في مئوية «وعد بلفور»، وفي وقت يغرق فيه العالم العربي في الدماء والفوضى، قرر أخيرًا الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أن الوقت قد حان للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بعد أن تأجل كثيرًا، حسب تعبيره، وأنّ هذا الإعلان يصب في مصلحة السلام بالشرق الأوسط.
قرار قوبل برفض شعبي ورسمي كبيرين، وقوبل أيضًا بتحذيرات قبيل صدوره وبعيده من احتمال تحول الشرق الأوسط إلى بركان غضب ردًا على اعتراف ترامب ونقله سفارة بلده إلى القدس. أدان العرب والمسلمون جميعًا خطوة ترامب، وطالبت الشعوب العربية والإسلامية بالرد على هذا القرار ومواجهته لثنيه، فبين من أعلن الغضب، ومن استدعى السفير الأمريكي، ومن هدد بالرد على ترامب، تتعدد أسلحة العرب لمواجهة القرار الأمريكي، وفي هذا التقرير نستعرض أبرز الأسلحة الموجودة على طاولة العرب لمواجهة قرار اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الانتفاضة.. السلاح الذي يخشاه العالم أجمع
ما إن أعلن ترامب عن عزمه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حتى ظهرت أصوات تحذر من تبعات القرار الأمريكي، منها ما أصدره الديوان الملكي الأردني من أن الملك «عبد الله الثاني» حذّر ترامب من أن قرار نقل السفارة ستكون له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة، فيما فُهِم بأنّ قرار ترامب سيفتح الباب لاندلاع انتفاضة فلسطينية عارمة تقضي على جهود السلام في الشرق الأوسط.
وحذرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني من الخطوة الأمريكية، باعتبارها ستقوض جهود السلام، ومن جهتها دعت حركة حماس، مساء الثلاثاء الماضي، وقبل صدور قرار ترامب؛ الشعب الفلسطيني بكل فصائله؛ إلى جعل يوم الجمعة القادم يوم غضب في وجه الاحتلال، رفضًا لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، وأكدت الحركة، في بيانٍ صحافيٍ؛ ضرورة توجه المظاهرات الغاضبة إلى كل نقاط التماس الممكنة مع الاحتلال عقب صلاة الجمعة اليوم، لإيصال صوت الشعب الفلسطيني بأن أي مساس بالقدس سيفجر الأوضاع ويفتحها على مصراعيها في وجه الاحتلال.
ومع إعلان ترامب مساء الأربعاء عن قراره تجاه القدس، تصاعدت الدعوات إلى الانتفاضة ضد هذا القرار، فيما أقدم شبان فلسطينيون على حرق صور ترامب احتجاجًا وغضبًا على الخطوة الأمريكية، ودعت حركة حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية «الشباب المنتفض ومقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة الباسلة إلى الرد على القرار الأمريكي، الذي يستهدف قدسنا، بكل الوسائل المتاحة، مشيرًا إلى أن القدس خط أحمر، وأن المقاومة لن ترضى المساس بها مهما كان».
بدورها دعت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الشعب الفلسطيني «إلى انتفاضة لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والدفاع عن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية».
وقد عدت حركة الجهاد الإسلامي اعتراف ترامب بمثابة إعلان حرب على القضية الفلسطينية، وفي السياق ذاته قال موقع«معًا» الفلسطيني، إن حركة الجهاد دعت جموع الجماهير الفلسطينية إلى تصعيد انتفاضة القدس، وانخراط كل فصائل العمل الوطني والإسلامي فيها، وتمكين المقاومة وتصعيدها في كل أنحاء أرضنا المحتلة، كما شهد الخميس مواجهات واشتباكات عنيفة بين المحتجين الفلسطينيين وقوات الاحتلال أسفرت عن عدة جرحى، في وقت يواصل فيه الفلسطينيونفي الضفة الغربية والقدس المحتلة إضرابهم المفتوح.
من جهته يرى الدكتور «ماهر خضير»، عضو هيئة العلماء والدعاة بالقدس الشريف، أن الشعب الفلسطيني سيواجه ذلك القرار بالدماء، مؤكدًا أن القرار لن يمر مرور الكرام، وستكون له نتائج وخيمة على الأطراف الدولية، وفي مقدمتهم أمريكا وإسرائيل.
حلّ السلطة الفلسطينية والانسحاب من اتفاقية أسلو
في ردّ فعله على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قال رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» في خطابٍ متلفزٍ تلا إعلان ترامب قراره: إن هذا القرار يمثل إعلانًا صريحًا بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال السنوات الماضية راعيةً لعملية السلام، وأضاف الرئيس الفلسطيني أن قرارات ترامب تشجع إسرائيل على سياسة الاحتلال والاستيطان، و أن السلطة الفلسطينية تعكف على صياغة الإجراءات المناسبة للرد على ترامب.
وبين عباس أن الإدارة الأمريكية بهذا الإعلان خالفت جميع القرارات والاتفاقات الدولية والثنائية، وأضاف عباس أنه في صدد دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى عقد دورة طارئة، سيدعو إليها جميع الفصائل؛ لتأكيد الموقف الوطني الفلسطيني الموحد، ووضع كل الخيارات أمامه.
ودعت عدة فصائل فلسطينية السلطة الفلسطينية إلى الانسحاب من الاتفاقيات الدولية، خصوصًا «اتفاقية أوسلو»، ورأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان أن الرئيس ترامب قد أطلق رصاصة على ما يُسمى حل الدولتين، ومشروع التسوية، وأوهام ما يُسمى عملية السلام، داعيةً السلطة الفلسطينية إلى الانسحاب من اتفاقية أوسلو والتزاماتها، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ومن جهته قال «زياد النخالة»، نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إن «هذا اليوم الذى يعلن فيه ترامب هذا القرار، هو يوم للوحدة في مواجهة العدوان الواضح، والذي لا لبس فيه، على فلسطين ومقدسات الأمة، من جهتها دعت نقابة المحامين الفلسطينيين السلطة الفلسطينية إلى سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وفقًا لاتفاقيات أوسلو.
ومن بين الإجراءات التي بين أيدي السلطة الفلسطينية، لقلب قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتي يرى فيها الكثير من الفلسطينيين سلاحًا ناجعًا في الوقت الحالي، هو تصفير القضية الفلسطينية بحلّ السلطة الفلسطينية؛ إذ ترى المحامية الفلسطينية «ديانا بوطو» في مقال تحليلي نشرته لها جريدة «الواشنطن بوست» أن من خلال حل السلطة الفلسطينية، وإصلاح منظمة التحرير، سوف يصبح بالإمكان الاستماع إلى إرادة الفلسطينيين الحقيقية، وبالإمكان أيضًا الرجوع بالقضية إلى ما قبل أوسلو، وبدوره، يرى الدكتور «مخيمر أبو سعدة»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، أن السلطة الفلسطينية رهينة السياسات العربية بخصوص ردها على قرار ترامب، وأشار أبو سعدة إلى أن من الخيارات المتاحة، تهديد الرئيس الفلسطيني بالاستقالة، أو التلويح بحل السلطة.
وفي كلمة له للتعليق على قرار ترامب دعا الأمين العام لحزب الله «حسن نصر الله» منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى إلزام أعضائها باعتبار القدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية غير قابلة للتفاوض أو التنازل، وكان «محمود عباس» قد لجأ في مرات عديدة إلى التلويح بحلّ السلطة الفلسطينية، فيما اعتبره البعض محاولةً منه للضغط على أمريكا وإسرائيل لاستئناف مساعدة السلطة، لكن قرار ترامب القاضي بخفض المساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة الفلسطينية ربما يبقي احتمال حلّ السلطة الفلسطينية؛ احتجاجًا على قرار ترامب، قائمًا.
انسحاب مصر من الوساطة وسحب المبادرة العربية
قبيل إعلان قراره، أبلغ ترامب دول مصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية بعزمه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في المقابل حذرت تلك الدول من تداعيات بالغة الخطورة على مستقبل السلام في الشرق الأوسط، وقال السيسي لترامب، حسب بيان الخارجية المصرية، إن قراره يقوض فرص السلام في الشرق الأوسط، وتعد مصر وسيطًا رئيسيًّا في عملية السلام التي ترعاها أمريكا منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
بيد أن وصول ترامب إلى السلطة أعطى إشارات إلى تأييد أمريكا المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون وسيط، وهو الأمر الذي يتوافق مع رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي يريد مفاوضات مباشرة دون تدخل دولي، إذ قالترامب بعد توليه للرئاسة، إن السلام يجب أن يتحقق عن طريق المفاوضات بين الطرفين أنفسهم، وليس أن يفرضه آخرون، ومع إعلان السلطة الفلسطينية نهاية الدور الأمريكي في رعاية السلام يصبح لمصر دور كبير في هاته الوساطة، وفي حديثه لـ «ساسة بوست» أبرز أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشلف الجزائرية «عمري إبراهيم» أنه قد يصبح لانسحاب مصر من هذه الوساطة تأثير كبير في إسرائيل وأمريكا للعدول عن قرارها.
وأعلنت القاهرة في بيان لوزارة خارجيتها عن استنكارها قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إليها، ورفضها لأي آثار مترتبة على ذلك، وأضافت الخارجية المصرية أن اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفًا لقرارات الشرعية الدولية.
ويبقى مصير المبادرة العربية للسلام التي أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله مجهولًا، إذ تصاعدت الدعوات الفلسطينية والعربية لسحب هاته المبادرة احتجاجًا على قرار ترامب، وفي حديثه للجزيرة قال المحلل الفلسطيني الأردني «ياسر الزعاترة» إن أقل الردود المتوقعة من الرسميين العرب الإعلان عن سحب المبادرة العربية للسلام، واتخاذ خطوات تجاه العلاقات العربية مع إسرائيل.
وفي السياق ذاته يرى رئيس قسم العلوم السياسية سابقًا بجامعة القاهرة الدكتور «إكرام بدر الدين»، أن هذا القرار ينهي الحديث عن المبادرة العربية للسلام، ويلغي كافة مبادرات السلام بين العرب وإسرائيل؛ لأن القدس من قضايا الحل النهائي، وبالتالي يلغي كل فرص السلام. بدوره يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، «محمد سلمان»، أنّ هذه المبادرة لم يصبح لها أي محل من الإعراب السياسي.
وكانت الجامعة العربية قد اعتبرت في ختام اجتماع طارئ لها الثلاثاء الماضي أن أي اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو «اعتداء صريح على الأمة العربية»، كما طالبت مجمل الفصائل الفلسطينية الدول العربية بالالتزام بمسؤوليتها التاريخية تجاه القدس والقضية الفلسطينية.
المقاطعة سلاح العرب المدمر
دعت عدة هيئات دولية وعالمية المسلمين إلى تفعيل مقاطعة أمريكا والاحتلال الإسرائيلي ردًّاعلى قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا دعا فيه جموع المسلمين لمواجهة القرار الأمريكي بكافة الصور المشروعة، ومن جهتها أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا شديد اللهجة معتبرة قرار ترامب قد وضع أمريكا في خانة الأعداء بالنسبة للمسلمين، داعية بدورها المسلمين إلى رفض القرار الأمريكي، أمّا الأزهر الشريف فدعا إلى مؤتمر دولي حول القدس في يناير (كانون الثاني) المقبل؛ على أن تكون خطبة الجمعة في الجامع الأزهر وجميع المساجد المصرية عن مدينة القدس، وتخشى ّأمريكا من تصاعد الغضب ضدها وتحوله إلى مقاطعة شعبية لها.
واستهل الحزب الناصري المصري دعوات مقاطعة أمريكا، إذ قال رئيس الحزب الناصري المصري «سيد عبد الغني»، إنه لا بديل عن مقاطعة المنتجات والبضائع الأمريكية، ردًا على قرار الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً للاحتلال الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها، مشيرًا إلى أن حزبه دعا إلى وقف تصدير الدول العربية النفط إلى أمريكا، والتحق عدد من الأحزاب المصرية، هي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب الدستور، وحزب تيار الكرامة، وحزب مصر الحرية، وحزب العيش والحرية «تحت التأسيس»، والحزب الاشتراكي المصري «تحت التأسيس»، والحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل بالحزب الناصري في حملته، وأصدرت الأحزاب تلك بيانًا دعت فيه إلى ضرورة قطع العلاقات مع الولايات المتحدة وأي دولة تقدم على نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، استجابة لإرادة الشعوب العربية والشرعية الدولية.
وتصاعدت دعوات المقاطعة لتصل إلى مقاطعة الأدوية، إذ قالت نقابة الصيادلة المصرية الخميس، إنها تعتزم إطلاق حملة لمقاطعة منتجات شركات الأدوية الأمريكية في الفترة المقبلة، ردًا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها.
وأما عن حجم التبادل الاقتصادي بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، وفق بيانات التقرير العربي الموحد الصادر عن صندوق النقد العربي مؤخرًا، فقد بلغ حجم الواردات العربية من الولايات المتحدة 71.4 مليار دولار، بما يعادل 8.6% من إجمالي الواردات البالغة 830.9 مليار دولار في 2015، وسجلت الصادرات العربية إلى الولايات المتحدة مبلغ 42.2 مليار دولار، بما يعادل 5.1% من إجمالي الصادرات البالغة 832.5 مليار دولار في عام 2015.
جدير بالذكر أن الدول العربية تصنف ضمن أكبر 10 دول مستوردة للسلاح من أمريكا، إذ جاءت السعودية في المقدمة بواردات أسلحة تعادل 13% من مجمل صادرات الولايات المتحدة من الأسلحة، ثم الإمارات 8.72%، والعراق 5.44%، ثم مصر التي اشترت 3.57% من صادرات الأسلحة الأمريكية، بمجموع صفقات ناهزت 17.2 مليار دولار.
وتعد «حركة BDS» من بين أشهر حملات المقاطعة ضد إسرائيل، إذ كلفت الأخيرة مليارات الدولارات، كما ساهمت في إلغاء عدة عقود لشركات دولية كبرى مع إسرائيل نتيجة الضغوط التي مارستها الحركة، وعلّق «نيثان فيلدمان»، وهو أمريكي يهودي من أنصار حركة مقاطعة إسرائيل، على ترامب قائلًا: «لقد قام بتحويل موقف حساس، إلى وضع أكثر اضطرابًا، الأمر الذي سيكون له تأثيرات كارثية في المدنيين من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء».
*ساسة بوست