كانت احدى صباحات نوفمبر /تشرين الثاني 2015م عندما استيقظ سكان مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) على مشهد يشبه عرض عسكري كان في حقيقته جولة صاخبة لمدرعات إماراتية تجوب شوارع تعز المحررة يومها تفائل ابناء المدينة بقرب موعد التحرير خصوصا وان المدرعات التي يشاهدونها والتي تسلمتها ما تعرف بـ كتائب ابي العباس تعد سلاحاً متطوراً لم تحصل عليه تشكيلات الجيش الوطني في تعز.
لم يمض وقت طويل حتى إرتدت موجات التفائل تلك الى عواصف يأس وذهول بعد ان وقف ابناء تعز امام مشهد صادم وهم يرون الرايات السوداء ( رايات تنظيم داعش الإرهابي) ترفرف فوق تلك المدرعات الى جانب العلم الإماراتي.
كانت المدرعات حينها تهاجم وتقتحم مباني حكومية ومقار أمنية وعسكرية منها إدارة امن المحافظة ومقر الأمن السياسي وقلعة القاهرة التاريخية وذلك في يناير من العام 2017م يصف المواطن (م. م. خ) في شهادته حينها للجند بوست التي يحتفظ فريق إعداد التحرير في الموقع بنصها يصف ذلك المشهد بأنه كان بمثابة “فاتحة سوداء لمدينة اعتدنا على رؤيتها محفوفة بالبياض” في اشارة الى مخاوفة من القادم.
تواصل الدعم الإماراتي المعلن للقيادي السلفي “ابوالعباس” حتى بعد اعلان السعودية والإمارات ذاتها ودول خليجية اخرى الى جانب وزارة الخزانة الأمريكية إدراج اسم ابوالعباس في قوائم الإرهاب الدولية اما الكتائب فردت على القرار حينها على لسان عادل العزي “أركان حرب كتائب أبو العباس” وقائد ما يعرف بـ “الذئاب المنفردة” ومسؤول العمليات الانتقامية وابرز المطلوبين امنياً للسلطات في تعز رد على القرار بتصريح نصه:
«نعلن الجاهزية والإستعداد التام للعدو الخارجي والداخلي ولا يهمنا الأمريكان ولا غير الأمريكان ولا يخيفونا بالطائرات».
بدايات مدروسة:
عقب إنقلاب مليشيا الحوثي في 2015 على الرئيس هادي واجتياحها للمدن كانت تعز في مقدمة المدن التي انخرطت في المقاومة ورغم تعدد فئات وشرائح التعزيين الذين شكلوا ما سميت بالمقاومة الشعبية حينها لم يظهر طيف الجماعات المتطرفة الا مع بداية دعم الإمارات لما يعرف بجماعة ابوالعباس وبروز “عادل عبده فارع” حينها كقائد لهذه الجماعات الى جانب عدد من الأسماء امثال “عادل العزي” و”حارث العزي” و”الصنعاني” و”رضوان العديني” و”ابوالوليد الوافي” و”ايمن البابوري” وكل هؤلاء اما قادة مجاميع ارهابية تتبع داعش وتنظيم القاعدة او منفذي جرائم الإغتيالات والقتل او خبراء تصنيع متفجرات.
الكثير من مقاتلي جماعة أبو العباس انضموا لها بعد أن كانت في وقت سابق من العامين 2015 و 2016 الجماعة الوحيدة التي تتلقى أموالاً ودعماً سخياً من دولة الإمارات المشاركة في تحالف إعادة الشرعية في اليمن بخلاف التشكيلات العسكرية الأخرى.
وبوجود المال والسلاح الاماراتي والافراد الذين يتم استقطابهم بالمال ايضاً- عملت ابوظبي بحسب تقارير امنية استخباراتيه على استقدام متطرفين وقادة في تنظيم القاعدة من عدن وابين ولحج وحضرموت لتدريب هؤلاء وشحنهم عقائدياً ليصبحوا القوة الضاربة لها في تعز.
الإمارات.. وامراء الإرهاب:
أظهرت لقطات فيديو التقطتها وكالة الأسوشييتد برس الأمريكية في يناير 2017 وحدة مسلحة يدعمها التحالف تتقدم في موكا (المخاء) ضمن عملية تحرير واستعادة مدينة البحر الأحمر.
وبحسب تقرير للوكالة الأمريكية نفسها فقد كان بعض مقاتلي الوحدة من اعضاء تنظيم القاعدة وكانوا يرتدون الزي الأفغاني ويحملون أسلحة تحمل شعار الجماعة.
افرد التقرير ذاته مساحة خاصة لمن اسماه بأمير الحرب السلفي المعروف باسم “أبو العباس” والذي قال التقرير انه حصل على ملايين الدولارات من الإمارات وتضمن التقرير تصريح لعادل العزي “قائد مجموعات متطرفة متخصصة في العمليات الإرهابية والقتل والإغتيالات وهو نائب ابوالعباس” يقول العزي لوكالة أسوشيتد برس أنه على الرغم من إدراجه في القائمة الأمريكية للإرهاب في أكتوبر إلا أن الإمارات تواصل تمويله!
مباشرة بعد ان تحدث فريق اسوشيتد برس في تعز الى العزي رأى الفريق القيادي العزي – الذي يحظى بدعم وتواصل مباشر مع الإمارات- يلتقي بشخصية بارزة في تنظيم القاعدة وهو يعانقه بحرارة خارج منزل قائد سابق آخر في القاعدة في جزيرة العرب!
صفقات اسلحة محرمة!
كثيرة هي التقارير العالمية التي نُشرت مؤخراً واوردت في سياقها اثباتات بشأن تمويل ودعم وتسليح “ابوظبي” للجماعات الإرهابية في مختلف المدن اليمنية سيما في الجنوب اليمني ومدينة تعز تقرير لشبكة CNN الأمريكية خلص الى ان الاسلحة التي قدمتها واشنطن للإمارات والسعودية في حرب اليمن قد انتهى بها المطاف الى يد تنظيم القاعدة!
يشير التقرير نصاً الى جماعة ابوالعباس التي استغرب التقرير كيف اصبحت تمتلك عربات امريكية مدرعة الصنع من طراز (اوشكوش) ظهرت خلال استعراض لقواتها.
في 2015م كما تمتلك اسلحة اكثر فتكا منها بحسب التقرير وهي صواريخ (تاو) الامريكية المضادة للدبابات وهذه الأخيرة اشترتها ابوظبي من الولايات المتحدة.
ليس هذا فحسب فقد وثق تحقيق إستقصائي دولي حمل عنوان “شهادة المستخدم الأخير” وبثته القناة الألمانية(DW) اواخر العام الماضي وثق عمليات تهريب الإسلحة للجماعات الإرهابية وبالصوت والصورة والأرقام التسلسلية اثبت حيازة ابوالعباس على كمية من الصواريخ والاسلحة المحرمة دوليا والتي لا تمتلكها سوى دولة الإمارات.
اما قائد عمليات كتائب “ابوالعباس” “محمد نجيب” فقد ظهر خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها تعز في فيديو شهير وهو يهدد بحرق المدينة تعز بالصواريخ الحرارية (محرمة دولياً) اثناء مواجهته للحملة الأمنية التي انطلقت للقبض على مطلوبين امنياً وهي الأسلحة ذاتها التي عثرت اجهزة الأمن في تعز عليها ايضاً بحوزة المطلوب الأول في قوائم الإرهاب الدولية المعروف بـ ابوالوليد الوافي بعد عملية ناجحة للجيش قبل أشهر وهو عضو بارز في جماعة ابوالعباس المدعومة اماراتياً.
وجهان لعملة:
منذ قدوم التحالف العربي الى اليمن وتحرير معظم مناطق الجنوب عملت الإمارات على انشاء ما تعرف بالأحزمة الأمنية والنخب وهي تشكيلات تضم خليط من العناصر المتطرفة والإرهابية اضافة الى افراد تم تجنيدهم وتدريبهم بشكل خاص عملت الإمارات من خلال هذه التشكيلات – الخاضة لسلطتها- الخارجة عن سلطة الحكومة الشرعية ووزارة الدفاع اليمنية على اضعاف سلطة الدولة ومؤسستها العسكرية والأمنية من خلال التصرف كند لها هذا قبل ان تنفذ انقلابات عده على الحكومة الشرعية كما حدث قبل عام في عدن وما حدث مؤخراً.
في تعز عملت الإمارات على تغذية الجماعات المتطرفة المنضوية تحت كتائب ابي العباس المدرج على قوائم الإرهاب الدولية ومنحته غطاء رسميا عبر زراعته في كيان الجيش الوطني تحت مظلة اللواء 35 مدرع وحاولت “ابوظبي” انشاء حزام امني في تعز على غرار المحافظات الأخرى غير ان قيادة الجيش افشلت المخطط وهو ما عزى بالإمارات بحسب تصريحات لقادة في الجيش بتعز الى تنشيط خلاياها الإرهابية لتنفيذ عمليات الإغتيالات لضباط وجنود تجاوزت 200 عملية اغتيال اضافة لعمليات مهاجمة واحتلال مؤسسات الدولة واعاقة عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية.
ولم يكن غريبا في العملية الإرهابية التي استهدفت تفجير مبنى البحث الجنائي بعدن وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الجنود والموظفين في فبراير من العام 2018م إعلان ما يسمى بـ “تنظيم ولاية داعش في عدن وأبين” تبنيه للهجوم الإرهابي.
لكن الغريب هو ان يكون ابرز منفذي الهجوم بحسب هويته التي نشرها التنظيم “أبو المقداد التعزي” واسمه الحقيقي “أيمن محمد محمد علي عبدالله العزب” احد ابرز عناصر كتائب أبو العباس والمرافق الشخصي لأحد قادة الكتائب المدعومة إماراتياً.
إرهاب مستمر:
مع وصول الخلاف الإماراتي اليمني الى ذروته خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة في عدن وابين وشبوة والإنقلاب الإماراتي الواضح على الشرعية وقصفها للجيش الوطني تزامنت ايضاً تحركاتها في المحافظات الجنوبية مع تحريك لخلاياها الإرهابية في تعز بغرض إسقاطها سواء من العناصر المتطرفة التي فرت الى جنوب تعز ومنطقة التربة بالتحديد او من خلال تهديدها المتواصل بإقتحام تعز عبر قوات طارق صالح (مليشيات مسلحة غير نظامية).
ويُجمع محللون ان ما قامت به الإمارات منذ دخولها اليمن من انشاء وتكوين الجماعات الإرهابية او عبر السجون السرية وعمليات الاعتقالات والإغتيالات والإنتهاكات يشكل تهديد خطير لحاضر ومستقبل اليمن وينسف ادعاءات الأخيرة ومزاعمها بمحاربة الإرهاب في اليمن.
لكن يبقى السؤال الأكثر الحاحاً ورغم ثبوت ووفرة الشواهد الدولية والمحلية على صناعة وتغذية الإمارات للإرهاب بحسب مراقبين لماذا يتغاضى المجتمع الدولي عن واجبه في ايقاف مشروع ابوظبي الإرهابي حد وصف البعض الذي يسعى لتفجير الوضع في اليمن والمنطقة؟