الفاشية الحوثية.. كيف تفنن الكهنوت في التنكيل بحلفائه (تقرير خاص)

25 يوليو 2019
الفاشية الحوثية.. كيف تفنن الكهنوت في التنكيل بحلفائه (تقرير خاص)

لم يشهد اليمن طوال تاريخه الطويل، باعتباره موطناً لأقدم الحضارات البشرية على الإطلاق، تسلط جماعة أكثر دموية وأكثر توحشاً وغدراً من الجماعة الحوثية التي عم أذاها كل بيت في اليمن، ولم يسلم من وحشيتها لا عدو مقاوم ولا حليف داعم ولا محايد مسالم.

الحوثيون الذين انطلقوا من كهوف مران بمحافظة صعدة أقصى شمال اليمن في بداية الألفية الجديدة، نشروا الموت والخراب في طريقهم المحموم نحو السلطة ونحو استعباد رقاب اليمنيين وإذلالهم والتحكم بمصائرهم، في وقت بلغ فيه الانقسام والتشظي في البيت اليمني مبلغاً غير مسبوق، وبات كل طرف يحيك المكائد بالطرف الآخر.

وليست الجريمة المروعة التي تعرّض لها قيادي قبلي قبل أيام في محافظة عمران، ويدعى مجاهد قشيرة، إلا آخر فصل من فصول التنكيل المسلّط على رقاب بعض اليمنيين ممن أدركوا أن خطيئتهم الكبرى كانت الاعتقاد بأن الوقوف بجانب هذه العصابة سينجيهم من أي أذى في أنفسهم أو دورهم أو أهلهم.

كما تكشف هذه الحادثة عن مكنون “الفاشية” المتغلغلة حتى العظم في نفوس المليشيات، والتي اختارت أهداء أبشع ميتة لحليف طالما آمن بها وقاتل معها.

أما ملابسات هذه الحادثة التي فجرت غضباً شعبياً جارفاً فابتدأت قبل أيام، حيث اتهمت المليشيات المتحوث “قشيرة” بتدبير محاولة اغتيال ضد مدير أمني حوثي بعمران، قبل أن يحاصر الحوثيون بيته. أندلعت الاشتباكات بين الطرفين لأكثر من عشر ساعات ثم اقتحم الحوثيون الدار. أطلقوا الرصاصات عليه وأردوه قتيلا، لكنهم لم يكتفوا بذلك. أخرجوا جثته وسحلوها أمام أنظار كل المتواجدين في المنطقة، ثم قاموا بالتمثيل بالجثة وطعنها عشرات الطعنات.

مارسوا كل ذلك التنكيل بحق جثة هامدة لا حراك فيها، فيما اصطف بقية مقاتليهم للتهليل لهذه الفاشية وتصوير الجريمة التي رآها العالم أجمع.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي أسعد المودع: لم يتقبل الحوثيون – ببساطة – فكرة أن يقاومهم قشيرة وأن يختار مقاتلتهم بدلاً عن تسليم نفسه طواعية. ذلك التصرف استفزهم وجعلهم يصبون عليه جام غضبهم الذي لم يهدأ أبداً حتى بعد أن أفرغوا الرصاصات في جسده. فلجأوا الى سحل جثته والتمثيل بها إمعاناً في الانتقام منه.

  • الحوثي.. تاريخ من الغدر والخيانة بالحلفاء

في واقع الأمر، لقد مارست جماعة التمرد الحوثية الإرهابية سياسة استثنائية لم يسبقها إليها أحد من قبل، وهي سياسة الغدر بكل الحلفاء والموالين، والإمعان في التنكيل بهم بشكل غير مسبوق.

وليست سلسلة الاغتيالات والقتل التي طالت قيادات متحوثة من محافظة عمران ومحافظات أخرى – وبحسب مراقبين –  إلا نتاجاً طبيعياً لاستفراد العصابات بالحكم، إذ لا تقبل من أتباعها ومن يقعون تحت دائرة نفوذها إلا الإنصياع التام والتسليم بكل تصرفاتها.

كما أنها تشير إلى أن الجماعة المليشياوية انتقلت من طور التحالفات المؤقتة الى طور الصراعات البينية، وهي عادة متأصلة عند كل العصابات التي تعتقد أن الحكم قد استقر لها، ولم يعد هناك من تهديد يمكن أن يزيح سطوتها الجاثمة.

 

قائمة طويلة من المشائخ وعلماء الدين والساسة والعسكريين الذين صعد الحوثي على أكتفاهم في بداياته حتى تمكن من بسط سطوته على صنعاء، ثم على معظم مدن الشمال اليمني، طالتهم يد التنكيل والبطش الحوثية دون أن يرمش لها جفن.

أما هؤلاء المغدورون من القيادات التي اختارت الوقوف بصف المليشيا الإرهابية في فترة زمنية بالغة الحساسية ضد الشعب وضد الدولة وضد الجمهورية، فقد نالوا بحسب تعبير شعبي ساخر ما يمكن أن يطلق عليه “مكافأة نهاية الخدمة” من قبل جماعة عرف عنها أنها تحسن في تلقين كل المتحالفين معها دروساً تاريخية في القهر والتنكيل، تاركة أقرانهم ممن لا يزال على قيد الحياة في حالة ذهول وترقب.

ويبدو أن “قفازات الحوثي” أو “الزنابيل” وهو وصف يستخدمه اليمنيون في وصف كل قيادي خان موقعه واختار الولاء للجماعة والانسلاخ عن قيم الحق والعدل ، لا يملكون كثيراً من الخيارات أمامهم لتجاوز هذا المأزق، خاصة بعد أن شددت المليشيات الحوثية من حصارها على كافة مداخل ومخارج المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، لضمان عدم فرارهم واحداً بعد الآخر نحو الدولة المحررة خارج حدودهم.

وللتدليل على هذا الواقع المخيف المحدق بكل “زنابيل” الحوثي يكفي الإشارة الى أسماء بعينها من قيادات ومشائخ محافظة عمران – على سبيل المثال – كانت وراء تمكن الحوثي من دخول عمران في 2014م. ومن أبرز هذه الأسماء – على سبيل المثال لا الحصر: ياسر الوصي – صالح بن ناصر الاحمر – سلطان الوروري – محمد يحي الغولي – سلطان عويدين – مجاهد قشيره – أحمد السكني – محمد ناجي مرزاح – مبخوت المشرقي – علي حميد جليدان – علي عزيز الحجيري – مجاهد القهالي – يحيى داحش العبدي – صالح المخلوس – صادق ابوشوارب .

ولا يحتاج المرء كثيراً من الدهاء لاستنتاج أن معظم هذه الأسماء، وتحديداً الثمانية الأولى إما تعرضت للقتل أو التنكيل والسجن والإذلال خلال الفترة الماضية، فيما يترقب البقية مصيراً قد لا يكون أفضل حالاً من مصير من سبقوهم.

  • الإمعان في التوحش

إن المتتبع لخط تطور الأحداث في مناطق الانقلاب مذ سيطر على صنعاء وحتى اليوم، وطبيعة العلاقة القهرية التي تربط جماعة الحوثيين بكل حلفائها ليلحظ كيف أن معظم تلك التحالفات انتهت بشكل دراماتيكي، إذ تستجمع المليشيا كل القوة الممكنة لقهر معاونيها.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي زيد جابر: لم يكن قتل وسحل الحوثيين للشيخ مجاهد قشيرة الذي كان معهم منذ سنوات بتلك الطريقة الوحشية مفاجئاً أوغريباً إلا عند من لم يعرفوا الحوثيين ومنهجهم، فالإنتقام من الخصوم والتمثيل بجثثهم منهج ديني لدى الحوثيين مارسوه عبر التاريخ وأصلوا له.

أما عن الهدف وراء هذا النهج القهري يرى الكاتب مصطفى الجبزي أن الحركة الحوثية: لا تسعى إلى فرض نفسها كسلطة فوقية مكتفية بالهيمنة السياسية والانتفاع المادي لكنها أيضاً تريد تغيير الخارطة الاجتماعية والأيديولوجية للمجتمع اليمني.

 

مضيفاً: تسعى الحوثية بعد إفراغها لمحتوى الدولة المعتل في الخمسة الأعوام المنصرمة إلى سحق القبيلة بالتوازي ككيان اجتماعي يمني عتيق لتبني أنموذجها الاجتماعي الخاص الذي لا رأس فيه يعلو ويظهر إلا رأس السيد بكل ما فيه من قداسة، ثم مجتمع المشرفين والمشروفين، في محاولة لاستنساخ نظام حكم الملالي بإيران.

  • نماذج لتنكيل الحوثيين بحلفائهم

القصص والشواهد عن التنكيل بالحلفاء كثيرة للغاية، ولم تتورع المليشيات عن اقتراف كل المحرمات لقهر حلفائها، كالقتل والسحل والتمثيل بالجثث أو إخفائها لشهور عن أهالي الضحية، وليس انتهاءاً بتفجير البيوت على رأس ساكنيها.

– مقتل علي عبدالله صالح 

يمكن القول أن واقعة مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح تعد أحد أوضح الشواهد التي تكشف مدى الفاشية المكتنزة في مليشيات الحوثيين. النهاية المأساوية التي تعرض لها وطريقة القتل البشعة التي كوفئ بها من قبل حلفاء الأمس توضح – بحسب ناشطين –  مدى “الخسة” التي بلغتها الجماعة المتمردة في التعامل مع كل من مد يده لها.

ولم يكن لأحد فضل على جماعة الحوثي طوال تاريخها كما كان فضل صالح عليهم. لقد دعمهم في بداياتهم ثم قوى شوكتهم عبر حروب ست أراد لهم من خلالها اكتساب خبرات قتالية. وكلما كان الجيش يضيق دائرة الخناق عليهم ويكاد يحسم المعركة معهم يتدخل صالح في اللحظات الأخيرة وينهي الحرب باتصال هاتفي.

ثم لما أزيح عن السلطة تحالف معهم بشكل علني. أمدهم بالمال والسلاح وأمر مشائخه بالتنسيق معهم. وحين حانت ساعة الصفر بعث معهم آلاف المقاتلين المدججين بمختلف الأسلحة واقتحم معهم كل المحافظات حتى وصلوا الى صنعاء، وسط مباركته وترحيبه.

لكن “الثعبان” الذي حضره صالح انقلب عليه بعد أن سيطرت الجماعة على الجيش والثروة في صنعاء. أمعنوا في إذلال وزرائه بحكومة الحوثيين، ثم قتلوا حارسه الشخصي وكادوا يقتلون نجله. وخلال حرب خاطفة بشهر ديسمبر 2017م استمرت يومين فقط في صنعاء اقتحم الحوثيون منزله بحي حدة واعتقلوه حياً.

أفرغوا رصاصاتهم في رأسه بالرغم من كونه بات أسيراً بيدهم، ثم لفوا جثته في بطانية وصوروها لإرهاب كافة خصومهم.

الإمعان في القهر والإذلال والتنكيل بلغ مبلغة حينما احتجزوا الجثة في إحدى الثلاجات لأشهر رافضين لأقاربه تسلمها أو دفنها. بل إنهم أجبروا أنصار صالح وقيادات حزبه والمشائخ الموالين له على الخروج غصباً للاحتفال بمقتل من وصفوه “زعيم الغدر والخيانة”.

وبعد شهور طويلة من الاستجداء والطلبات المتكررة وافقت الجماعة الحوثية على دفنه سراً في مكان غير معلوم، وبحضور عدد محدود جداً من أهله.

 

– مقتل عارف الزوكا

قبل مقتله في ذات يوم مقتل صالح كان عارف الزوكا يشغل منصب الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام.

وليس مؤكداً حتى اليوم كيفية مقتل الزوكا على أيدي الحوثيين، لكن الرواية الأكثر رجحاناً هي تعرضه للاغتيال بدم بارد على يد مسلحي ميليشيات الحوثي الإيرانية داخل المستشفى العسكري الذي نقل إليه بعد إصابته بجروح متوسطة خلال عملية اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

كما طالت دائرة الاغتيالات العشرات من المشائخ القبليين الموالين للحوثي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

  • الشيخ أحمد سالم السكاني، المكنى “أبو ناجي المربي” وهو عضو المجلس المحلي وعضو حزب المؤتمر الشعبي العام في عمران. حيث قتلته المليشيات في ابريل المنصرم.
  • خالد علي جمان: شيخ قبلي. ساعد الحوثيين، قبل أن يقتل على يد “أمين عامر جمان” وهو قائد آخر للحوثيين من نفس العائلة.
  • محمد الشطي، أحد القادة المحليين الموالين للحوثي. قتل على يد قيادي آخر من المتحوثين يدعى “مجاهد قشيرة”. والأخير تعرض في اليوم التالي الى السحل والتمثيل بجثته وتفجير بيته.
  • القيادي المتحوث عبدالقادر سفيان: أحد قيادات الحوثي البارزة بمحافظة إب وسط اليمن وكان يشغل منصب نائب المحافظ. إذ لقي مصرعه بعد اندلاع اشتباكات بين أجنحة الحوثيين في إب أدت في النهاية إلى مقتل سفيان.
  • محمد عبد الكريم هيجان: قيادي متحوث من المحويت قتل في ظروف غريبة، ولم ينج سوى أحد حراسه الشخصيين. عمل هيجان مع الحوثيين، وساعدهم في الاستيلاء على المحافظة في عام 2014م.

أما من نجى من دائرة الاغتيال من المشائخ المتحوثين فلم يسلموا من الإذلال والاعتقال، كما لم تشفع لهم خدماتهم الهامة في تمكين الحوثي من السيطرة على مناطقهم في سلامتهم الشخصية، ومنهم:

  • الشيخ مبخوت المشرقي: يعد أحد أكبر القيادات القبلية في عمران، كما تربطه بالرئيس السابق صالح علاقة صهارة. اقتحمت المليشيات داره وفجرته بالديناميت كما اعتقلت المشرقي وزجته في سجونها.
  • الشيخ علي حميد جليدان: قيادي قبلي كبير أيضاً من محافظة عمران، وهو من المتحوثين الذين كانوا مع صالح ثم تحولوا للولاء للمليشيات. وقد تعرض للاعتقال هو وعدد من مرافقيه بعد أن اقتحمت المليشيات منزله.
  • مجاهد القهالي: أحد أكبر القيادات القبلية في همدان بصنعاء. تعرض بيته للاقتحام من قبل مليشيات الحوثي بزعامة أبوعلي الحاكم. ثم تعرض للتهديدات بالاعتقال وتفجير بيته.

 

أن ظاهرة توحش مليشيا الحوثي في التعامل مع الآخر وإن كان حليفا، ليست شئيًا مستغربًا بالنظر لطبيعة العقيدة العنيفة التي تتبناها هذه الجماعة، فمجمل خطابها يتسم بالعنف وضخ جرعات مخيفة من خطاب الكراهية وسط أفرادها، وهذا النوع من الخطاب ليس عارضًا أو نتاج ظروف استثنائية، بل هو ما يشكل جوهر المنهج الحوثي العنصري، ودعاوى التفوق السلالي عن باقي البشر، وهذه الفكرة الخطرة هي ما تجعل أفراد الجماعة والملتحقين بها، يتعاملون بوحشية مع الأخر.

 

أخيـــراً

تبقى “مكافاة نهاية الخدمة” من حوادث البطش والتوحش شاهداً ماثلاً لكل من تبقى في صفوف المليشيا من القيادات المتحوثة حتى اليوم، ويبقى السؤال الأشد إلحاحاً هنا هو: هل يتعظ هؤلاء بمصير من سبقوهم ويعودوا لجادة الصواب والدولة، أم أنهم سيبقون حطباً لهذا الكهنوت الدموي يضرب به أعداءه وقت شاء، ويحرقه لتدفئة جسده وقت شاء أيضاً.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق