استعانت جماعة الحوثي في سيطرتها على المحافظات اليمنية، بعدد من المشايخ والوجاهات الاجتماعية، الذين قرروا العمل معها حفاظا على مصالحهم، أو طمعا في الحصول على مناصب جديدة، بعد الانقلاب الذي قادته على الحكومة الشرعية في سبتمبر 2014.
كان رجال حزب “المؤتمر” الذي أسسه الراحل علي عبد الله صالح، هم أبزر من عمل مع جماعة الحوثي، ضمن تحالف معلن، بين الحوثيين والحزب بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
قام المشايخ بدورهم في تجنيد رجال القبائل للقتال في صفوف الحوثي، وحشد المواطنين للمشاركة في فعاليات “الجماعة”، ودعوا من خلال تحركاتهم إلى تبني خطاب الحوثي والولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي، بصفته “قائدا للمقاومة”.
قبل سقوط صنعاء كان الكثير يراهن على من يسمونهم “مشايخ طوق صنعاء”، وهم المشايخ الذين يحيطون مدينة صنعاء، ويتمركزون مع قبائلهم في السلسلة الجبلية المحيطة بالمدينة، خصوصا من الجهتين الشمالية والجنوبية.
لكن رهانهم كان خاسرا بل مخيبا للآمال أيضا، فقد عمل أولئك المشايخ على دعم الحوثيين في السيطرة على صنعاء، بينما اتخذ الآخرون موقفا محايدا تجاه تلك التحركات، على العكس من التوقعات.
وآل ذلك الأمر، بالطبع، إلى سقوط عمران بيد الحوثيين ثم صنعاء، ومن بعدها المحافظات الأخرى، في خيبة أمل بالقوى القبلية التقليدية التي راهن عليها الجميع، رهانا لا يقل عن رهانه على المؤسسة العسكرية، التي وقفت هي الأخرى مع الحوثيين، بأوامر من الرئيس السابق الصالح، التي كانت تدين له بالولاء حتى تلك اللحظة.
“جزاء سنمار”
شكّل مقتل علي صالح في ديسمبر/كانون الأول 2017 حدثا مفصليا ومصيريا، قضى على ما تبقى من طموحات حزب “المؤتمر” جناح صالح.
وكان الرئيس السابق، حينما حاصره الحوثيون في منزله في حدة وسط صنعاء، قد دعا المشايخ والقبائل وعلى رأسهم الموالون له من أعضاء حزب “المؤتمر” للانتفاضة على الحوثيين، غير أن دعواته تلك لم تلق استجابة، ما أسفر عن مقتله بعد يومين من إطلاقه تلك الدعوات.
خيّب مشايخ “المؤتمر” ظن صالح وتركوه لمصيره، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ألقى عدد منهم باللائمة على صالح، وصرحوا بأنه يستحق ذلك الجزاء، وأيدوا تحركات الحوثيين في القضاء على من سموه رأس الفتنة، في موقف فاجأ الكثيرين من أبناء الشعب اليمني، كتصريحات رجل الأعمال اليمني يحيى الحباري، الذي كان من رجال صالح.
“مكافأة نهاية الخدمة”
برغم الخدمة الكبيرة التي قدمها أولئك المشايخ للحوثيين في وقت حساس، إلا أن “الجماعة” بعد أن رست مراكبهم واستقام لهم الأمر، عملوا على إذلالهم وتطويعهم للعمل تحت قيادة مشرفيهم، والالتزام حرفيا بالأوامر التي يصدرها قادتهم.
وكانت العقوبة لكل من رفض أو أبدى أدنى اعتراض لتوجيهاتهم الاعتداء والقتل والسحل، على نحو يشبه “مكافأة نهاية الخدمة”، ولم تشفع لهم جهودهم التي قاموا بها في مساعدة الحوثيين في السيطرة على عمران ثم صنعاء وبقية المحافظات.
كان أبرز من ساعد الحوثيين في تحركاتهم لإسقاط مدينة عمران ثم العاصمة صنعاء هو الشيخ مجاهد قشيرة، الذي ينتمي لمحافظة عمران، شمالي صنعاء، غير أن الحوثيين نكّلوا به الأسبوع الماضي، وقاموا بتصفيته ثم سحله في شوارع مدينة ريدة في عمران، وأحرقوا منزله.
بدأت الحكاية عندما تعرض مدير أمن مدينة ريدة التابعة لمحافظة عمران لمحاولة اغتيال، ما دفع مدير الأمن لاتهام الشيخ مجاهد قشيرة بوقوفه خلف تلك المحاولة. وقد شكك البعض بشأن تلك المحاولة، وقالوا إنه ادعاء للنيل من قشيرة، الذي كان قد دخل في خلاف ومهاترات، قبل أسابيع عدة، مع مدير الأمن والقيادي الحوثي، بخصوص أموال وأسلحة وذخائر.
غير أن عناصر مسلحة من جماعة الحوثي هاجمت منزل الشيخ قشيرة، وفور وصولها، حذرها الأخير من اقتحام المنزل، ونفى في الوقت نفسه أن يكون له يد في محاولة الاغتيال تلك، وكعادة جماعة الحوثي لم تبال بتحذيراته، فاقتحموا المنزل، إلا أن قشيرة أطلق النار عليهم وأردى تسعة قتلى وثلاثة جرحى.
بعد تلك الحادثة، احتشد عشرات المقاتلين الحوثيين، معززين بعربات عسكرية، وفرضوا حصارا على منزل قشيرة الذي رفض الاستسلام، فضيقوا حصارهم على المنزل ثم تبادلوا إطلاق النار مع الرجل، ولما قاربت ذخيرته على الانتهاء، أعلن موافقته لتسليم نفسه، مشترطا أن يكون تسليمه بحضور القيادي الحوثي، ومدير الأمن السياسي في محافظة عمران الشيخ محمد الشتوي.
على إثر ذلك استدعى الحوثيون الشتوي، فحضر مع أخيه هادي الشتوي، غير أنه لما دخل المنزل، ما كان من قشيرة إلا أن باشرهم بإطلاق النار بما تبقى لديه من رصاصات، فقتل على الفور الشتوي مع أخيه، إلى جانب ثلاثة آخرين من جماعة الحوثي.
بحسب مصادر قبلية لصحيفة “الاستقلال”، فإن قشيرة كان يظن أن للشيخ الشتوي يدا في المؤامرة التي تعرض لها، و أسفرت عن هذه الحادثة، فلجأ لتلك الحيلة، التي أدت لمقتل الشتوي مع مرافقيه.
بعد مقتل الشيخ الشتوي، ونفاذ ذخيرة قشيرة، اقتحم الحوثيون المنزل وأمطروه بالرصاص ثم قاموا بطعنه عدة طعنات في مناطق متفرقة من جسده، وقاموا بسحل جثته والتمثيل بها، وإحراق منزله.
وقال أحد أبناء منطقة ريدة الذي طلب عدم كشف هويته، لـ”الاستقلال”، إن قصة قشيرة كانت مدبرة منذ ادعاء محاولة الاغتيال، وذلك للإيقاع بالرجل، من مدير الأمن، غير أن قشيرة لم يمت إلا وقد انتقم من بعض أعدائه من الحوثيين، حد قوله.
سلسلة من التصفيات
لم يكن الشيخ قشيرة هو الوحيد، وإن كان الأحدث في قائمة المنكل بهم، فقد سبقه من قبل الشيخ سلطان الوروري، الذي قاتل مع الحوثيين منذ وقت مبكر، ومنذ بداية حروبهم مع الحكومة والجيش الوطني في عام 2004 وحتى إسقاط العاصمة صنعاء في 2014 والسيطرة عليها.
وقالت مصادر صحفية ، إن الحوثيين أقدموا على تصفية الوروري، على خلفية قيامه بالتوسط في قضية أحد أبناء منطقته، وهو ما أثار استياء الحوثيين ودفعهم لتأديبه، بل وتصفيته ليكون عبرة لكل من يحاول التعاطف مع أي أحد تعتقله الجماعة أو تقرر استهدافه.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قتل الشيخ القبلي أحمد السكني على يد مشرف حوثي يدعى أبو ناجي المأربي، بمديرية بمنطقة صرف في صنعاء، وكذلك الشيخ خالد جمعان، وأواخر مايو/أيار الماضي، شهدت مدينة إب، أيضا مواجهات بين مراكز نفوذ داخل الجماعة أسفرت عن تصفية أحد القيادات المحلية التي ساهمت في تمكينهم من الاستيلاء على المحافظة، وهو العميد عبدالقادر سفيان، المعين من قبل الحوثيين وكيلا لمحافظة إب، في اشتباكات مع عناصر أمن وسط المدينة.
وكان الحوثيون قد اعتدوا في وقت سابق على الشيخ مجاهد القهالي الذي عمل معهم، وتم تهديده من القيادي الحوثي أبو علي الحاكم بتفجير وإحراق بيته.
إذلال ممنهج
الملفت للأمر، أن الحوثيين قاموا في عمليتهم الأخيرة بتصوير عملية سحل وتشويه الشيخ مجاهد قشيرة، في مشهد أرعب الجميع، وتعليقا على تلك الحادثة قال الناشط الحقوقي محمد الأحمدي لـ”الاستقلال”، إن تصفية قشيرة بتلك الوحشية يعكس الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، والتي تريد من خلالها نقل رسالة لمن يريد أن يشب على الطوق ويرفض توجيهات قادة الميلشيا ومشرفيهم.
وأضاف الأحمدي: “أما تصويرهم لعملية السحل بتلك الوحشية، فالهدف منه هو زرع الخوف في قلوب المجتمعات حتى تتحول لمجتمعات خائفة منقادة لأوامر الميلشيا”.
من جهته، رأى الناشط الحقوقي موسى النمراني، في حديث لـ”الاستقلال”، إن هؤلاء المشايخ كانوا مجرد أدوات استخدمتهم الميلشيا في وقت معين، وعندما انتهى دورهم ولم تعد بحاجة إليهم ولا إلى رمزيتهم القبلية قررت سحقهم أو التخلص المنهم”.
وأشار إلى أن “الحوثيين عملوا طوال فترة سيطرتهم على تهميش دور المشايخ في مقابل تفعيل دور المشرفين الحوثيين، والتي تعمل على إحلالهم ليكونوا هم البديل للمشايخ في السيطرة والنفوذ”.