لم تدم الكذبة التي رافقت إشهار التحالف الإماراتي الإسرائيلي برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس الخميس، وحاولت تصوير أن القضية الفلسطينية و”وقف الضم” هي السبب والمحرك الأساس لهذا التقارب طويلاً، إذ جاءت التصريحات الإسرائيلية، وعلى هامشها الأميركية، لتدحضها، في وقت كانت جميع المعطيات على مدى الأشهر الماضية تشير بوضوح إلى أن لا دخل للقضية الفلسطينية بانتقال أبوظبي وتل أبيب إلى مرحلة الإعلان رسمياً عن تحالفهما.
وفيما انشغلت الإمارات أمس، عبر مسؤوليها وصحفها، في محاولة الترويج لـ”مكاسب” خروج التحالف إلى العلن، كانت المواقف العربية والإقليمية تظهر انقساماً بشكل واضح، بين مؤيد للخطوة، على غرار المواقف الصادرة من سلطنة عُمان والبحرين والتي تعزّز التسريبات بشأن نيتهما السير على خطى الإمارات، وبين معارض لما جرى، على غرار تركيا التي تدرس قطع العلاقات مع الإمارات، بالإضافة إلى إيران.
ويأتي ذلك في وقت لا تزال الشعوب العربية، بغالبيتها، تجاهر برفضها أي خطوات تقارب أو تطبيع مع إسرائيل، وهو ما ظهر بوضوح منذ أول من أمس في الأصوات التي خرجت من الإمارات وسلطنة عمان والبحرين والتي جددت موقفها ضد التطبيع، على قاعدة أن التقارب الحاصل بين عدد من الدول وإسرائيل لا يعدو كونه مدفوعاً بحسابات سياسية لدى الأنظمة من دون أن يكون له أي تأثير على الشعوب العربية، بل على العكس من ذلك، ترى فيه الشعوب العربية خطراً يهدد تطلعاتها ودفعها نحو الديمقراطية والإصلاحات وضمان الحريات، خصوصاً أن إسرائيل أساساً لا تقيم علاقات وتحالفات إلا مع الديكتاتوريات في المنطقة.
لا تزال الشعوب العربية، بغالبيتها، تجاهر برفضها أي خطوات تقارب أو تطبيع مع إسرائيل
وفيما لم تتردد شخصيات إماراتية معارضة في انتقاد التطبيع، على غرار حمد الشامسي، الذي تداول على حسابه في تويتر عدداً من الرسائل التي تصله من مواطنين إماراتيين يعبرون فيها عن سخطهم من الخطوة من دون أن يتمكنوا من المجاهرة بآرائهم في ظل وجود قوانين تقيد حريتهم في التعبير، عمد مغردون وناشطون من سلطنة عمان إلى نشر تدوينات ترفض الخطوة الإماراتية وموقف سلطنة عمان المرحب بها.
أما في الكويت، فأعلنت سبع قوى وتكتلات سياسية، أمس الجمعة، رفضها المطلق للتطبيع مع “الكيان الصهيوني أو الاعتراف به”. وجاء ذلك في بيان مشترك، موقع من التيار العروبي، وحزب المحافظين المدني، وتجمع العدالة والسلام، والتحالف الإسلامي الوطني، وتجمع الميثاق الوطني، والحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمين) وتجمع ولاء الوطني. وقال البيان: “نعلن بشكل لا يقبل اللبس، أن التطبيع خيانة وليس وجهة نظر، والاعتراف بالكيان الصهيوني (إسرائيل) هو جريمة بحق فلسطين وأهلها والأمة العربية والإسلامية”. وأضاف أن “إعلان إحدى دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات) اعترافها بالكيان الصهيوني الغاصب ونيتها إقامة علاقات كاملة جاء بلا مبرر أو فائدة لهذه الدولة أو للأمة العربية والإسلامية”.
كما أثار إشهار الإمارات رسمياً تحالفها مع إسرائيل ردود فعل لدى أحزاب وشخصيات تونسية، أجمعت على أن ما حصل طعنة في ظهر الفلسطينيين. وقال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، لـ”العربي الجديد”: “هناك دول أصبح وجودها وكيانها مرتبطاً بإسرائيل، ومستعدة لتقديم كل التنازلات المطلوبة والتعامل مع إسرائيل في تصورها للشرق الأوسط الجديد”. وأضاف “الإمارات لن تنال مبتغاها، لأن القضية الفلسطينية ليست عقاراً إماراتياً وليست صفقة بترولية، بل هي قضية شعب وأمة ستستمر ما استمر الشعب الفلسطيني في الوجود”.
وفي حين اعتبر الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي أنه “بقدر التطبيع الحاصل فإن المقاومة ستستمر بكل الأشكال”، رأى رئيس الكتلة الوطنية حاتم المليكي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الموقف التونسي ثابت تجاه القضية الفلسطينية وهو مساعدة الفلسطينيين على خوض معاركهم والصمود”.
وفي العراق، أعلنت قوى سياسية وبرلمانية ودينية مختلفة رفضها تطبيع العلاقات بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي، وسط دعوات إلى استدعاء السفير الإماراتي وأخرى طالبت بقطع العلاقات. واعتبرت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، على لسان مقررها مختار الموسوي، ما حصل “خيانة بحق الأمتين العربية والإسلامية”، فيما أعلن النائب حسن سالم عن الحشد في مجلس النواب باتجاه الذهاب إلى قطع العلاقات مع الإمارات. وعلمت “العربي الجديد” أن عدة فعاليات مدنية تستعد للتحشيد لتظاهرة في بغداد لرفض الخطوة الإماراتية ولدعوة الحكومة العراقية إلى اتخاذ موقف من هذا الإعلان.
شكر نتنياهو الدول العربية المؤيدة لإشهار التحالف
أما فلسطينياً، فعلى الرغم من الإجماع السياسي على رفض ما اقترفته الإمارات وخروج تظاهرات غاضبة، أمس الجمعة، فإن حالة العجز التي تعاني منها السلطة في الردّ تترافق مع تصاعد القلق من المسار الذي تسلكه العلاقات بين إسرائيل وأكثر من دولة عربية، وهو الأمر الذي لن يتوقف، سواء فاز ترامب بولاية رئاسية ثانية أم خسر، وإن كان الأخير سيحاول توظيف ما جرى للحد الأقصى قبيل الانتخابات الرئاسية، تماماً كما رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لن يوفر فرصة لاستثماره للحد الأقصى. وظهر هذا التوجه إلى حد بعيد في توصيفات الصحف الإسرائيلية، أمس الجمعة، والتي رأت أن الاتفاق هو نصر لنتنياهو وعقيدته السياسية “السلام مقابل السلام”، ومنطق العلاقات الثنائية بين دولة الاحتلال وكلّ دولة عربية على حدة، من دون أي رابط أو علاقة بإنهاء الاحتلال والتوصل أولاً إلى حلّ للقضية الفلسطينية، وذلك على عكس المزاعم التي حاولت الإمارات ترويجها أول من أمس وأمس بربط الإعلان عن التحالف بالقضية الفلسطينية، تحديداً في ما يتعلق بكذبة “وقف الضم”.
وضمن سياق الترويج لهذه الأكاذيب، اعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في تغريدة أمس، أن “ما قمنا به خطوة جريئة لضمان حل الدولتين”، مضيفاً أن السفارة الإماراتية لن تكون في القدس المحتلة، وأنّ افتتاحها “لن يتطلب وقتاً طويلاً”. ورأى قرقاش، في تغريدة، أن “ردود الفعل الإيجابية من العواصم الرئيسية على الإعلان الثلاثي مشجعة، خصوصاً أنه عالج في تقدير هذه العواصم خطر ضم الأراضي الفلسطينية على فرص حلّ الدولتين”.
وبعدما زعمت الإمارات أن الاتفاق مع إسرائيل سيؤدي إلى وقف مشروع ضم الاحتلال لأراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، أكد نتنياهو والسفير الأميركي لدى إسرائيل دافيد فريدمان، أن الاتفاق هو على تعليق مخطط الضم وليس وقفه. وكرّر، نتنياهو في مؤتمر صحافي مساء الخميس، أنه لا يزال ملتزماً بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وأن الأميركيين طلبوا منه تعليق التنفيذ مؤقتاً فقط، مضيفاً “جلبت السلام وسأحقق الضم”. وقال فريدمان، من جهته، إن “مختلف الأطراف اختارت بدقة الصيغة: توقف مؤقّت، وليس استبعاد الأمر نهائياً”.
في هذه الأثناء يشي نشر نتنياهو، على صفحته في “فيسبوك” أمس الجمعة، شكره للدول العربية التي أعلنت تأييدها لإشهار التحالف الإماراتي الإسرائيلي، باستعداد هذه الدول لإشهار تحالف مماثل. وكتب نتنياهو “أشكر رئيس مصر (عبد الفتاح) السيسي (يوجد علاقات رسمية ودبلوماسية مع مصر) وحكومتي عُمان والبحرين على دعمهم لاتفاقية السلام التاريخية بين إسرائيل والإمارات والتي توسع دائرة السلام وتفيد المنطقة”. وجاء هذا الشكر بعد أن أعلنت هذه الدول تأييدها وترحيبها بإشهار التحالف. وكان نتنياهو قد أعلن، أول من أمس، أن دولاً عربية وإسلامية أخرى ستبرم اتفاقيات مشابهة قريباً مع إسرائيل. ورجحت مصادر إسرائيلية وأميركية أن تكون البحرين وسلطنة عمان وربما أيضاً السودان، التي التقى رئيس المجلس السيادي فيه عبد الفتاح البرهان مع نتنياهو، والمغرب من الدول التي قد تقدم على إبرام اتفاقيات مع الاحتلال. وتوقع ترامب أن تحذو دول أخرى في المنطقة حذو الإمارات. وقال “لدينا أشياء أخرى مثيرة للاهتمام تجري مع دول أخرى، وهي مرتبطة أيضاً باتفاقات سلام”. وأضاف “ستكون هناك الكثير من الأخبار المهمّة في الأسابيع المقبلة. أنا متأكّد من أنّكم ستكونون منبهرين جداً”. وعبّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن أمل بلاده في أن “تكون هذه الخطوة الجريئة الأولى في سلسلة تنهي 72 عاماً من العداء في المنطقة”. وأعلن مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر أن هناك “احتمالاً كبيراً جداً” أن تعلن إسرائيل ودولة عربية أخرى تطبيع العلاقات بينهما خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهو ما توقعه أيضاً مستشار ترامب للأمن القومي روبرت أوبراين، قائلاً “نعتقد أنه توجد دول أخرى مستعدة” لخطوة من هذا النوع.
أيّدت سلطنة عُمان قرار الإمارات بشأن العلاقات مع إسرائيل
ورحّبت سلطنة عُمان بالاتفاق. ونقلت الوكالة العمانية عن ناطق رسمي باسم وزارة الخارجية تأكيده “تأييد السلطنة قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن العلاقات مع إسرائيل، في إطار الإعلان التاريخي المشترك بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل”. وأعرب عن أمله في أن “يسهم ذلك القرار في تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط”. لكن بيان وزارة الخارجية لم يشر إلى ما إذا كانت السلطنة ستتخذ خطوة مماثلة أم لا. من جهتها، أعربت البحرين، في بيان نشرته وكالة الأنباء الحكومية، عن “بالغ التهاني لدولة الإمارات”، مضيفة “هذه الخطوة التاريخية ستسهم في تعزيز الاستقرار والسلم في المنطقة”.
وبعد ساعات على إشهار التحالف أقرت صحيفة “يسرائيل هيوم”، أمس الجمعة، بأن نتنياهو زار في العامين الماضيين الإمارات مرتين على الأقل. كذلك لمح، أمس، وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس إلى أن نتنياهو أجرى زيارات غير رسمية إلى الإمارات. وبحسب الرواية التي تقدمها “يسرائيل هيوم” لمسار الاتصالات بين الاحتلال والإمارات، فقد جرت، في الأشهر الأخيرة، مجموعة من الخطوات والتحركات بعضها سري وآخر معلن. وحسب الصحيفة، فإن “نقطة الاختراق” تحققت بعد سنوات من الجهود السرية التي قادها الموساد الإسرائيلي، تضمنت خطوات “بناء ثقة” بين الطرفين، مشيرة إلى أن نتنياهو أجرى على الأقل زيارتين إلى الإمارات، كجزء من مساعي بلورة الاتفاق، وأن كل زيارة استمرت عدة ساعات، ورافقه فيها رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات. وقال شطاينتس إنه زار بنفسه الإمارات أيضاً خمس مرات في السنوات الأخيرة، عدا عن الزيارات المعلنة لكل من وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجف، ووزير الخارجية السابق يسرائيل كاتس، علاوة على الزيارات السرية المتكررة لرئيس الموساد يوسي كوهين إلى الإمارات.
وفيما وضعت “يسرائيل هيوم”، الصحيفة المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، على طبعتها الورقية عنوان “الإمارات أولاً”، في إشارة إلى سياسة نتنياهو في السنوات الأخيرة بالتوصل أولاً إلى اتفاقيات مع الدول العربية ومن ثم مع الطرف الفلسطيني، فإنها لم تنسَ أن تضع على موقعها عنواناً رئيسياً آخر هو “السلام مقابل السلام”، في تأكيد لـ”النصر الإسرائيلي” على الموقف العربي العام، ونبذ ورفض شعار الأرض مقابل السلام. وأشار عدد من المعلقين إلى أهمية الإعلان لجهة تكريس سياسة اليمين الإسرائيلي وتغيير معادلة المفاوضات ومساعي “السلام مع الدول العربية”، بالتخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام. واعتبر ناحوم برنيع، في تعليقه في “يديعوت أحرونوت” تحت عنوان “هذا السلام له”، أن “نتنياهو يستحق تقديراً كبيراً، لأن هذه هي المرة الأولى منذ انتخابه، التي يقوم فيها بتحرك سياسي إيجابي، ولا يبحث عن إحباط مبادرات الآخرين. هذا السلام هو له إذا تطور وتحقق، وإذا تشوش وفشل فهو من نصيبه أيضاً”.