تسبب انكسار الحملة العسكرية التي شنها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بحالة استنفار لدى حلفائه، خاصة أبوظبي التي أنفقت المليارات في سعيها لتغيير الوضع الليبي بما يخدم مصالحها ورؤاها.
ويبدو أن انكسار حملة حفتر على أسوار العاصمة طرابلس لم يكن متوقعاً من قبل الداعمين؛ بفضل الحشود العسكرية التي جمعها، وأغلبها مؤلف من عناصر المرتزقة، مع الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا.
هذا ما أدى إلى تحرك عاجل على مستويين؛ الأول سياسي عبر دفع الإمارات عارف النايض، السياسي الليبي المثير للجدل، والمحسوب عليها في الأوساط السياسية والإعلامية، لترشيح نفسه لرئاسة حكومة تمثل مجلس نواب طبرق.
وقالت قناة “فبراير” الليبية، الجمعة (20 يوليو)، إن النايل أعلن أنه مستعد لتشكيل حكومة لو طلب البرلمان ذلك منه، وأن لديه لهذا الغرض “برنامجاً جاهزاً”.
المستوى الثاني من التحرك جاء على الصعيد العسكري؛ حيث كشف المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عن معلومات استخبارية تفيد بأن مصر وفرنسا والإمارات ترتب للتورط بشكل أكبر مع قوات حفتر؛ للهجوم على العاصمة طرابلس باستخدام الطيران والأسلحة النوعية.
وقال المجلس في بيان صدر الجمعة (19 يوليو)، إنه يحمّل تلك الدول مسؤولية ما قد ينتج عن ذلك من دمار وخسائر وترويع للآمنين.
ودعا المجلس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ومجلس الأمن وجميع الأطراف الدولية إلى اتخاذ موقف قوي وحاسم إزاء تدخل هذه الدول، وما يترتب عليه من ضحايا وأضرار وانتهاك للسيادة الليبية.
رجل الإمارات يخلف حفتر
نقل موقع “ليبيان إكسبرس” الناطق باللغة الإنكليزية، الأربعاء (10 يوليو)، عن المستشار السياسي السابق في المجلس الأعلى للدولة الليبية، أشرف الشح، قوله: إن “الإماراتيين يعدون لتشكيل حكومة برئاسة سفير ليبيا السابق لدى الإمارات، عارف النايض”.
وأشار إلى أن “حكام أبوظبي لا يريدون الظهور في الصورة؛ لذلك كلفوا المصريين بتولي الموضوع”، لافتاً النظر إلى وجود “تعقيد في إقناع خليفة حفتر بتشكيل هذه الحكومة، وإظهارها على أساس أنها قيادة سياسية وبأنه يتبع قيادة مدنية”.
وبحسب الشح، فإن هذه الخطوة تقتضي “منح فرصة للمبعوث الأممي، غسان سلامة، لطرح مبادرة سياسية بتشكيل حكومة، والإيحاء بأن خليفة حفتر يتبع لقيادة مدنية، وأن يبدأ على ضوء ذلك تفاوضاً جديداً مع حكومة الوفاق الوطني عن طريق هذه الحكومة”.
وأوضح أن “الغرض من هذه العملية هو إرجاع مسار سياسي جديد يمكنهم من تجنب مآسي العدوان على العاصمة، ويريدون إظهار واجهة سياسية جديدة لبدء عملية تفاوضية جديدة تمكنهم من الحصول على ما لم يستطيعوا الحصول عليه من الهجوم العسكري”.
عين الإمارات على مصالحها
عصام الزبير، المحلل السياسي الليبي، أشار إلى أن الإمارات قلقة على مصالحها في ليبيا، بعد أن تأكد لها خسارة حفتر لمعركة طرابلس وانكساره فيها أمام الثوار.
وقال لـ”الخليج أونلاين”: إن “أبوظبي دفعت أموالاً طائلة لدعم حفتر، وقدمت له كل ما يلزم لوجستياً وعسكرياً، إلى جانب محور الشر الذي يضم السعودية ومصر بدعم فرنسي”، مشيراً إلى أنه “بعد تيقنها بالفشل العسكري لم تجد الإمارات أمامها سوى اللجوء إلى الخطة البديلة المتمثلة بهذا التحرك السياسي”.
وأضاف: الخطة “تقتضي تشكيل ما يزعم أنها حكومة وحدة وطنية، يترأسها عارف النايض”.
ولهذا السبب- يقول الزبير- أُعطيت للنايض الفرصة ليتجول في المناطق الشرقية، ويتواصل مع قبائلها لكي يحصل على القبول، مع دعم لا محدود من الإعلام الممول إماراتياً وسعودياً متمثلاً في العربية وسكاي نيوز.
المحلل السياسي الليبي تابع حديثه بالقول: إن “العارفين بالأمور في الداخل يدركون أن ورقة النايض محترقة؛ بسبب مواقفه التي تخدم الخارج ولا تنحاز لمصالح الليبيين”، لافتاً النظر إلى أن النايض “عندما كان سفيراً في الإمارات ساعد في القبض على الليبيين المساندين لثورة 17 فبراير”.
وأشار إلى أن “النايض حاول استغلال ورقة التصوف، مستغلاً شعبية التيارات الصوفية في ليبيا، لكن المجلس الأعلى للصوفية أصدر بياناً تبرأ فيه منه، بالإضافة إلى أن مسقط رأسه، مدينة أورفلة، أصدرت بياناً ضده؛ لذلك هو لا يملك أي قاعدة شعبية”.
ووفقاً للمحلل السياسي فإن “النايض استخدم لغة داعش في حديث له مؤخراً ضد أهالي طرابلس، قال فيه إننا سندخل إلى طرابلس وننشر الدين الحقيقي، وكأن الذين في طرابلس كفار”، مبيناً أن “استخدام خطاب داعش في التعامل مع الليبيين يؤكد أن حفتر ومن والاه لايختلفون كثيراً عن من منهجية داعش ووحشيته”.
خلاف إماراتي مصري
العديد من التقارير الإعلامية تحدثت في الأيام الماضية عن خلافات بين القاهرة وأبوظبي؛ بسبب رغبة الأخيرة في الاستغناء عن خدمات حفتر، والاستعانة بعارف النايض في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الخصوص يرى المحلل السياسي الليبي أحمد سلام الراجحي أن “مصر تفضل الاستمرار في دعم حفتر؛ لكونه شخصية عسكرية، وهي تدفع بكل ما لديها من قوة لترسيخ حكم العسكر في محيطها الجغرافي، لذلك تدعم وجود عسكري على رأس الأمر في ليبيا كما تفعل في السودان”.
وأكد الراجحي، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن “الحروب في المنطقة كلفت أبوظبي ثمناً غالياً”.
وأضاف: “فضلاً عن الكلفة الاقتصادية فإن سمعة الإمارات في العالم أصبحت في الحضيض”.
لهذا السبب- يقول الراجحي- “هربت الإمارات من اليمن، وتسعى لتحويل المعركة في ليبيا إلى الشق السياسي، مستغلة الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص؛ بهدف تسويق أجندتها عبر النايض”.
وتابع الراجحي: إن “حفتر لا يشعر بالارتياح حيال مساعي الإمارات تصدير النايض لرئاسة حكومة مدنية؛ موقناً أن الإجراء ما هو إلا عملية استبدال، لكنه وافق على ذلك تحت الضغط الذي وصل حد تهديد أبوظبي له بوقف دعمها العسكري”.
واستطرد قائلاً: “على الرغم من موافقة حفتر على مضض فإنه عمل على إفشال توافق نواب طبرق حول تشكيل حكومة مدنية في اجتماع القاهرة الذي عقد في 13 يوليو، من خلال مجموعة النواب التي تدين له بالولاء المطلق”.
وختم المحلل السياسي الليبي حديثه بالقول: إن عدم حصول التوافق على تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، وحكومة عبد الله الثني غير المعترف بها دولياً، جعل الإمارات ومصر يعودان إلى الرهان على الحل العسكري”.
وتابع يقول إن الإمارات ومصر عادتا هذه المرة بهجوم مشترك وتدخل عسكري مباشر، قد تشارك فيها فرنسا الحريصة على إنجاح معركة طرابلس لضمان مصالح شركاتها الاقتصادية، وهو ما حذر منه المجلس الأعلى للدولة.
وأكد أن “الهجوم الذي يعد له حالياً إن لم يحقق الهدف فإن ذلك سيعني نهاية حفتر وخروجه من المعادلة، ولن يكون ثمة بديل أفضل من النايض”.
يشار إلى أن النايض من مواليد بنغازي عام 1962، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الصناعية ثم البيولوجية، من جامعة “جويلف” في كندا، ودرجة الماجستير في فلسفة العلوم الطبيعية من الجامعة ذاتها، وعلى درجة الدكتوراه في الفلسفة أيضاً.
وهو متخصص في علم التأويل (الهرمنيوطيقا)، وأنهى الدراسات العليا الموازية في الفلسفة الإسلامية وعلم التوحيد، بجامعة “تورونتو” في كندا.
ودرس أيضا فلسفة الأديان وعلم اللاهوت المسيحي، في جامعة “جريجوريان”، في روما.