كشف تقرير لمركز ”كارنيغي للشرق الأوسط“، اليوم السبت 27 يوليو/تموز، عن اتفاق وتفاهمات تمت بين جماعة الحوثي الانقلابية ودولة الإمارات، قبيل اعلان الأخيرة سحب قواتها من اليمن.
وقال التقرير الذي أعده الباحث بمركز ”كارنيغي للشرق الأوسط“ في بيروت أحمد ناجي، ان ”الامارات تخفض قواتها في اليمن لكنها تبقى الفريق الأوسع نفوذاً في جنوب البلاد“.
وأشار الباحث المختص بالشؤون اليمنية الى ان ”الحوثيين توصلوا إلى تفاهم مع الإمارات لتجنُّب اشتداد القتال في جبهة الساحل الغربي (الحديدة) وإلا كانوا استهدفوا موانئ ومطارات الإمارات كما فعلوا في السعودية“.
ولفت الى انه ومنذ انطلاق عمليات التحالف العربي العسكرية اختلفت استراتيجية الإمارات عن استراتيجية السعودية، مؤكدا ان الإمارات تعتبر خفض حضورها على الأرض سيجعلها أقل عرضة للمساءلة على خلفية الكارثة التي حلّت في اليمن.
وبين التقرير ان ”الإمارات تُركّز بصورة أساسية على جنوب اليمن والمنطقة الساحلية، ولاتُبدي اهتماماً كبيراً بما يجري شمال البلاد“.
نص التقرير:
أعلنت الإمارات العربية المتحدة مؤخراً عن خفض عدد قواتها العسكرية في اليمن، لكنها ستبقى الطرف الأكثر نفوذاً في جنوب البلاد. وسوف تتيح لها إعادة الانتشار التركيز على مصالحها، عبر الاعتماد بصورة أكبر على الأفرقاء المحليين الذين تتحالف معهم.
لقد شدّد المسؤولون الإماراتيون على أن بلادهم ليست في صدد الانسحاب من اليمن، مشيرين إلى أنها تعمد إلى خفض أعداد جنودها وتُعيد نشر قواتها بغية التركيز على مكافحة الإرهاب.
وبينما لفت هؤلاء المسؤولون إلى أن هذا القرار “ليس قراراً اتُّخِذ في اللحظة الأخيرة” وإلى أنه كان موضع نقاش واسع مع المسؤولين السعوديين، سلّطت هذه الخطوة الضوء على الخلافات بين الإمارات والسعودية في الملف اليمني.
كانت التقارير ذكرت أن المسؤولين في النظام الملكي السعودي تدخلوا شخصياً، لثني المسؤولين الإماراتيين عن المضي قدماً بتنفيذ قرارهم. لكن يبدو أن الإمارات قررت التحرّر من القيود التي يفرضها عليها التحالف.
فمنذ انطلاق العمليات العسكرية في آذار/مارس 2015 على أيدي قوات التحالف العربي، اختلفت الاستراتيجية الإماراتية عن الاستراتيجية السعودية.
إذ إن الهدف السعودي الأساسي كان إضعاف الحوثيين من أجل تسليم مقاليد السلطة من جديد إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف به دولياً، وتوسيع نفوذ الرياض، وتحسين الأمن عند الحدود السعودية-اليمنية.
أما الإماراتيون، فقد سعوا إلى كسب النفوذ في المناطق الساحلية اليمنية وفي جنوب البلاد، بهدف تعزيز حضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي.
ودفعت التصدعات المتزايدة بين السعودية والإمارات بالدولتَين إلى تعزيز حضورهما في المحافظات المنقسمة سياسياً وغير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين، حيث أقامت كل منهما تحالفات مع الفصائل اليمنية واستخدمتها لتحقيق أهدافها.
حالياً، يحمل خفض عدد الجنود إيجابيات عدة للإمارات. فهو يمنحها حرية المناورة سعياً لبلوغ أهدافها السياسية في اليمن، عبر الاستعانة بقوى محلية تتحرّك بالوكالة عنها. ويؤمّن لها أيضاً هامش مناورة في مايتعلق بالحوثيين وإيران.
كما أنه يُجنِّبها التداعيات الأسوأ لما يدور على الأرض في اليمن، في حين يساهم في خفض أعداد الضحايا في صفوف القوات الإماراتية، مع مايترتب عن ذلك من منافع على المستوى الداخلي.
بحسب وجهة النظر الرسمية للقادة الإماراتيين، انتهت الحرب في اليمن قبل فترة من الزمن. هذا ما أعلنه بوضوح ولي عهد أبو ظبي، الأمير محمد بن زايد (الذي يتولى فعلياً إدارة السياسة الخارجية الإماراتية بعد تردّي صحة أخيه، رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد)، في تغريدة له عبر موقع تويتر في حزيران/يونيو 2016.
فقد غرّد قائلاً ما مفاده أن اليوم وجهة نظرنا واضحة: انتهت الحرب بالنسبة إلى جنودنا؛ نراقب الترتيبات السياسية ونعمل على تمكين اليمنيين في المناطق المحرَّرة.
لقد سعت الإمارات العربية المتحدة بصورة أساسية إلى التأثير في الأحداث في جنوب اليمن بهدف إضعاف حكومة هادي ومنعها من الوقوف في وجه الأهداف الإماراتية في المنطقة.
يُقدّم الإماراتيون الدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يُعتبَر من التيارات الانفصالية الأساسية في جنوب اليمن، ويدعمون المطالب التي يرفعها من أجل تحقيق استقلال الجنوب.
علاوةً على ذلك، وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على أيدي الحوثيين في كانون الأول/ديسمبر 2017، ساعدت الإمارات طارق صالح، نجل شقيقه، لإنشاء وحدات عسكرية في الساحل الغربي اليمني.
ويخوض المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق رسمياً قتالاً ضد الحوثيين، لكنهما يرفضان الاعتراف بشرعية هادي. وقد درّبت الإمارات نحو 90000 جندي تُسدّد لهم أيضاً رواتبهم، وتحصل من خلالهم على قوة برّية فاعلة تستخدمها بمثابة وسيلة لممارسة النفوذ العسكري والسياسي.
علاوةً على ذلك، أقدمت الإمارات في الآونة الأخيرة على توحيد جميع القوات العسكرية في غرب اليمن، بما في ذلك القوات المتمركزة في مدينة الحديدة المرفئية، تحت قيادة طارق صالح. وسعت على مايبدو إلى تعزيز سيطرتها على القوات في المنطقة لمنع أي تصعيد عسكري.
ولفت مصدر مقرَّب من الحوثيين إلى أنهم توصلوا إلى تفاهم مع الإمارات لتجنُّب اشتداد القتال في غرب اليمن، وإلا كان الحوثيون استهدفوا الموانئ والمطارات الإماراتية بالطريقة نفسها التي استهدفوا بها الموانئ والمطارات السعودية.
يُشار في هذا الصدد إلى أن الإمارات لم تتعرض حتى تاريخه للهجمات من الحوثيين، على الرغم من أن مصادر موالية للحوثيين زعمت أن التنظيم طوّر مركبات جوية مسيّرة يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، مايعني أنها قادرة على الوصول إلى الإمارات العربية المتحدة.
يُسلّط السلوك الإماراتي في غرب اليمن الضوء على أن السلطات الإماراتية تُركّز بصورة أساسية على جنوب اليمن والمنطقة الساحلية، ولا تُبدي اهتماماً كبيراً بما يجري في المنطقة الواقعة شمال البلاد.
وبما أنه ليست للحوثيين بدورهم مصلحة استراتيجية في جنوب اليمن، أفسح ذلك المجال أمام التوصل إلى تسويات بينهم وبين الإماراتيين. فالإمارات ترى أنه لم يعد منطقياً أن تُورّط نفسها في القتال للسيطرة على مناطق تعتبرها هامشية لمصالحها الأوسع نطاقاً.
وتجلّت البراغماتية الإماراتية أيضاً في الأزمة المستفحلة بين الولايات المتحدة وإيران. فقد حرصت الإمارات على تجنُّب أي تصعيد مع طهران. وكان ذلك واضحاً على وجه الخصوص عندما قامت إيران أو مجموعات موالية لها باستهداف أربع ناقلات نفط على مقربة من الفجيرة في أيار/مايو الماضي.
وفي حين خلصت الإمارات وسواها إلى أن “دولة” ما تقف على الأرجح خلف الهجمات، حرصت على عدم توجيه اتهامات مباشرة إلى إيران بتنفيذ الهجمات.
سيؤدّي خفض عدد القوات هدفاً آخر أيضاً. فقد يساهم في تحسين صورة الإمارات في وقتٍ اتهمتها المنظمات الإنسانية الدولية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن.
وتتصاعد صيحات الاستهجان الدولية بسبب الأوضاع الإنسانية في البلاد، حتى إن الكونغرس الأميركي يسعى إلى حظر مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج. ولذلك، من شبه المؤكّد أن الإمارات تعتبر أن خفض حضورها على الأرض سيجعلها أقل عرضة للمساءلة على خلفية الكارثة التي حلّت في اليمن.
المصدر | مركز كارنيغي للشرق الأوسط