً للشرعية وعلى وجه الخصوص رئيس الجمهورية اليمنية، عبدربه منصور هادي، باعتباره عائقاً دون إكمال الهيمنة والوصاية الإماراتية على اليمن.
ويبرز الهجوم الأخير الذي شنه معين على مؤسسة الرئاسة اليمنية من العاصمة المصرية القاهرة كدلالة راسخة عن مدى التواطؤ بين معين وبين مموليه خارجياً، بغرض هدم آخر سلطة شرعية في اليمن.
وتقمّص معين في حديثه مع مجموعة من الصحفيين شخصية رئيس الوزراء المقال خالد بحاح، والذي يحتفظ بعلاقات راسخة مع الإمارات، ولمّح إلى ضرورة إزاحة الرئيس هادي من المشهد السياسي مستقبلاً، مشدداً على أن “الشرعية هي دولة وليست أشخاصاً”.
ولم يكتف معين بهذا القدر من الوضوح في عدائه لمؤسسة الرئاسة، بل بالغ في هجومه عليهاً مدعياً أنها تتمنع عن تنفيذ اتفاق الرياض، الأمر الذي أثار دهشة وصدمة من كان يستمع إليه.
وخلال فترة قيادته للحكومة اليمنية قام معين باستغلال منصبه وشرعنة تحركات المجلس الانتقالي المسّير إماراتياً، وتمكين سيطرتهم على الأرض بغرض خلق واقع جديد يفرض معه حسابات سياسية جديدة لا تكون الشرعية طرفاً رئيسياً فيها.
خطر على الدولة اليمنية
دخلت الإمارات الحرب اليمنية بهدف مزعوم وهو دعم الحكومة اليمنية، وهدف غير معلن وهو الهيمنة على مقدرات البلاد وثرواتها، والسيطرة على الشريط الساحلي لليمن جنوباً وغرباً، لتحقيق نفوذ إقليمي كبير، مستغلة حالة الإحتراب الأهلى وضعف مؤسسات الدولة.
ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بالنسبة لأبوظبي لابد أن يبقى اليمن متشرذماً ممزقاً وغائراً في الصراعات، ولهذا سعى أولاد زايد لزرع شخصيات هلامية وطيّعة في أعلى هرم السلطة اليمنية، وكان معين هو رجل المرحلة بالنسبة لأبوظبي.
وعمل معين على إضعاف مؤسسات الدولة وقام بتنسيق جهوده مع الإماراتيين والإنفصاليين، ليفضي الأمر لاحقاً إلى فقدان الحكومة سيطرتها على عدن ولحج والضالع وأجزاء من زنجبار، ومؤخراً سقطت سقطرى أيضاً بيد الإنفصال.
وبحسب مراقبين، فإن هذا التساقط المتلاحق للمدن والمحافظات يمثل تهديداً وجودياً للدولة اليمنية ومشروع اليمن الاتحادي القائم على الأقاليم، حيث تسعى قوى الإنفصال إلى تشطير البلاد والعودة بها إلى ما قبل 1990م.
يحدث كل ذلك بينما يواصل معين سياسة شرعنة هذه التمردات أمام المجتمع الدولي، ولا يتوقف عن كيل المديح سواءاً للإماراتيين أو لقيادة الإنفصال.
وعلى الرغم من الخسائر الذي مني بها المعسكر الوطني الوحدوي، فإنه لا يزال يحتفظ ببعض المكتسبات الاستراتيجية التي تحول دون تشطير اليمن، أبرزها السيطرة على محافظات حضرموت وشبوة والمهرة ومعظم محافظة أبين.
ويتخوف مراقبون من سقوط هذه المحافظات تباعاً فيما إذا بقي معين محتفظاً بمنصبه، الأمر الذي سينسف الدولة اليمنية ويعيدها إلى عصور الدويلات الصغيرة المتناحرة.
خطر على الجيش الوطني
يمثل الجيش الوطني الذي تأسس عقب انقلاب الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م حائط الصد المنيع أمام عصابات التمرد محلياً وأمام محاولات الهيمنة على البلاد خارجياً، ولهذا فقد كان هدفاً لمعين ومن خلفه مموليه في أبوظبي.
ووصل الجيش الوطني في عهد معين إلى وضع غير مسبوق من الضعف، ومارس معين سياسة التجويع الشديد بحق المعسكرات التي لا تزال تحتفظ بولائها للشرعية ولمشروع اليمن الاتحادي، وذلك بغرض إضعاف الروح المعنوية للجنود وبغرض طرد المقاتلين من متارسهم وإشغالهم بقوت حياتهم ورزقهم بدلاً عن مقاتلة ومجابهة مشاريع التمرد في الشمال والجنوب.
ولا تزال عشرات المعسكرات والألوية الموالية للشرعية والمرابطة في مارب وشبوة وعدد من المحافظات اليمنية المحررة بدون مرتبات منذ أكثر من نصف عام، فيما تتمتع ألوية ومناطق عسكرية خارجة عن سيطرة الشرعية، كالمنطقة العسكرية الرابعة في عدن، ببحبوحة وترف مالي غير مسبوق، وتصلها الاعتمادات بشكل شهري دون انقطاع.
لهذا فإن بقاء معين في منصبه يعني أن الأيام الصعبة التي يعانيها الجيش الوطني لن تنتهي قريباً، ولهذا فإن إخراج معين من المشهد السياسي يشكل مصلحة يمنية كبرى.