لا تكاد دولة الإمارات العربية المتحدة تستفيق من تداعيات فضيحة، حتى تفاجئها أخرى، فمن فضائح تعذيبها لمعارضين إماراتيين للسلطة الحاكمة، إلى سجونها السرية والعلنية في اليمن والانتهاكات التي تمارس في حق المعتقلين، إلى اشرافها على الانقلاب العسكري في مصر، وبث الفوضى والعنف في ليبيا، إلى تسريبات البريد الإلكتروني لسفيرها في واشنطن يوسف العتيبة ومحاولة التدخّل في شؤون جيرانها الداخلية، مرورا بتورطها في الاغتيالات السياسية في تونس، وصولا إلى تمويل الجبهة اليمينة المتطرّفة في فرنسا.
حملة على المملكة العربية السعودية ودولة قطر
كتاب “مارين على علم بكل شيء”، الصادر مؤخرا في باريس، وشارك في كتابته كلّ من “مارين توركي” الصحفية المهتمة برصد نشاط “اليمين المتطرف” في فرنسا منذ العام 2008، وماتياس ديستيل المتخصص في الصحافة الاستقصائية، كشف عن تقديم دولة الإمارات العربية المتحدة تمويلاً ماليا لزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن التي خسرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام إيمانويل ماكرون. وأوضح الكتاب، أنه بموجب الصفقة بين أبو ظبي ولوبن تحصل زعيمة اليمين المتطرّف الفرنسية على المال الإماراتي مقابل شنّها حملة على المملكة العربية السعودية ودولة قطر.
وفي مقابلة مع “الجزيرة” بثتها القناة مساء أمس الخميس قالت مؤلفة الكتاب مارين توركي، “في يوليو 2014 استقبلت مارين لوبن مسؤولاً في الاستخبارات الإماراتية في بيت العائلة والموضوع الذي طُرح هو مكافحة التطرف الإسلامي وشن حملة على قطر والسعودية والإخوان المسلمين.. ما جرى يظهر اهتماماً جيوسياسياً للإمارات وهو لو أن مارين لوبن وصلت للسلطة فإنها ستتحالف مع أبو ظبي لمحاربة الشقيقة العدو قطر“.. ورداً على سؤال: ماذا قال الجانب الإماراتي لزعيمة أقصى اليمين؟ تقول مؤلفة الكتاب: شخصاً كان حاضراً في ذلك اللقاء قال نستطيع مساعدتكم.. وطبعاً نتصور أن الإمارات ليس لديها ما تقدمه سوى المساعدة المالية.
ووفقا لنفس الكتاب “مارين على علم بكل شئ”، فقد موّلت الإمارات وسهّلت لقاء مارين لوبن المعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين بالسيسي، هذا ما تؤكده الصحفية ماريان توركي: “بعد عام من ذلك اللقاء ذهبت مارين لوبن إلى مصر بمساعدات كثيرة من الإمارات ونحن نكشف في الكتاب أن سفرها موّلته وكالة إماراتية للاتصال.. كل لقاءاتها جرت بمساعدة من الإمارات بحسب معلوماتنا.. نحن نعرف أن القاهرة لا تستطيع أن ترفض طلباً للإمارات التي هي حليفتها والمستثمر الأجنبي الرئيسي“.
لوبين تحت الطلب
وقبل ذلك قالت الصحفية في مقال نشرته في صحيفة ميديا بار الفرنسية، إن الحزب اليميني المتطرّف في فرنسا عمل في عام 2014 على تسلم أموال من إحدى بنوك أبو ظبي ولكن المفاوضات فشلت في اللحظات الأخيرة. وقد شرح جان لوك شافهاوسير النائب الفرنسي بالاتحاد الأوروبي، والمفاوض باسم الجبهة الوطنية، سبب فشل الاتفاق إذ قال: “كانت نسبة الفائدة على القرض حينها تقدر بـ 2.8% ولكن تغير هذا يوم التوقيع في شباط/ فبراير 2014“.
وأضافت الصحفية، “ومنذ ذلك الوقت أطلقت رئيسة الحزب تصريحات علنية داعمة للإمارات، ومنتقدة قطر والسعودية، وأكدت تواصل العلاقة بين الطرفين رغم فشل ذلك الاتفاق، إذ قالت في 30 أيلول/ سبتمبر 2014 على قناة فرانس24: “على فرنسا قطع علاقاتها مع قطر والسعودية لدعمهما المتواصل للإسلام الأصولي حول العالم، علينا الاعتماد على الدول الإسلامية التي تحارب الأصولية مثل الإمارات ومصر” كما تمنت أن تقيم معهما “تحالفا كبيرا“.
كما قالت لوبن في نقاش تلفزيوني يوم 1 مايو 2015، “علينا تطوير علاقاتنا مع الدول التي تحارب الإسلاميين مثل روسيا، والإمارات، ومصر وغيرهم من الدول”. وأعادت في الأيام الموالية نفس الخطاب في الاجتماع الأوروبي الكبير، يوم 3 آيار/ مايو وعلى قناة بي أف أم تي في يوم 14 حزيران/ يونيو.
عداء السعودية
“السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”، هذا ما قاله ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد نفسه في إحدى وثائق ويكيليكس التي سربت في نوفمبر 2010، وهو ما يؤكّد درجة العداء التي يكنها الجانب الإماراتي للشقيقة الكبرى السعودية وإن كان يظهر عكس ذلك. حتّى أن العلاقات بين البلدين كادت تقطع في عام 2010، عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في “خور العيديد” المتنازع عليها، واحتجز اثنان من أفراد حرس الحدود السعودي، مما ترك أثرًا كبيرًا على العلاقات بين البلدين، حيث إن الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها حتى اللحظة.
وتشير تقارير اعلامية واستخباراتية أن هذه الدولة الصغيرة التي تسعى إلى أن تتربع على عرش “الشرق الأوسط الجديد” الذي تطمح له، بحيث تكون لها مكانة خاصة فيها، مقدّمة على غيرها عند الولايات المتحدة والدول الغربية، لم تنفكّ في محاولة جعل القيادة السعودية للعالم العربي والإسلامي موضع شك بالنسبة لواشنطن ومراكز صنع القرار في العالم، بحيث تحاول الإمارات إظهار نفسها بأنها الأصلح لقيادة المنطقة وإدارتها بشكل قوي، من خلال جعل كل الدول العربية تابعة لها، وذلك بعد أن تكون دمّرتها وأضعفتها وصنعت قيادات جديدة فيها تفعل بما تؤمر.